وعند الإعداد للسياسة التحريرية للموقع ستجد نفسك أمام مزيج يتكون من 4 عناصر تؤثر بشكل مباشر على الإطار العام لها، وهي كالتالي:
1- التمويل
«الممولون للموقع»، هم أول المؤثرين في عملية وضع السياسة التحريرية، فلماذا يدفعون المال؟، الإجابة: لديهم أهداف يحاولون تنفيذها، وبالتالي سيقفون حائط صد ضد أي توجهات تحريرية لا تتوافق مع تلك الأهداف.
كما أن «الممولين»، هم كل الأشخاص والجهات التي تقدم الدعم المالي، وتساهم في تمويل الموقع، بأي شكل من الأشكال، وهنا نحن معنيون بطرفين رئيسيين: «المُلّاك والمعلنين»، وطرف ثالث هو «الجمهور»، في حال تقديم الخدمة الإخبارية، بمقابل مادي.
الطرف الأول «ملاك الموقع»، تكون لديهم أهداف معينة تحكم السياسة التحريرية، ويضعونها مُسبقًا، ويتم الاتفاق عليها مع إدارة التحرير المختارة لتنفيذها، ويتولون وضع السياسة التحريرية، والإشراف على تنفيذها، وإصلاحها حال عدم نجاحها في تحقيق الأهداف المرجوة، والتدخل السريع والمباشر إذا ما كانت البوصلة تسير في الاتجاه الخاطئ.
وقد يختلف نمط الملكية من موقع إلى آخر، فالمواقع الشخصية والعائلية لها قواعد عمل بها، تختلف تمامًا عن المواقع متعددة الملكية والشركات المساهمة أو التي تتبع الدولة أو الأحزاب والقوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المختلفة.
ومن هنا.. يكون لـ«ملاك الموقع»، الحق في فرض الخط الفكري والأيديولوجي والسياسات العامة للموقع، باعتبارهم المتحكم الرئيسي في تمويل الموقع وحجم الموارد البشرية والمادية بداخله.
أما الطرف الثاني «المعلنون»، فهم يرغبون في الترويج لمنتجاتهم ونشر اتجاهاتهم وأفكارهم على الجمهور الذي يستهدفه الموقع، وأصبح من المستخدمين، ولا يُعقل أن يعلن أي شخص أو جهة في موقع لا يخدم أهدافه التي يدفع فيه المال.
والطرف الثالث «الجمهور»، سيكون مؤثرًا بشدة إذا كان مساهمًا بقوة في التمويل، فإذا كان الموقع يقدم خدمة إخبارية مدفوعة الأجر، أو خدمة الرسائل القصيرة، فعليه أن ينتج محتوى يرغب فيه المستخدمون الذين يدفعون المال.
ولا يعني ذلك أن السياسة التحريرية خدمة رأس المال فقط، لأن ملاك الموقع أو المعلنين لن يحققوا أهدافهم إذا لم يتمكنوا من إحداث التأثير اللازم في الجمهور، وتكوين مستخدمين متفاعلين مع موضوعات الموقع.
وتكمن البراعة الحقيقية، في كيفية تحقيق مصالح الممولين، دون المساس بالمعايير المهنية اللازم توافرها في المواد الصحفية، تحديدا ضوابط ص «المصداقية، والدقة، والموضوعية».
ومن هنا يجب ترتيب أولوياتك، وفقًا لأهداف الممولين الرئيسية، وجعلها تبدو مرنة بشكل كبير، لكي تتمكن من جذب عدد كبير من الجمهور.
2- إدارة التحرير
هي الإدارة المسئولة عن تنفيذ السياسة التحريرية، وهنا تأتي أهمية اختيار فريق العمل الذي يمتلك القدرة على جلب المعلومات التي من المستهدف الحصول عليها لخدمة أهداف الموقع.
وتؤثر توجهات الأفراد التي تقود إدارة التحرير -بشكل كبير- على تنفيذ السياسة التحريرية في الموقع، فقد يمثل اسم رئيس التحرير فارقًا إيجابيًا لصالح الأهداف العليا للممولين، وقد تعطي نتائج سلبية للغاية، حيث يجب أن يعبر قائد الموقع بشكل واضح عبر المقالات والتحليلات والتقارير والتحقيقات عن السياسة التحريرية، ويتمتع بمهارات اتصالية عالية؛ تمكنه من إحداث التأثير.
ويوكل إلى إدارة التحرير مهمة المعالجة الصحفية للمعلومات، واتجاه المضمون، وأسلوب تحريرها وصياغتها، وطريقة عرضها بالشكل المناسب، لكي تتمكن من تحقيق المستهدفات منها.
وتعقد «إدارة التحرير»، اجتماعات دورية مع جميع القيادات والموظفين، للتشديد على أهمية الالتزام بالسياسة التحريرية، وترسيخ الأفكار المراد ترويجها، وكيفية التعامل مع الجمهور والمصادر والجهات والأشخاص المستهدف الحصول منها على المعلومات.
كما تكلف إدارة التحرير، بوضع ضوابط معينة للكتابة؛ تسمى «StyleBook» أو الأسلوب لمساعدة فريق العمل على التعبير بالشكل الصحيح عن توجهات السياسة التحريرية، ومنعًا لوقوع أخطاء تضر بالمصلحة العامة للموقع.
وتعتبر مهمة الإشراف على تنفيذ السياسة التحريرية أكبر مهام رئيس تحرير الموقع ومسؤوليته المباشرة، وإن كان من الضروري أن يستعين بمعاونين له، فلا يمكن الاعتماد على رئيس التحرير فقط في هذه المهمة، في ظل سرعة تدفق المعلومات التي تتسم بها المواقع الإخبارية.
ومن هنا.. يبدأ رئيس التحرير في توزيع المهام على قيادات الموقع، وبعض أفراد فريق العمل، الذين يختارهم؛ لتتم عملية التوجيه والإنتاج والانتقاء عبر الجميع، فيما يتعرف باقي المحررين على السياسة التحريرية عبر التوجيهات والأوامر الصادرة لهم من رؤسائهم، فيكون من السهل عليهم التعرف على نوعية المعلومات المراد الحصول عليها وطريقة التعامل معها ومعالجتها والموضوعات المرغوب في إبرازها وطريقة عرضها.
3- البيئة المحيطة
نعني هنا بطبيعة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والقانونية الداخلية، سواء كانت مؤثرة بشكل مباشر أو غير مؤثرة في اتجاهات الموقع وأهدافه، بل قد تمتد إلى التأثر بالأوضاع الإقليمية والدولية.
ولا ننسى أن الأوضاع المتوترة داخليًا في مصر، أثرت -كثيرًا- في سعر الدولار، بسبب تراجع السياحة، وبالتالي ارتفعت أسعار الورق، ما أدى إلى إغلاق العديد من الصحف الورقية، والاكتفاء بمواقعها الإلكترونية، كما تأثرت مصر كثيرًا بالأزمات السياسية والصراعات المسلحة في كل من «ليبيا، وسوريا، واليمن» رغم التحسن الأمني والسياسي النسبي في الأوضاع الداخلية، فأصبحت تلك الدول من المناطق الخطرة الطاردة للسياحة، التي هي أحد أهم موارد مصر من العملة الصعبة.
فـ«القوى المتحكمة» في البيئة المحيطة، تؤثر بشكل كبير في السياسة التحريرية للموقع، وطبيعة المحتوى والمعلومات وحتى طريقة العرض، أيضًا تساهم العادات والتقاليد السائدة في توجيه بوصلة التحرير داخل الموقع للشكل المناسب، وقد يكون الأمر أصعب كثيرًا إذا ما وضعنا في الاعتبار أن التعدد الثقافي والاجتماعي يختلف داخل المنطقة الواحدة.
كما تتحكم الأوضاع الاقتصادية والسياسية والقانونية في اتجاهات الموقع، وحرصه على التكيف معها، فصدور قانون الإعلام الجديد والاعتراف بالمواقع كوسيلة إعلامية؛ جعل من الصعب حدوث أي تجاوز مثلما كان من قبل، وبالتالي سيضع أي تجاوز مهني الوسيلة تحت طائلة القانون.
ومهما كان الموقع ينفذ القيم الصحفية المتفق عليها، وحرصه على الموضوعية والحيادية في العرض والتناول والمعالجة، ففي الغالب سيصطدم بقوى رافضة لتلك المعلومات، التي يهتم بطرحها ومعالجتها، خصوصًا أن كل الموضوعات المتعلقة بشكل مباشر بالسياسة التحريرية ستكون محاولة من إدارة الموقع لدفع الأحداث.
ومن هنا.. ستجد أن الوضع الثقافي، والقيم السائدة في المجتمع والأوضاع «السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية» المتحكم الرئيسي خلال وضع السياسة التحريرية لأي موقع، وطبيعة الخدمات الصحفية المنشورة.
4- احتياجات المستخدمين
لا وسيلة إعلامية فعالة دون مستخدمين والموقع بالطبع كذلك، لذا ستظل احتياجات الزوار، والجمهور المستهدف، المتحكم الرئيسي في أي سياسة تحريرية.
ولا يمكن تحقيق أهداف الموقع، سواء كانت «إعلامية، أو اقتصادية، أو سياسية.. إلخ»، دون جمهور، فهو رأس المال الحقيقي لأي وسيلة إعلامية.
وكلما كانت السياسة التحريرية، مرنة وقابلة لاجتذاب الكم الأكبر من الجمهور؛ سهّل ذلك من مهمة الموقع في تنفيذ الأهداف التي يرنو إليها.
لذا يجب وضع احتياجات ومتطلبات الجمهور المعلوماتية والخدمية، كجزء لا يتجزأ من صناعة السياسة التحريرية لموقعك، وإلا فلن يتحقق أي شيء.
للتواصل:
علي التركي
مدير عام تحرير موقع «البوابة نيوز»
Ali_turkey2005@yahoo.com
مقالات تهمك:-
مبادرة لإنقاذ الصحافة الإلكترونية «1»
لماذا «جوجل» منقذ الصحافة الإلكترونية؟ «2»
لماذا تخسر المواقع الإخبارية مع «جوجل»؟ «3»
كيف تربح المواقع الإخبارية؟ «4»
الكيان المؤسسي في المواقع الإخبارية.. الفريضة الغائبة «5»
فن صناعة المواقع الإخبارية.. «التخطيط» «6»
تصور مبدئي لإنشاء موقع إخباري ناجح «7»
شركات الإنترنت وتدمير «صحافة الفيديو».. «8»
كيف تحمي موقعك من النصابين؟ «9»
«مسمار جحا» في قانون الصحافة «11»
«أنا منافق إذا أنا موجود».. «12»
عن أزمة الصحافة.. كيف تصنع بطلًا من ورق؟ «13»
العلاقة بين الصحفي والمصدر «تجارة رقيق».. «14»
«التصميم التجاوبي» والمواقع الإخبارية «15»
«الذهنية الورقية» تحرق المواقع الإخبارية «16»
الصحافة الورقية «ماتت».. والإلكترونية مريضة بـ«التوحد»! «17»
«الصحافة» و«فيس بوك» صراع دائم وهدنة مؤقتة «18»
عبدالله كمال ونبوءة المحتوى المتعمق في المواقع الإخبارية «19»
هل تستطيع «الذهنية الإلكترونية» صناعة صحيفة ورقية؟ «20»
كيف جعلت الصحافة الإلكترونية «العلم في الراس والكراس»؟ «21»
لماذا تلجأ المواقع الكبرى إلى «الزيارات الوهمية»؟! «22»
المعايير الرئيسة لتقييم جودة المواقع الإخبارية «23»
لماذا كتاب «صناعة المواقع الإخبارية»؟ «24»
"صناعة المواقع الإخبارية".. مهام فريق التسويق «25»
صناعة المواقع الإخبارية.. التسويق لا يعني الزيارات فقط! «26»
10 أخطاء تسويقية تقع فيها المواقع الإخبارية؟ «27»
الخطة التسويقية للمواقع الإخبارية «28»
كيف نختار المعلومات الصالحة للنشر؟ «29»
دراسة السوق وتحديد الأهداف التسويقية للمواقع الإخبارية «30»
استراتيجيات ومحاور خطة التسويق في المواقع الإخبارية «31»
6 مهام رئيسة لقيادات المواقع الإخبارية «32»
«دورة النشر» في المواقع الإخبارية «33»
هل اجتماعات التحرير مضيعة للوقت؟ «34»
المشكلات التحريرية في المواقع الإخبارية «35»
السياسة التحريرية.. لعنات وتجاوزات «36»
4 عناصر تتحكم في السياسة التحريرية «37»
كيف نضع السياسة التحريرية للموقع؟ «38»
المحتوى الصحفي القصير.. المشكلات والتحديات «39»
المحتوى المتعمق.. نكون أو لا نكون! «40»
كيف نختار موضوعات الـ«Top Story»؟ «41»
المراجع التحريري.. المهام والصلاحيات والمسئوليات «42»
المراجع اللغوي.. المهام والمسئوليات والصلاحيات «43»
سكرتير التحرير.. المهام والصلاحيات والمواصفات «44»
رئيس القسم ونوابه.. المهام والصلاحيات والمواصفات «45»
مدير التحرير.. الواجبات والمسئوليات «46»
رئيس التحرير.. المهام والمسئوليات والصلاحيات «47»
الاستراتيجيات الصغيرة.. كيف يفكر مديرو المواقع الإخبارية؟ «48»
كيف يفكر مديرو المواقع الإخبارية الكبرى «49»
كيف يفكر مديرو المواقع الإخبارية المتوسطة؟ «50»
الميزانيات الكبيرة تصنع مواقع صغيرة أحيانًا! «51»
كيف تعمل المواقع الإخبارية متناهية الصغر؟ «52»
كيف تدار المواقع الإخبارية الصغيرة؟ «53»
كيف تدار المواقع الإخبارية المتوسطة؟ «54»
التنظيم المؤسسي للمواقع الإخبارية «55»