تُعد كرة القدم الرياضة الأكثر شعبية في مصر والعالم، ولم تكن فى بداياتها وسيلة لكسب المال، بل نشأت فى المحروسة من خلال فرق شكلها عمال المصانع وطلاب المدارس، بعيدًا عن الاحترافية.
ومع مرور الوقت، شهدت الكرة المصرية تاريخًا حافلًا بالإنجازات والتألق، سواء على مستوى الأندية أو المنتخبات، ولم يقتصر هذا النجاح على الساحة المحلية والقارية، بل امتد إلى المحافل الدولية بفضل اللاعبين المصريين المحترفين، الذين تألقوا فى الملاعب الأوروبية والعالمية، ورفعوا اسم مصر عاليًا.
لعب الاحتراف دورًا كبيرًا فى تطوير مستوى الكرة المصرية، حيث أسهم فى اكتساب اللاعبين المصريين خبرات ومهارات فائقة، مما انعكس إيجابًا على أداء المنتخب الوطنى والأندية المصرية فى المحافل الدولية، كما أسهم الاحتراف فى زيادة شعبية كرة القدم فى مصر، ولفت أنظار الخبراء إلى اللاعب المصري، الذى يمتلك العديد من الإمكانيات فضلًا عن موهبته التى أجبرت كبار الأندية حول العالم فى ضم أكثر من نجم خلال السنوات الماضية.
كرة القدم المصرية.. تاريخ حافل من التألق فى سماء أوروبا
تعود جذور الاحتراف المصري فى الخارج إلى بدايات القرن العشرين، حيث فى السنوات الأخيرة من القرن الـ19 دخلت رياضة كرة القدم إلى مصر على يد الإنجليز حينما كانوا يحتلون البلاد، قبل أن يأتى سفراء الكرة المصرية ويرفعون علم مصر عاليًا فى بلاد الفرنجة وغيرها، وعلى رأسهم حسين حجازي.
حسين حجازي.. رائد الكرة المصرية
موهبة فريدة من نوعها فى تاريخ كرة القدم المصرية، إذ أصبح أول لاعب مصرى وعربى يحترف فى أوروبا وأول مصرى وعربى ينضم لفريق إنجليزي، إنه حسين حجازى أول لاعب مصرى محترف فى التاريخ، وكذا فى الدورى الإنجليزي، وتحديدًا فى نادى فولهام عام 1911.
ولد حجازى فى حى الحسين بالقاهرة، مارس كرة القدم عام 1897، فى مدرسة السعيدية الثانوية، بدأ رحلته الرسمية مع كرة القدم بالنادى الأهلى ضمن أول فريق تم تكوينه فى عام 1911، حيث كان لاعبًا موهوبًا ومهاريًا.
تألق حجازى وذاع صيته بين الجنود الإنجليز حتى وصل إلى إنجلترا، لتوجه جامعة كامبريدج الدعوة له للدراسة هناك، وليلعب ضمن فريقها، حتى رآه المسئولون فى الأندية الإنجليزية، التى تبارت على ضمه حتى نجح نادى فولهام فى الظفر بخدماته، لتنطلق معه شعلة الاحتراف الخارجى عبر التاريخ، ويسهم فى فتح الطريق أمام اللاعبين المصريين الآخرين للاحتراف فى الخارج.
بات حسين حجازى أحد رموز الكرة المصرية، بعدما صار أول مدرب وطنى يتولى تدريب منتخب مصر لمدة 4 سنوات فى الفترة ما بين 1920 إلى 1924، قبل أن يعتزل عالم الجلد المدور فى عام 1931 بقميص نادى الزمالك.
توفيق عبدالله.. الأول في الدوري الإنجليزي
توفيق عبدالله أحد أوائل اللاعبين الذين خاضوا تجربة الاحتراف فى أوروبا، إذ إنه ثانى لاعب مصرى يلعب فى إنجلترا بعد حسين حجازي، والأول فى مسابقة دورى الدرجة الأولى.
ارتدى عبدالله قميص الأهلي، ولعب العديد من المباريات أمام الفرق الإنجليزية، لينتقل بعدها إلى إنجلترا، لينضم إلى ديربى كاونتي، الذى كان ينافس حينذاك فى دورى الدرجة الأولى (الذى كان يعد المستوى الأعلى لكرة القدم فى ذلك الوقت ويعادل البريميرليج حاليًا).
تألق توفيق عبدالله مع منتخب مصر فى أولمبياد 1920، ليخوض تجربة احترافية خلال الفترة بين عامى 1920 إلى 1926 مع أندية ديربى كاونتى وكاوندن بيث وبريدجيند تاون وهارتليبوليس يونايتد ثم بلروفيدينس الإنجليزية.
وكانت أول مباراة لأحد رواد الاحتراف مع ديربى كاونتي أمام مانشستر سيتى فى شهر أكتوبر عام 1920، حينها فاز زملاء توفيق عبدالله بثلاثية نظيفة، أحرز خلالها المحترف المصرى هدفًا، ليظهر بعدها على غلاف مجلة أجنبية لأول مرة فى التاريخ عام 1920 بعد الأداء المميز، الذى قدمه مع ديربى كاونتي، حيث تصدر غلاف مجلة «توبيكال تايمز» الإنجليزية، والتى تعد أول صحيفة أسبوعية متخصصة فى الكرة، وكانت تصدر إسبوعيا فى لندن من الفترة من 1919 حتى 1940.
جيل الستينيات والسبعينيات.. التألق في أوروبا الشرقية
شهدت فترة الستينيات والسبعينيات تألق العديد من اللاعبين المصريين فى الأندية الأوروبية، وخاصة فى أوروبا الشرقية، ومن أبرز هؤلاء اللاعبين حسن شحاتة وفاروق جعفر، اللذين لعبا فى أندية مجرية ويونانية.
ولم يكن الأمر مقتصرًا على شحاتة وجعفر، بل كان هناك اسمًا خطف الأضواء، وهو صالح سليم، الذى تلقى خطابًا فى صيف 1963 فيه عرض للانضمام إلى صفوف فريق جراتس النمساوي، ليحزم قائد فريق الأهلى حقائبه مسافرًا إلى النمسا، ليوقع على عقد مدته 4 أشهر، ليذهل الجميع فى رحلته الاحترافية، وتكتب الصحافة النمساوية عنه بعد تألقه: «اللاعب الذى أخذ بيد ناديه إلى المربع الذهبى فى الدورى النمساوي، ليستحق عن جدارة لقب أفضل لاعب محترف فى النمسا خلال هذا الموسم».
من جراتس إلى البريميرليج.. محطات مضيئة فى مسيرة أبناء النيل
عاد صالح سليم مرة أخرى للنادى الأهلي، وأكمل به مشواره الكروى حتى عام 1967، الذى شهد اعتزاله، بعدما حقق العديد من الإنجازات سواء مع المارد الأحمر والمنتخب الوطني، ولكن فى تجربته الاحترافية انتشل جراتس النمساوى من تذيل جدول ترتيب الدورى أو المسابقة المحلية، ليقوده إلى المربع الذهبى فى إنجاز مسجل فى تاريخ أحد الطيور المهاجرة.
جيل الثمانينيات والتسعينيات.. العودة إلى الواجهة
وشهدت فترة الثمانينيات والتسعينيات عودة قوية للاعبين المصريين إلى الاحتراف فى أوروبا، لاسيما فى الدوريات الكبرى مثل الدوري الإنجليزي والإسباني والإيطالي والألماني، ومن أبرز هؤلاء اللاعبين: مجدى طلبة وحسام حسن وأحمد حسن وعبد الستار صبري وهانى رمزى وأحمد حسام ميدو، ومحمد زيدان.
مجدي طلبة.. تقسيمة تسجل اسمه فى سجلات التاريخ
ولد مجدي طلبة فى 24 فبراير عام 1964، بدأ مسيرته مع الزمالك ولعب بين صفوف الفريق الأول 5 أعوام، وفى صيف عام 1989 كان خارج حسابات مدرب الأبيض وقتها عصام بهيج، فى ظل إقامة معسكر القلعة البيضاء فى اليونان، وتدريب نادى باوك بجوار الزمالك، طلب النادى اليونانى من نظيره المصرى لاعبًا يكمل به التقسيمة، ليبهر بعدها طلبة مسئولى باوك، لينضم إليه مجدى طلبة موسم 1989-1990، ويصبح أول لاعب مصرى وأفريقى أحد عمالقة الأندية اليونانية.
وكتب طلبة اسمه فى سجلات التاريخ؛ لأنه بات أول لاعب مصرى يشارك فى البطولات الأوروبية الكبرى، كما رحل نجم الأهلى والزمالك السابق إلى ليفسكى صوفيا البلغارى فى عام 1994، ليدخل التاريخ أيضًا بتتويجه ببطولتى الدورى والكأس، ليصبح أول مصرى يحقق بطولة مع فريقه الأوروبي.
عبدالستار صبري.. «إيزيبيو أفريقيا»
لم يختلف اثنان على موهبة عبدالستار صبري، أحد أمهر لاعبى الكرة المصرية على مر العصور، كان يتمتع بمهارات فنية عالية وقدرة على صناعة الألعاب وتسجيل الأهداف، بجانب مراوغاته الرائعة للاعبى الخصوم.
بدأ صبرى مشواره الاحترافى عام 1997، من خلال تيرول إنسبروك النمساوي، ومنه إلى أراوا السويسرى، قبل أن ينتقل عام 1999 إلى باوك اليونانى، ثم رحل إلى بنفيكا البرتغالى فى محطة شهدت تألقه وبزوغ نجمه، حيث كان يطلق عليه النقاد فى البرتغال لقب «ايزيبيو أفريقيا»، ونال إشادات واسعة سواء من أسطورة كرة القدم البرتغالية كريستيانو رونالدو، ومواطنه المدرب جوزيه مورينيو أحد أفضل المدربين حول العالم، وأخيرًا ناديا مارتيميو وستريلا فى البرتغال ليعود إلى مصر عام 2004.
هاني رمزي.. 15 عامًا من الاحتراف الأوروبي
تعد مسيرة هاني رمزي الاحترافية فى أوروبا من أبرز التجارب الناجحة للاعبين المصريين فى الملاعب الأوروبية، حيث بعد تألقه مع النادى الأهلى ومنتخب الفراعنة، انتقل إلى نادى نيوشاتل السويسرى فى عام 1990، ثم انتقل فى عام 1994، إلى الدورى الألماني، عبر بوابة فيردر بريمن، ثم إلى كايزرسلاوترن، الذى حقق معه الدورى الألماني.
أحمد حسام ميدو.. هداف خارق فى 4 دوريات كبرى
يظل أحمد حسام ميدو أحد أنجح المحترفين المصريين عبر التاريخ، كما أنه يعتبر أحد أبرز اللاعبين فى تاريخ الكرة المصرية، حيث حقق العديد من الإنجازات خلال مسيرته الكروية، سواء على المستوى المحلى أو الأوروبي.
ميدو مهاجم هداف خاض العديد من التجارب الاحترافية، بدأت فى عام 2000 حينما كان يبلغ من العمر 17 عامًا، من خلال نادى جينت البلجيكي، وفى عام 2001 انتقل إلى أياكس الهولندى الذى شهد فترة توهج ميدو كرويًا وبداية ظهور اسمه على الساحة الأوروبية، ثم لعب لفريق سيلتا فيجو الإسبانى على سبيل الإعارة، وبعد ذلك انتقل إلى مارسيليا الفرنسى وروما الإيطالى وتوتنهام وويجان ووست هام الإنجليزيين، ليعتزل اللعب عام 2013 بعد رحلة 13 عامًا فى أوروبا، سطر خلالها ميدو اسمه من نور فى الدوريات التى لعب بها، وشكل ثنائيات خطيرة على مرمى المنافسين مع زلاتان إبراهيموفيتش فى أياكس، وديدييه دروجبا فى مارسيليا، وفرانشيسكو توتى فى روما، وجيرمان ديفو فى توتنهام.
يعد ميدو من أقوى المهاجمين والهدافين فى تاريخ الكرة المصرية، فضلًا عن أنه اللاعب المصرى الوحيد الذى لعب بين 4 دوريات كبرى من الخمسة الشهيرة، توج خلال مسيرته الاحترافية بالدورى الهولندى مرتين مع أياكس، وكأس هولندا ودرع يوهان كرويف، كما حصد ألقابًا فردية، مثل: حذاء الهداف مع جينت البلجيكى فى عام 2001، وأفضل لاعب شاب فى الدورى البلجيكى بنفس الموسم.
الألفية الجديدة.. نجوم فى كل مكان
وشهدت الألفية الجديدة تألق العديد من اللاعبين المصريين فى مختلف الدوريات الأوروبية والعالمية، ومن أبرز هؤلاء اللاعبين محمد صلاح (ليفربول) ومحمد النني (أرسنال) ومحمود حسن تريزيجيه (أستون فيلا)، وعمر مرموش (مانشستر سيتي) ومصطفى محمد (نانت) وأحمد حسن كوكا (لوهافر) وعمرو وردة (أتروميتوس) وأحمد حجازي (وست بروميتش ألبيون)، سام مرسي (إبسويتش تاون)، ومؤخرًا محمد عبد المنعم (نيس).
محمد صلاح.. الفرعون المصرى ملك ليفربول
لا يوجد أدنى شك فى أن محمد صلاح صاحب أنجح تجربة احترافية للاعب مصر على مر التاريخ، فإن جماهير ناديه أطلقت عليه لقب «ملك ليفربول»، لما حققه مع النادى خلال ما يقرب من 8 سنوات، لم يستطع أساطير وأبناء النادى تحقيق ما أنجزه صلاح مع العملاق البريطانى خلال فترة وجيزة. وصل هداف ليفربول إلى 300 هدف مع الأندية الأوروبية التى لعب لها، وحصد مع الريدز على 8 بطولات، هي: دورى أبطال أوروبا، كأس السوبر الأوروبي، الدورى الإنجليزى الممتاز، كأس العالم للأندية، كأس الاتحاد الإنجليزي، كأس الدرع الخيرية، ولقبان من بطولة كأس رابطة الأندية الإنجليزية «كاراباو».
عمر مرموش.. الأغلى بين المصريين والعرب
سجل عمر مرموش اسمه بأحرف من ذهب، حينما انتقل إلى مانشستر سيتى الإنجليزى فى فترة الانتقالات الشتوية الجارية، قادمًا من آينتراخت فرانكفورت الألمانى فى صفقة قدرت بمبلغ ٧٥ مليون يورو كقيمة أساسية، بالإضافة إلى 5 ملايين يورو أخرى كحوافز ومتغيرات إضافية، ليصل إجمالى الصفقة إلى 80 مليون يورو.
بذلك أصبح مرموش أغلى لاعب مصرى فى التاريخ، وبات أغلى صفقة انتقال لاعب عربى تاريخيًا، متفوقًا على المغربى أشرف حكيمي، والجزائرى رياض محرز، كما صار مرموش صاحب الـ26 عامًا أول لاعب مصرى يخوض مباراة رسمية مع مانشستر سيتى فى تاريخ الدورى الإنجليزى الممتاز وذلك أمام تشيلسي.
خرج عمر مرموش للاحتراف عبر بوابة نادي وادى دجلة، ليلتحق فى عام 2017 بنادى فولفسبورج الألماني، حيث لعب فى البداية مع فريق الشباب والفريق الثاني، ثم أعير إلى سانت باولى وشتوتجارت ليعود إلى فولفسبورج ويتألق ليجذب الأنظار إليه ويرتدى قميص آينتراخت فرانكفورت فى صفقة انتقال حر، ويحطم العديد من الأرقام القياسية ومنها كسر رقم محمد زيدان نجم بوروسيا دورتموند الألماني، حيث أصبح أفضل هداف مصرى فى موسم واحد فى تاريخ الدورى الألماني، وبزغ نجم مرموش مع فرانكفورت بعدما قدم أداء استثنائيًا معه فى الموسم الجاري، مسجلًا 20 هدفًا بجانب صناعته لـ14 آخرين فى مختلف المسابقات، ما أجبر السيتى على التعاقد معه فى الميركاتو الشتوى الحالي.
النني.. مثال للمثابرة وسطر اسمه ضمن القادة التاريخيين للأرسنال
بدأ محمد النني مسيرته الكروية ضمن ناشئى النادى الأهلي، قبل التحاقه بنادى المقاولون العرب، حيث تألق فى صفوف الفريق الأول، ولفت أنظار الأندية الأوروبية، وفى عام 2013، انتقل إلى نادى بازل السويسري، حيث حقق نجاحًا كبيرًا، وفاز معه بالعديد من الألقاب.
وفى عام 2016، حقق النني حلمه بالانتقال إلى الدورى الإنجليزى الممتاز، حيث انضم إلى أرسنال، ورغم صعوبة المنافسة فى البريميرليج، إلا أن الننى استطاع أن يثبت نفسه كلاعب أساسى فى الفريق، وقدم أداء مميزًا فى مركز خط الوسط، وبالرغم من إصابته ووجود عناصر أساسية داخل الفريق اللندنى حرمت النني من اللعب بشكل متواصل، كافح كثيرًا وضرب مثالًا للمثابرة حتى اعتمد عليه المدرب الإسبانى مايكل أرتيتا فى سنوات نجم المنتخب الوطنى الأخيرة من الجانرز، ليرتدى شارة قيادة الفريق وأصبح ضمن القادة فى فترة كانت صعبة لفريق أرسنال من حيث النتائج، ليخرج الننى معارًا إلى بشكتاش فى موسم 2019-2020، قبل أن ينتهى عقده فى نهاية الموسم الماضى ليرحل فى صفقة انتقال حر ويحط الرحال مع الجزيرة الإماراتي.
وخلال مسيرة النني الاحترافية، توج ببطولات: الدورى السويسري (4 مرات)، كأس الاتحاد الإنجليزي، كأس الدرع الخيرية الإنجليزية.