التقرير الذي أصدرته وكالة «We Are Social’s»، وتناول تحليل مؤشرات خدمات الاتصالات والإنترنت ومعدلات استخدام وسائل التواصل الاجتماعي داخل 232 دولة حول العالم، وأظهر سوء الخدمة المقدمة داخل مصر، بل وتذيلها للتصنيف بمتوسط سرعة اتصال بالإنترنت بلغ 1.7 ميجابايت في الثانية، لم يكن صادما، فالشركات لم تخدعنا بل نحن نخدع أنفسنا.
الكل يعلم أن خدمة الإنترنت في مصر هي الأغلى في العالم، والأسوأ من حيث مستوى الخدمة والسرعة، ناهيك بطء السرعة، وذلك بسبب سياسة الاستخدام العادل، التي تجني من ورائها الشركات أرباحًا خيالية، في ظل التزايد المتنامي لعدد المستخدمين للخدمة، وكل هذا بعيدًا عن سوء خدمة العملاء والدعم الفني.
في الحقيقة، إن الخدمة السيئة التي تقدمها شركات الإنترنت تتسبب في خسائر فادحة للاقتصاد القومي، بعد أن أصبحت الشبكة العنكبوتية الوسيلة الأسرع للتواصل مع أي فرد في العالم، ولن يكون في استطاعتنا إنشاء اقتصاد قوي من دون خدمة إنترنت متميزة، فلن يفيد كثيرا سن القوانين المحفزة للاستثمار، دون تحسين الخدمات المشجعة على الإنتاج ومنها الإنترنت بالطبع.
وبعيدًا عن كل تلك المشكلات التي وجب ذكرها، فهي جزء أساسي في معرض حديثنا عن إحدى الأزمات التي تهدد «صحافة الفيديو»، المستقبل الحقيقي للنشر الإلكتروني.
«صحافة الفيديو» أصبحت من العناصر المهمة للغاية في منظومة النشر الإلكتروني، وجعلت المواقع الإخبارية تنافس القنوات الفضائية بنقل «صوت + صورة» عن مختلف الأحداث، وتساعد أي مؤسسة في تحقيق أهدافها بترسيخ الصورة الذهنية لدى القارئ، باعتبار أن المواد المصورة تترك أثرا أكبر من النصية بكثير، فضلا عن تأثيرها في دعم المصداقية والقرب والحالية.
لكن ما العلاقة بين أسعار الإنترنت و«صحافة الفيديو».. من دون مواربة فإن الأسعار المبالغ فيها والخدمة السيئة في مصر تؤثران على النشر الإلكتروني بصفة عامة، وبصفة خاصة تؤثر بشكل أكبر على «صحافة الفيديو»، فمشاهدة تلك المواد تحتاج إلى سرعات عالية ومساحات «تحميل ورفع» كبيرة.
«صحافة الفيديو»، الطفل الذي لايزال وليدا في عالم النشر الإلكتروني في مصر، ويسير بشكل عشوائي، ويعتمد فقط على «الافتكاسات»، تفتقر إلى المنظومة المؤسسية، وغالبا ما يتم اختزالها في شخصين فقط، صاحب الفكرة ومنفذها، أو صحفي واحد يقوم بالمهمتين، ناهيك عن التدريب المفقود، وبالتالي يخرج المنتج النهائي قليل الجودة في أغلب الأحيان، فيفشل في تحقيق الهدف المنشود من إعداده.
أما إذا نجح في النهاية الموقع الإخباري في إنتاج فيديو عالي الجودة، ومتميز، فستجده يصطدم بـ«اللا منطق»، وهو أن يقوم الصحفي بتغطية متميزة لفاعلية ما، أو تنفيذ فكرة، ويعكف على التخطيط لتنفيذ السيناريو الخاص به، ويبذل مجهودًا في التصوير، ثم المونتاج، حتى يتم الانتهاء من المنتج النهائي، وفي النهاية، يرفض القارئ الذي بذل كل هذا المجهود من أجله، مشاهدة الفيديو «خوفا على الباقة».
أصبحت مشكلة حقيقية لدى كل المواقع الإخبارية في مصر بلا استثناء، إنتاج مادة تحريرية تتضمن صورًا وفيديوهات، وروابط تشعبية، في وقت قليل مثلما يحدث في البلدان العربية المجاورة، بل يحتاج ذلك إلى كثير من المعالجات كي يخرج المنتج النهائي بالشكل «شبه المناسب»، فأقصى شيء يمكن فعله هو رفع الفيديو على موقع «YouTube»، أو «Dailymotion»، وإرفاق اللينك مع المادة المنشورة لدعمها بالصوت والصورة، أي أن الموقع ينتج المادة المصورة، وتستفيد المواقع الأخرى بنسب المشاهدة، ويعد ذلك الحل الأسرع، في حين لو كانت خدمة الإنترنت عالية فسيكون متاحًا للموقع تحميل الفيديوهات، بشكل مباشر عبر لوحة التحكم، مثلما يحدث في أغلب المواقع العربية والعالمية، وبالتالي لن يستفيد منها سوى صاحب الملكية الفكرية.
كل ذلك بعيدا عن التأثير على تصميم المواقع، ففي الوقت الذي غزت فيه تصميمات «Animation» المواقع الإخبارية حول العالم، مازالت المواقع في مصر تستخدم تصميمات جاهزة، ولغات برمجة بدائية، لذا أنصحكم بمشاهدة موقعي «ديلي ميل»، و«سكاي نيوز عربية».
أعرف تماما أن شركات الإنترنت لا يهمها ما أقول، أو ما قالته وفعلته حملة «ثورة الإنترنت» من فعاليات وضغوط، بهدف تحسين الخدمة، والقضاء على سياسة الاستخدام العادل، غير الموجودة أصلا إلا في مصر وبعض البلدان النامية، في حين تجد كثيرا من الدول تتيح الخدمة مجانًا وبجودة فائقة.
أعتقد أن مواجهة جشع شركات الإنترنت أصبحت فريضة على كل صناع النشر الإلكتروني، فاستمرار هذا الأداء السيئ يضيع الكثير، خصوصا «صحافة الفيديو» المستقبل القريب للمواقع الإخبارية، ويضيع على ما يقرب من 50 مليون مصري يستخدمون الإنترنت، مشاهدة أعمال قد تكون فريدة خوفًا من فقدان «الباقة» سريعا، وتمنح «يوتيوب» آلاف المشاهدات من منتج بذل فيه مجهود كبير.
للتواصل:
علي التركي
مدير عام تحرير موقع «البوابة نيوز»
Ali_turkey2005@yahoo.com
مقالات تهمك:-
مبادرة لإنقاذ الصحافة الإلكترونية «1»
لماذا «جوجل» منقذ الصحافة الإلكترونية؟ «2»
لماذا تخسر المواقع الإخبارية مع «جوجل»؟ «3»
كيف تربح المواقع الإخبارية؟ «4»
الكيان المؤسسي في المواقع الإخبارية.. الفريضة الغائبة «5»
فن صناعة المواقع الإخبارية.. «التخطيط» «6»
تصور مبدئي لإنشاء موقع إخباري ناجح «7»
شركات الإنترنت وتدمير «صحافة الفيديو».. «8»
كيف تحمي موقعك من النصابين؟ «9»
«مسمار جحا» في قانون الصحافة «11»
«أنا منافق إذا أنا موجود».. «12»
عن أزمة الصحافة.. كيف تصنع بطلًا من ورق؟ «13»
العلاقة بين الصحفي والمصدر «تجارة رقيق».. «14»
«التصميم التجاوبي» والمواقع الإخبارية «15»
«الذهنية الورقية» تحرق المواقع الإخبارية «16»
الصحافة الورقية «ماتت».. والإلكترونية مريضة بـ«التوحد»! «17»
«الصحافة» و«فيس بوك» صراع دائم وهدنة مؤقتة «18»
عبدالله كمال ونبوءة المحتوى المتعمق في المواقع الإخبارية «19»
هل تستطيع «الذهنية الإلكترونية» صناعة صحيفة ورقية؟ «20»
كيف جعلت الصحافة الإلكترونية «العلم في الراس والكراس»؟ «21»
لماذا تلجأ المواقع الكبرى إلى «الزيارات الوهمية»؟! «22»
المعايير الرئيسة لتقييم جودة المواقع الإخبارية «23»
لماذا كتاب «صناعة المواقع الإخبارية»؟ «24»
"صناعة المواقع الإخبارية".. مهام فريق التسويق «25»
صناعة المواقع الإخبارية.. التسويق لا يعني الزيارات فقط! «26»
10 أخطاء تسويقية تقع فيها المواقع الإخبارية؟ «27»
الخطة التسويقية للمواقع الإخبارية «28»
كيف نختار المعلومات الصالحة للنشر؟ «29»
دراسة السوق وتحديد الأهداف التسويقية للمواقع الإخبارية «30»
استراتيجيات ومحاور خطة التسويق في المواقع الإخبارية «31»
6 مهام رئيسة لقيادات المواقع الإخبارية «32»
«دورة النشر» في المواقع الإخبارية «33»
هل اجتماعات التحرير مضيعة للوقت؟ «34»
المشكلات التحريرية في المواقع الإخبارية «35»
السياسة التحريرية.. لعنات وتجاوزات «36»
4 عناصر تتحكم في السياسة التحريرية «37»
كيف نضع السياسة التحريرية للموقع؟ «38»
المحتوى الصحفي القصير.. المشكلات والتحديات «39»
المحتوى المتعمق.. نكون أو لا نكون! «40»
كيف نختار موضوعات الـ«Top Story»؟ «41»
المراجع التحريري.. المهام والصلاحيات والمسئوليات «42»
المراجع اللغوي.. المهام والمسئوليات والصلاحيات «43»
سكرتير التحرير.. المهام والصلاحيات والمواصفات «44»
رئيس القسم ونوابه.. المهام والصلاحيات والمواصفات «45»
مدير التحرير.. الواجبات والمسئوليات «46»
رئيس التحرير.. المهام والمسئوليات والصلاحيات «47»
الاستراتيجيات الصغيرة.. كيف يفكر مديرو المواقع الإخبارية؟ «48»
كيف يفكر مديرو المواقع الإخبارية الكبرى «49»
كيف يفكر مديرو المواقع الإخبارية المتوسطة؟ «50»
الميزانيات الكبيرة تصنع مواقع صغيرة أحيانًا! «51»
كيف تعمل المواقع الإخبارية متناهية الصغر؟ «52»
كيف تدار المواقع الإخبارية الصغيرة؟ «53»
كيف تدار المواقع الإخبارية المتوسطة؟ «54»
التنظيم المؤسسي للمواقع الإخبارية «55»