

حينها قلت له: "هل بعد كل ما حدث لكورييل كان يكن الحنين لمصر أم تحول بكامل طاقته إلى عداوة لبلد لم تحترمه حتى بعد موته؟، أجاب مؤكدا: "حنينه لمصر كان كاملا وحتى 1957 كان هدفه الوحيد أن يعود لمصر، ولكن كان مستحيلا أن يحدث ذلك، وفى هذا الوقت بدأ يفهم أنه لن يعود فدخل في تأييد الجبهة الجزائرية، وسجن في عام 1961 وخرج مع اتفاقية استقلال الجزائر وقامت الأخيرة بالاعتراف بدوره ودور كل من قاوم من أجلها على عكس ما حدث ومازال يحدث في مصر الآن".

وتابع: "دعنى أقول لك أن اليهود دائما ما تكون علاقتهم أقوى بالوطن، أما بالدين فعلاقتهم خفيفة، فهم دائما ما يشعرون بأنهم نسيج من الوطن، فانا مثلا امى يهودية وأبويا هنرى كورييل وانا معنديش أي علاقة مع الدين، لا يمكن أن أقول أنه لا علاقة لى باليهود، ليس لأسباب مبدأية وليس خوفا من اضطهاد اليهود، فأنا حتى آخر لحظة يضطهد فيها اليهود سأقول أنا يهودى وبعد ذلك سأقول أنا لا علاقة لى باليهودية، ومثلما كان يقول شحاته هارون دائما "لكل إنسان أكثر من هوية وأنا إنسان.. فأنا مصرى حين يضطهد المصريين.. أسود حين يضطهد السود.. يهودى حين يضطهد اليهود.. فلسطينى حين يضطهد الفلسطينيون"، وده كان من الفكر الشيوعى وأحد الأفكار اليهوديه، فاليهود مكنوش شعب أو أمه، فكان من السهل أن يتنقلوا من مكان لآخر، وفى الماضى لم يكن هناك أي فرق بين اليهودى والمسيحي والمسلم، فجميعهم بشر".

وتابع معاتبا الإعلام: "اظن أنه قبل أن ينفذ هذا الكلام في التربية يجب أن ينفذ في الإعلام، مع العلم أننى لا أعنى أن يقول كل الناس أن كورييل بطل، فأنا موقفى من هنرى من الممكن أن يختلف مع غيري، ولكن أعنى أن يتحدث الإعلام بالحقيقة ودور الحركة الشيوعية في هذا الوقت، وأظن أن ما حدث في 2011 من ثورة الشعب جعلت العديد من الشباب يبدأ البحث في تاريخ ما قبل 1952 وهو تاريخ مهم في حياة المصريين".
واستطرد: "الهوية شئ صعب في العالم العربى، فيجب أن نعترف أن الإنسان لا يحمل هوية واحده، فمثلا في فرنسا نعلم أن هناك اضطهاد ضد المسلمين، ولكن في نفس الوقت ممكن أن تكون "فرنسي.. مسلم.. ولك علاقة خاصة مثلا مع مارسيل وهى مدينة في الجنوب"، فالشخص هنا يمثل ثلاثة هويات لا تتضارب مع بعضها، أتذكر أننى يوما ذهبت لعمل حوار مع شباب تتراوح أعمارهم ما بين الـ14 والـ15 عام في حى صعب العيش به في فرنسا، هم يعترفون أنهم مسلمين ويرفضون هويتهم الفرنسيه، لما وجدوه من اضطهاد فرنسي للإسلام فقلت لهم "انتو ممكن تكونوا مسلمين وفرنسيين"، فلا يوجد هوية واحده ضد كل الهويات الأخرى، كما اننا نعلم تماما أن هناك تيارات إسلامية تقول أن كل من هو غير مسلم ليس فقط خارج بناء المجتمع، ولكن تكفر الكثير من المسلمين أنفسهم، وتعتبر أنه لا علاقة لهم بنسيج الوطن.

ذكرت في البداية تلك السيدة التي أرادت الاعتذار لليهود المصريين، كيف برأيك أن يقدم هذا الاعتذار وهل سينقص شيء من الدولة، قال صراحة: "يجب إحترام مصر لدور اليهود في التاريخ وأنا متفائل أن الربيع العربى فتح باب حوار جديد من ناحية تقوية التطرف، والذي بدأ الضغط على المجتمعات لتعيد التفكير في تعديل فكر الهوية، وأظن أن اعتذار مصر لمن طردوا شيئا لا يقلل من مكانتها، ولكن ليس اعتذارا ماديا بل اعتذار عن طريق تصحيح التاريخ والاعتراف بما قاموا به، وليس فقط لليهود بل لكل ما قبل 1952، فالتاريخ ليس إسلاميا فقط، والهوية الأساسية مصرية تجمع بين المسلمين والمسيحيين، كما أظن إن الشباب هيقدر يغير وده مسئوليتنا كلنا ومسئوليتكم انتم كشباب، أنا أظن أن هناك أشياء إيجابية تحدث هذه الأيام في مصر بالنسبة للقضية اليهودية، مثل الأفلام التي تحاول أن تتحدث عنهم وكل تلك الأقلام التي تكتب وتنقل الصورة بصدق".

وأكمل: "أمى استطاعت الحصول على فيزا للخروج وقبل السفر بيومين استدعوها في المصلحة الرسمية وسحبوا منها الفيزا الخاصة بها ونسوا أن يأخذو فيزتى أنا وأخى فأخذتنا أمى وسفرتنا، وبعدها بيوم سألوها عننا فأخبرتهم أننا سافرنا وبقيت هي ممنوعة من السفر من شهر فبراير إلى ديسمبر، وكان صعب جدا علينا جميعا، ورفعت قضية ضد الدولة وسافرت بعدها، كنت أنا في عمر الـ14 عاما وأخى في عامه الـ17 وكانت فرنسا هي البلد التي سافرنا وعشنا بها".