كما كان
متوقعًا، أبلغت مؤسسة «الأهرام» للصحافة والنشر، الصحف الورقية، بزيادة أسعار
الورق والأحبار بنسبة 100%، متأثرة بتعويم الجنيه، وتضاؤل قيمته، في مقابل
الدولار، وبالتالي رفع تكاليف الطباعة، ووفقًا للمعطيات الجديدة، سيرتفع سعر
النسخة الواحدة لأكثر من 3 جنيهات على الأقل.
التصريح
جاء على لسان عضو مجلس إدارة «الأهرام»، عبدالمحسن سلامة، متضمنًا جملة «من غير
الطبيعي أن تدعم الأهرام الصحف الأخرى»، وهو محق تمامًا لكنه نسي أن الأهرام نفسها لديها
مديونيات بالملايين وتصرف مكافآت للعاملين بها رغم الخسائر الهائلة التي تتكبدها،
في الحقيقة «الأهرام» نفسها تحتاج لمن ينتشلها.
وبعيدًا
عن مشاكل المؤسسات القومية على رأسها «الأهرام»، سيكون للمعطيات الاقتصادية
الجديدة نتائج مأساوية على صناعة الصحافة الورقية، خصوصًا المؤسسات الخاصة فرؤوس
الأموال التي تضخ الاستثمارات فيها، مؤكد أنها ستبدأ في إنهاء ارتباطاتها أو تقليص
معدلات الضخ، بعد أن أصبحت الصناعة مُكلفة للغاية ومردودها «الاقتصادي، والسياسي..
إلخ»، لا يستحق الاستمرار في تلك المغامرة.
البعض
يرى أن المشهد محاولة لتقويض الصناعة، وأظن أن الأمر بعيد عن ذلك تمامًا، الصحافة
الورقية لم يعد لها وجود يذكر تقريبًا منذ اندلاع ثورة 25 يناير، واجتياح المصريين
لشبكات التواصل الاجتماعي، واتجاه رؤوس الأموال والقوى السياسية المتناحرة
للاستثمار في الصحافة الإلكترونية، باعتبارها الأكثر تأثيرًا وإقناعًا للجمهور،
حتى الشركات الكبرى، لم تعد تضخ إعلانات في الصحف الورقية.
أرى أن
الأزمة حاليًا، ليست في الصحافة الورقية التي لم يعد أمامها إلا المطالبة بـ«القتل
الرحيم»؛ لأنه الحل الوحيد القادر على إنهاء معاناتها وآلامها، لكن تكمن المعضلة
في الصحافة الإلكترونية نفسها، التي لم تتمكن حتى الآن من الأخذ بزمام الأمور،
وقيادة المشهد الإعلامي.
البديل
الإلكتروني، ما زال «يحبو»، ولن «يتمكن» من قيادة المشهد الإعلامي في اللحظة
الراهنة، فالمواقع الإخبارية أشبه بـ«الشاب اليافع الذي يُعاني من مرض التوحد»،
مجرد عقل طفل في جسم شاب، ماذا يفعل ذلك المسكين أمام مهمة تبدو بالنسبة له
مستحيلة؟!.
التأخر
الذي تُعاني منه «الصحافة الإلكترونية» عرقل مسيرة النمو، فحتى الآن لا تزال
المواقع الإخبارية تقوم فقط بالدور الوظيفي المتمثل في نشر المحتوى، دون النظر إلى
اهتمامات الجمهور.
في حين
تجد أغلب المواقع، تعاني من أزمة في التحول إلى المرحلة التالية المتمثلة في تسهيل
عملية التصفح أو حتى التمتع بمرونة في التصميم ما أفقدها أهم مزايا الصحافة
الإلكترونية، وهي «التفاعل» وبالتالي تقلص عدد الزوار، فاتجهت إلى شراء الزيارات
الوهمية وضخ الأموال في الإعلانات الممول على «فيس بوك» أو الموضوعات المثيرة من
عينة «كيم كاردشيان وأسعار اللانجيري.. وغيرها»، وهو ما أدى في النهاية لانهيار
المهنة، فضلًا عن الآثار السلبية المتعلقة بالأمان الوظيفي للصحفيين.
هذا
الاتجاه دفع إدارات التحرير في المواقع لتقليص رواتب المحررين لصالح دعم التسويق
بهدف جذب الزوار، سواء بالطرق المشروعة أو الوهمية، وهو ما يقتل أي أمل لتحقيق
الأهداف العليا لأي مؤسسة إعلامية.
الآن
المواقع الإخبارية، مطالبة بالانتقال من المرحلتين، الوظيفية وسهولة التصفح، إلى
مرحلة الإقناع والتأثير، وهي المهمة المستحيلة، فكيف بالله عليكم أن نطلب من طفل
صغير «يحبو»، عبور النهر وحده؟!.
الوصول
إلى مرحلة الإقناع والتأثير هي الأمل الوحيد إذا أردنا لصناعة الصحافة الاستمرار
وبها فقط تستطيع المواقع الإخبارية أيًا كانت أهدافها «إعلامية، اقتصادية،
سياسية.. إلخ»، التحكم في مواقف ونوايا واتجاهات زوار المواقع والاحتفاظ بهم مثلما
يفعل «فيس بوك»، وبالتالي تحقيق الأهداف المنشودة.
لكن كيف
ننتشل الصحافة الإلكترونية من واقع مأساوي؟!، فـ90% من المواقع المصرية تعاني من
مشاكل مستعصية في التصميم الذي يمثل 30% من نجاح أي موقع وأيضًا في التحرير الذي
يمثل 40% من التقييم، والتسويق 30% أخرى.
فمعظم
التصميمات بشقيها «الشكلي، والبرمجي»، تُعاني من مشاكل متعددة ومتشعبة، وبالتالي
فشلت في تحقيق وظائف «تيسير القراءة، والتوازن والتناسب والوحدة، والجاذبية
والجمال»، وأصبح التحكم في حركة الزوار داخل الموقع أمرًا مستحيلًا.
وعلى
الجانب التحريري فالكارثة أعظم فما بين أزمة معايير الكتابة وضعف المهارات عند
العاملين بالمهنة تأتي دائما المعضلة، حتى أن التوجه التحريري نفسه أصبح يخنق
الوسيلة، فالمحتوى الأصلي أصبح قليلًا للغاية والبيانات، أصبحت تمثل أكثر من 80%
من الإنتاج اليومي، رغم أن كل المؤسسات والشخصيات العامة تنشر نفس الكلمات على
صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، فلماذا سيدخل الزائر أصلا إلى الموقع إذا
كان لديه قدرة لمعرفة ما تنشره؟!.
فيما لا
تزال أزمة الجدال دائرة داخل الغرف المغلقة وموائد النقاش حول أيهما أفضل «الكتابة
السريعة أم المتعمقة»؟، هل نضخ كمًّا كبيرًا من الأخبار أم نكتفي بعدد قليل مستوفٍ
لكافة العناصر ومدعم بالفيديوهات والصور والروابط؟! هل نضع أسلوب كتابة يلتزم به
الجميع أم نترك الأمر لمحررين لا يعرفون حتى العناصر الأساسية للخبر؟!.
أما
الجانب التسويقي، فستجد كل المواقع بلا استثناء، تعتمد على صفحاتها بمواقع التواصل
الاجتماعي كوسيلة رئيسة لجلب الزيارات، ولا يوجد موقع واحد لديه استراتيجية، سواءً
في تحسين نتائج الظهور على محركات البحث، أو لخلق علاقة صداقة مع الجمهور فيكون
خيارا أوليًا للتعرف على آخر الأخبار.
من كل
ذلك، نستنتج أن الأزمة ليست في مصرع الصحافة الورقية، بل في الطفولة المتأخرة التي
تعاني منها المواقع الإخبارية، الأب مات وانتهى، والوريث سيعاني فيما بعد، فعلينا
الاهتمام بتطوير الصحافة الإلكترونية إعمالا بمقولة: «الحي أبقى من الميت».
للتواصل:
علي التركي
مدير عام تحرير موقع «البوابة نيوز»
Ali_turkey2005@yahoo.com
مقالات تهمك:-
مبادرة لإنقاذ الصحافة الإلكترونية «1»
لماذا «جوجل» منقذ الصحافة الإلكترونية؟ «2»
لماذا تخسر المواقع الإخبارية مع «جوجل»؟ «3»
كيف تربح المواقع الإخبارية؟ «4»
الكيان المؤسسي في المواقع الإخبارية.. الفريضة الغائبة «5»
فن صناعة المواقع الإخبارية.. «التخطيط» «6»
تصور مبدئي لإنشاء موقع إخباري ناجح «7»
شركات الإنترنت وتدمير «صحافة الفيديو».. «8»
كيف تحمي موقعك من النصابين؟ «9»
«مسمار جحا» في قانون الصحافة «11»
«أنا منافق إذا أنا موجود».. «12»
عن أزمة الصحافة.. كيف تصنع بطلًا من ورق؟ «13»
العلاقة بين الصحفي والمصدر «تجارة رقيق».. «14»
«التصميم التجاوبي» والمواقع الإخبارية «15»
«الذهنية الورقية» تحرق المواقع الإخبارية «16»
الصحافة الورقية «ماتت».. والإلكترونية مريضة بـ«التوحد»! «17»
«الصحافة» و«فيس بوك» صراع دائم وهدنة مؤقتة «18»
عبدالله كمال ونبوءة المحتوى المتعمق في المواقع الإخبارية «19»
هل تستطيع «الذهنية الإلكترونية» صناعة صحيفة ورقية؟ «20»
كيف جعلت الصحافة الإلكترونية «العلم في الراس والكراس»؟ «21»
لماذا تلجأ المواقع الكبرى إلى «الزيارات الوهمية»؟! «22»
المعايير الرئيسة لتقييم جودة المواقع الإخبارية «23»
لماذا كتاب «صناعة المواقع الإخبارية»؟ «24»
"صناعة المواقع الإخبارية".. مهام فريق التسويق «25»
صناعة المواقع الإخبارية.. التسويق لا يعني الزيارات فقط! «26»
10 أخطاء تسويقية تقع فيها المواقع الإخبارية؟ «27»
الخطة التسويقية للمواقع الإخبارية «28»
كيف نختار المعلومات الصالحة للنشر؟ «29»
دراسة السوق وتحديد الأهداف التسويقية للمواقع الإخبارية «30»
استراتيجيات ومحاور خطة التسويق في المواقع الإخبارية «31»
6 مهام رئيسة لقيادات المواقع الإخبارية «32»
«دورة النشر» في المواقع الإخبارية «33»
هل اجتماعات التحرير مضيعة للوقت؟ «34»
المشكلات التحريرية في المواقع الإخبارية «35»
السياسة التحريرية.. لعنات وتجاوزات «36»
4 عناصر تتحكم في السياسة التحريرية «37»
كيف نضع السياسة التحريرية للموقع؟ «38»
المحتوى الصحفي القصير.. المشكلات والتحديات «39»
المحتوى المتعمق.. نكون أو لا نكون! «40»
كيف نختار موضوعات الـ«Top Story»؟ «41»
المراجع التحريري.. المهام والصلاحيات والمسئوليات «42»
المراجع اللغوي.. المهام والمسئوليات والصلاحيات «43»
سكرتير التحرير.. المهام والصلاحيات والمواصفات «44»
رئيس القسم ونوابه.. المهام والصلاحيات والمواصفات «45»
مدير التحرير.. الواجبات والمسئوليات «46»
رئيس التحرير.. المهام والمسئوليات والصلاحيات «47»
الاستراتيجيات الصغيرة.. كيف يفكر مديرو المواقع الإخبارية؟ «48»
كيف يفكر مديرو المواقع الإخبارية الكبرى «49»
كيف يفكر مديرو المواقع الإخبارية المتوسطة؟ «50»
الميزانيات الكبيرة تصنع مواقع صغيرة أحيانًا! «51»
كيف تعمل المواقع الإخبارية متناهية الصغر؟ «52»
كيف تدار المواقع الإخبارية الصغيرة؟ «53»
كيف تدار المواقع الإخبارية المتوسطة؟ «54»
التنظيم المؤسسي للمواقع الإخبارية «55»