وفي الغالب توضع السياسة التحريرية قبل إطلاق الموقع وعملية التشغيل الفعلية، فهي الخطوة التنفيذية الأولى في الخطة التي سبق وضعها فيما يخص الإطار التحريري للموقع، وأول شيء تصطدم به خلال إعدادك للجانب التحريري.
وتتسم السياسة التحريرية لأي موقع بالثبات لفترات طويلة في الغالب والمرونة أحيانا حيال بعض القضايا، وقد تتغير البوصلة تماما في حالة تغير الأهداف وملاك الموقع، أو وقوع أحداث كبرى فرضت التغيير والتحول نحو أفكار وأهداف جديدة.
وتعد السياسة التحريرية أكثر الكلمات «الملعونة» في مهنة الصحافة بشكل عام، حيث في الغالب يرونها مقيدة لحرية عملهم، وتمنعهم من نشر معلومات يعتبرونها مهمة للقراء، لكن مثل تلك الانتقادات مبالغ فيها جدا، فكل وسائل الإعلام في العالم مهما كانت مساحة الحرية الممنوحة لها أجندات واتجاهات وأهداف واضحة تسعى لتحقيقها متعلقة بالأوضاع الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية أو الإعلامية، لذا فالسياسة التحريرية هي الأداة القادرة على تحقيق ذلك.
وتظهر السياسة التحريرية في أشكال متعددة يمكن قياسها بسهولة في حجم الذاتية والانحياز للأفكار الخاصة بالموقع في أشكال متعددة ومتنوعة، يمكن لأي قارئ معرفتها، سواء من معلوماته الشخصية عن الملاك أو الإدارة التحريرية، أو من التغطية الخبرية نفسها.
فمثلا ستجد بعض المواقع تسعى بشكل دائم ودؤوب لمحاباة بعض الأطراف والقوى المشاركة في الأحداث أو حتى لرأس المال، سواء ملاك الموقع أو المعلنون، فتقوم بحجب وتغييب بعض الحقائق أو حذفها، أو في طريقة عرضها وإبرازها في أماكن معينة لتتمتع بظهور أكبر نسبيا.
كما تظهر السياسة التحريرية في طبيعة المصادر التي يتعامل معها الموقع، وإغفال آراء المصادر الأخرى، وفي طبيعة الكتابة عنها، فالبعض ستجده يهول من حجم التصريحات والأفكار والأطروحات المختلفة والتقليل من غيرها، فتظهر علامات الاستحسان والاستهجان، وفقا لرؤية القائمين على الموقع.
وقد تكون السياسة التحريرية أكثر سوءا، فتقدم للقراء الآراء في صورة خبر، واستخدامها كحقائق للوصول إلى نتائج وصور ذهنية مزيفة، أو ذكر بعض الحقائق وتغييب أخرى، أو تشويه الحقائق نفسها، أو استخدام حقائق معروفة للقراء وحشوها بتفسيرات مشوهة لإرباك القراء، وجعله يغير اتجاهات وتصدير الشك إلى عقله ونفسه.
ورغم بشاعة المشاهد السابقة، فإنه مهما كانت السياسة التحريرية وأهدافها لا تعني الإخلال بالقيم ومواثيق الشرف الصحفي ولا اللجوء إلى معالجات مبتورة أو الانحياز الشائن، فالأصل لأي وسيلة إعلامية هي الثقة في خياراتها واتجاهاتها، وبالتالي تمتلك من الحجج والأسانيد القادرة على الرد على الأفكار المعارضة معها وإلا لا قيمة من الأساس لهذه الأفكار والسياسات.
ولا يعني بالطبع الالتزام بالسياسة التحريرية الاهتمام بأخبار الفضائح والإثارة والموضوعات السطحية وتشويه الأشخاص وانتهاك خصوصياتهم، فهذه مخالفات مهنية وقانونية جسيمة جدا، لا يجب أن يقع فيها الموقع، فلا يجب أن يكون الاهتمام بجلب الزيارات مؤثرا سلبيا على جودة المحتوى.
ولا يعني أيضا نشر الإشاعات وترويجها وتزييف الحقائق، فالتأكد من صحة المعلومات وصدقها قبل نشرها، وتحري الدقة والاهتمام بالموضوعات الإنسانية واحترام العادات والتقاليد، والاعتماد على المصادر الصريحة بعيدا عن المجهلة، هو الملاذ الوحيد لكسب ثقة الجمهور.
وقد تتم تجاوزات مهنية من الموقع دون قصد وبلا أية علاقة بالسياسة التحريرية، مثل مشكلات الدقة والمصداقية التي تعد من أهم آفات المحتوى الصحفي في الصحافة الإلكترونية، فالرغبة في سرعة نشر الأخبار وتحقيق السبق والتأثير في الرأي العام يؤدي في كثير من الأحيان للوقوع في مشكلات.
لذا يجب أن يتحلى أي موقع بالموضوعية والتوازن والمصداقية والحياد والنزاهة، إذا كان يريد أن يقدم خدمة متميزة للقراء، بحيث تتوافر على الأقل الأساسيات في الطرح والكتابة والتكوين الفعلي للمحتوى.
ومن الضروري أن يلتزم الموقع بالمعالجة المهنية والثقافية والأخلاقية للمادة الصحفية، بحيث تتوافر فيها أبعاد الموضوع كلها والاتجاهات المطروحة بطريقة متوازنة تستند إلى حجج منطقية، تتميز بالدقة والتوازن والإنصاف في العرض، وتفصل الآراء عن العناصر الخبرية، وتنسبها بوضوح وصراحة وتتجرد من الأهواء والمصالح الخاصة، والعمل لصالح الحقيقة وليس لأية جهة، وتحيط المستخدمين بكل المعلومات المتعلقة بالموضوع.
للتواصل:
علي التركي
مدير عام تحرير موقع «البوابة نيوز»
Ali_turkey2005@yahoo.com
مقالات تهمك:-
مبادرة لإنقاذ الصحافة الإلكترونية «1»
لماذا «جوجل» منقذ الصحافة الإلكترونية؟ «2»
لماذا تخسر المواقع الإخبارية مع «جوجل»؟ «3»
كيف تربح المواقع الإخبارية؟ «4»
الكيان المؤسسي في المواقع الإخبارية.. الفريضة الغائبة «5»
فن صناعة المواقع الإخبارية.. «التخطيط» «6»
تصور مبدئي لإنشاء موقع إخباري ناجح «7»
شركات الإنترنت وتدمير «صحافة الفيديو».. «8»
كيف تحمي موقعك من النصابين؟ «9»
«مسمار جحا» في قانون الصحافة «11»
«أنا منافق إذا أنا موجود».. «12»
عن أزمة الصحافة.. كيف تصنع بطلًا من ورق؟ «13»
العلاقة بين الصحفي والمصدر «تجارة رقيق».. «14»
«التصميم التجاوبي» والمواقع الإخبارية «15»
«الذهنية الورقية» تحرق المواقع الإخبارية «16»
الصحافة الورقية «ماتت».. والإلكترونية مريضة بـ«التوحد»! «17»
«الصحافة» و«فيس بوك» صراع دائم وهدنة مؤقتة «18»
عبدالله كمال ونبوءة المحتوى المتعمق في المواقع الإخبارية «19»
هل تستطيع «الذهنية الإلكترونية» صناعة صحيفة ورقية؟ «20»
كيف جعلت الصحافة الإلكترونية «العلم في الراس والكراس»؟ «21»
لماذا تلجأ المواقع الكبرى إلى «الزيارات الوهمية»؟! «22»
المعايير الرئيسة لتقييم جودة المواقع الإخبارية «23»
لماذا كتاب «صناعة المواقع الإخبارية»؟ «24»
"صناعة المواقع الإخبارية".. مهام فريق التسويق «25»
صناعة المواقع الإخبارية.. التسويق لا يعني الزيارات فقط! «26»
10 أخطاء تسويقية تقع فيها المواقع الإخبارية؟ «27»
الخطة التسويقية للمواقع الإخبارية «28»
كيف نختار المعلومات الصالحة للنشر؟ «29»
دراسة السوق وتحديد الأهداف التسويقية للمواقع الإخبارية «30»
استراتيجيات ومحاور خطة التسويق في المواقع الإخبارية «31»
6 مهام رئيسة لقيادات المواقع الإخبارية «32»
«دورة النشر» في المواقع الإخبارية «33»
هل اجتماعات التحرير مضيعة للوقت؟ «34»
المشكلات التحريرية في المواقع الإخبارية «35»
السياسة التحريرية.. لعنات وتجاوزات «36»
4 عناصر تتحكم في السياسة التحريرية «37»
كيف نضع السياسة التحريرية للموقع؟ «38»
المحتوى الصحفي القصير.. المشكلات والتحديات «39»
المحتوى المتعمق.. نكون أو لا نكون! «40»
كيف نختار موضوعات الـ«Top Story»؟ «41»
المراجع التحريري.. المهام والصلاحيات والمسئوليات «42»
المراجع اللغوي.. المهام والمسئوليات والصلاحيات «43»
سكرتير التحرير.. المهام والصلاحيات والمواصفات «44»
رئيس القسم ونوابه.. المهام والصلاحيات والمواصفات «45»
مدير التحرير.. الواجبات والمسئوليات «46»
رئيس التحرير.. المهام والمسئوليات والصلاحيات «47»
الاستراتيجيات الصغيرة.. كيف يفكر مديرو المواقع الإخبارية؟ «48»
كيف يفكر مديرو المواقع الإخبارية الكبرى «49»
كيف يفكر مديرو المواقع الإخبارية المتوسطة؟ «50»
الميزانيات الكبيرة تصنع مواقع صغيرة أحيانًا! «51»
كيف تعمل المواقع الإخبارية متناهية الصغر؟ «52»
كيف تدار المواقع الإخبارية الصغيرة؟ «53»
كيف تدار المواقع الإخبارية المتوسطة؟ «54»
التنظيم المؤسسي للمواقع الإخبارية «55»