استدعت تصريحات الكاتب الصحفي صلاح عيسى بعدم إجبار اليهود ذوى الجنسية المصرية على الرحيل وعدم معاملتهم بسوء داخل السجون التوقف قليلا للبحث في هذا الشأن ومن وراء مغادرتهم البلاد رغم أن إسرائيل لم تكن ملاذ كل من كان غنيا أو استطاع الحصول على الأموال.
ذهاب بلا عوده " كانت تلك الكلمات التي بدأنا البحث بها على موقع جوجل لتكون بداية الخيط للإجابة على أسئلة كثيرة ما زالت تعيش بدون إجابة لدى الكثيرين، في البداية قرئنا عدة مقالات صحفية تم نشرها أثناء فترة خروج اليهود من مصر شرحت كيف كان اليهود يعملون كجواسيس ويمدون إسرائيل بالسلاح ويهربون أموالهم وكان أهم ما طالعناه في بداية الأمر مقال جاء بعنوان "رحلة بدون رجعة، تبرعات للأعداء، وتجميد للأموال، وتخريب للاقتصاد" هكذا صاغ الصحفى عنوانه الرئيسي والذي لم نستطع العثور سوي على سطرين فقط منه تحدث فيهما الكاتب عن خروج من لا يحملون أي جنسيات كما تحدث عيسى ولكن من الواضح في تقسيم العنوان أن هذه الرحلة ستمد الأعداء بثروة بشرية وستخرب اقتصاد مصر، هذا ما استطعنا تفسيره من العنوان وهو الرأى نفسه الذي حدثتني به الكاتبة الصحفية فريدة النقاش حين حدثتنا بخصوص تهجير اليهود من مصر قائلة " أغلبية اليهود كانوا مصريين لا نستطيع التشكيك في وطنيتهم وما حدث لليهود في مصر أعطى إسرائيل ثروة بشرية لم تكن تحلم بها مهما طال الزمن، كما أن جميع اليهود الأغنياء أو من استطاعوا أن يجمعوا بعض الأموال رفضوا السفر لإسرائيل وتفرقوا في عدة دول أوروبية ولكن من سافر لإسرائيل هم فقط الفقراء وذلك لأنها كانت توفر لهم السفر والمعيشة دون أي تكاليف، فلو لم تقم مصر بتهجير اليهود سواء كانوا من الذين لا يحملون جنسيات أو من ذوى الجنسية المصرية وقتها لما نعمت إسرائيل بكل هذا العدد خصوصا وأن ما حدث ليهود مصر حدث ليهود العرب جميعا".
وكانت إجابتها بخصوص التغطية الإعلامية لحادثة "الخروج" على النقيض تماما من ما قاله الكاتب الصحفى صلاح عيسى حيث أكدت أنه كان هناك إعلام إسلامي يتعامل مع قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بأنها حرب ما بين اليهود والإسلام ولكن لن تنكر أن هناك بعض الإعلامين تعاملوا مع الموقف بحيادية.
وتابعت الحديث قائلة "نشأة إسرائيل كانت نشأة وحشية على أرض الشعب الفلسطيني لذا كان لا بد من ردود فعل قاصمة تجاه اليهود العرب".
وباعتبارها كانت رئيسة تحرير جريدة الأهالي الخاصة بحزب التجمع ومعرفتها الوثيقة الخاصة بشحاتة هارون كان لا يمكن أن أنهي الحديث معها دون أن أسألها عن هذا المناضل اليسارى المصري وعن وطنيته، التي قالت عنه "شحاتة هارون ماكناش نقدر نقول أنه مش وطنى وكل اليهود إلى كنا نعرفهم عمرنا ما إختلفنا على وطنيتهم وشحاته هارون كان طول عمره ضد الفكر الصهيونى ويناضل على إسقاطه وأتذكر إنه كان فرحا جدا بتأميم قناة السويس، ولم يكن بيننا وبينهم أي اختلاف في نقاشات عديده سوي أن البعض والذي كان من بينهم شحاته هارون كانوا مع قيام دولة إسرائيل كواقع سياسي ما زلنا نعيشه حتى الآن".
ثم أنهت الحديث بنصيحة صغيرة "دائما ابحث عن الحقيقة في الأصوات الأخرى مش في الصوت الواحد".
عدت مره أخرى وبدأت أبحث داخل عدة مواقع وصفحات تقوم بأرشفة الأحداث القديمة التي احتفظت بشيء من معلومات موثقه بأوراق عن حياة اليهود في مصر خلال تلك الفترة.
بداية ومن حارة اليهود رأيت أحد المعابد اليهودية التي قامت وزارة الآثار بتجديدها وغلقها بالأقفال وكأنه حرام على المصريين زيارته، هذا المعبد تم إخفاء ملامحه فحتى نجمة داود التي دائما ما توضع على الشبابيك لم أجدها ولم أعرف أنه المعبد الذي أقصده سوي من لافته صغيره أعلى الباب عليها كتابة عبرية.
هذا المعبد خاص بـ "موسي إبن ميمون" هذا الرجل كان من أشهر من فسروا التوراة في عهده كما كان هو الطبيب الخاص لصلاح الدين الأيوبي، وتلك كانت المفارقة الأولى في تزوير الحقائق المصرية اليهودية حيث أن الجميع لا يعلم أن طبيب صلاح الدين الخاص كان يهوديا ولم يخف صلاح الدين في أن يمكر به، ولعل من المفارقات الغريبة أن تشترك المنتجه العظيمة الراحلة آسيا داغر في هذا التزوير من خلال فيلم الناصر صلاح الدين حيث تعمدت أن تذكر شخصية عيسى العوام كمسيحي في جيش صلاح الدين لترسي من خلاله مبدأ الوطنية ولم تذكر أن طبيب بطل فيلمها كان يهوديا، ولمن لا يعرف " عيسى العوام شخصية وهمية من خيال المؤلف فالحقيقة تقول أنه كان مسلم وجندى مثل أي جندى في جيش الناصر صلاح الدين " ليبقى السؤال هل سقط شخص طبيب صلاح الدين سهوا أم سقط عمدا لظروف سياسية كانت أكبر من أن يكتب التاريخ بطريقه صحيحة؟.
الإجابة على هذا السؤال نراها فيما حدث لـ محو تاريخ" يعقوب إبن كلس "اليهودى هو الأخر والتي ترددت الأراء في إسلامه فيما بعد ولكن لا ينكر أي شخص على أنه كان له دور مهم في الدولة الفاطمية كما كانت له وزارة المال وله التخطيط وفى عهده وعلى حسب خططه كانت الدولة تنمو في إذرهار، ومن خلال بحثى عنه علمت أنه كان صاحب فكرة تحويل جامع الأزهر من مسجد صغير لمنبر علم كبير كان يقوم بتعاليم الشيعه التي كانت تدين بها الدولة الفاطمية آن ذاك ثم تحول ليكون أكبر منبر للمذهب السنى بعد مكه المكرمة.
تلك الأسماء التي ذكرناها كانت الأبرز في العصور الوسطى مرورا بالعصور الحديثة وبداية من حكم محمد على حيث بدأت تنحدر سلالة أشهر 7 عائلات يهودية كان أهمها عائلة قطاوى باشا والتي شغلت مناصب عديدة في أيام محمد على باشا ولعل من أبرز المفارقات التي وجدتها أثناء البحث أن بنك مصر الذي يعرف دائما بأن مؤسسة طلعت حرب باشا وهذا ما درسناه تكرار في مناهجنا المدرسية لم يكن طلعت حرب سوي شريك مع يوسف أصلان قطاوى باشا ويوسف شيكوريل والذي ينتمى لأحد العائلات اليهودية الكبرى صاحبة سلسلة محال شيكوريل لينتج عن هذه الشراكة بنك مصر الوطنى الذي قام لدعم الاقتصاد المصرى وفى النهاية إختذل التاريخ فضل إنشاء هذا الصرح في شخص " طلعت حرب باشا ".
أيضا إشترك يوسف قطاوى في الوفد المصري الساعى للتفاوض مع بريطانيا للمطالبه بإستقلال مصر كما كان من ضمن من وضعوا الدستور المصرى عقب ثورة 1919 والذي تم الإعلان فيه عن إستقلال مصر بصورة شكلية ومبدأيه.
وتأتي بعد ذلك عائلة منشة وعائلة رولو والتي كان من المشتهر عنهم أعمالهم الخيرية ورعاية لشئون الطائفة اليهودية في مصر ومن ثم عائلة سوارس والتي كان لها الفضل في إنشاء البنك الأهلي المصرى كما كان لهم دور كبيرا في المساهمة ببناء خزان أسوان ومد خطوط السكة الحديد، أما عن محال بنزيون وعمر أفندى وريفولى وهانو التي نراها في معظم شوارعنا فهي يهودية الأصل أنشأتها عائلة عدس ومن ثم ينقلنا الذكر إلى عائلة سموحة والتي تم إطلاق اسمها على منطقة سموحه بالإسكندرية وذلك لكبر ممتلكات تلك العائلات كانت 6 من أصل 7 عائلات يهودية كبرى لم تعاد البلاد ولم تقم بعمل أي شئ لصالح الكيان الصهيونى فيما عدى العائلة السابعه وهى عائلة موصيري والتي أقامت الفندق الشهير مينا هاوس وكذا سان استيفانو بالإسكندرية وهى الوحيدة التي رعت الفكر الصهيونى والذي كان له جمعيات هنا في مصر تحت أعين الحكومة وقبل إعلان قيام دولة إسرائيل ولم يشعر المسؤولين بخطر تلك الجمعيات سوي بعد 1948 وقت إعلان قيام دولة إسرائيل لتدفع 6 عائلات ثمن ما إقترفته عائلة سابعة ويمحو التاريخ كل ما قدموه لمصر في التجارة والصناعة وغيرهما.
كما أن صيدناوى أحد المحال التجارية الكبرى كان في بداية الأمر محل صغير بمنطقة الحمزاى بالأزهر ليتم افتتاح أول فرع رسمى له في عام 1913 بحى الموسكي ليبدأ بعدها في الإنتشار باسم صيدناوى.
هكذا كان ينظر لكل تلك العائلات التي شغلت مناصب عديدة في التجارة والصناعة والذهب على انهم مصرين أغنياء ولكن عقب 48 وخصوصا بعد العدوان الثلاثى بدأت النظره تتغير لتصبح " يهود يحاولون السيطرة على الصناعة والتجارة " ومن هنا بدأت رحلات الخروج بلا عوده حيث بدأ الكثير من اليهود بتصفية محالهم والذهاب إلى أوربا رافضين السفر إلى إسرائيل، ومن أكثر من موقع بدأت احصل على صور لجوازات سفر قديمة تم بالفعل ختمها بجملة " سفر بلا عوده " لعل ما قاله الكاتب الصحفى صلاح عيسى عن عدم خروج المصريين ذوى الجنسية المصرية تم إثبات أنه رأى خاطئ من خلال حصولى على شهادة ميلاد لطفلة تحمل اسم " ألجيرا صوفيا " وبالرغم من أنها من أصحاب الجنسية المصرية إستطعت التوصل للباسبور الخاص بها مختوم برجوع بلا عودة، كما اننى حصلت على عدة أوراق تثبت طلب عدد من اليهود الغير محددى الجنسية للجنسية المصرية وهو ما عكس خطأ تصريحات الكاتب الصحفى صلاح عيسى وهو ما دفعنى لإستكمال البحث حول طبيعة اليهود الفقراء وهو الشق الذي تم نسيانه عمدا لتظل فكرة أن اليهود كانوا أغنياء بفضل إستيلائهم على اقتصاد الدولة لإنجاح دولة إسرائيل فكرة باقية لا تبطل وهو ما سنكشفه خلال الحلقة القادمة بالمستندات كيف كان اليهود يتعايشون في المجتمع كمصريين وكيف كانت الدولة تتعامل مع مناسباتهم الدينية الرسمية وكيف كانت السينما المصرية أحد الأدوات التي تم استخدامها لطمس تلك الحقائق كما فعلت آسيا داغر في فيلمها الناصر صلاح الدين وهل حقا كان لليهود مشاركات في الثورات المصرية والتي كان أهمها ثورة عرابى وثورة 1919.
الخروج الثاني (3)