هل تحويل معبد يهودى إلى
مسجد أمر يحتاج إلى فتوى؟ كان هذا هو السؤال الذي حاصرنى به أهالي شارع ولى العهد، حيث
يوجد المعبد اليهودى بحدائق القبة: هل تجوز الصلاة في مسجد أقيم على أنقاض المعبد؟ في إطار رحلة البحث عن الأسباب الحقيقة لخروج اليهود من مصر قمت بإرسال طلب فتوى خاصة
من دار الإفتاء بمشيخة الأزهر بخصوص هذا الشأن فكان نص الفتوى التي حملت رقم
673116" هل يجوز هدم المعابد اليهودية في حالة خروج اليهود جميعهم من مصر حتى
وإن أرادت وزارة الآثار فتحها كأثر؟ وهل يجوز الصلاه فيها ما دامت مغلقه منذ سنين أو
هدمها وتحويلها لمسجد؟ وكان الرد "لا يجوز هدم هذه المعابد" ولم يأتنى
أي رد على الجزء الثانى من السؤال في جواز بناء المسجد.
فقمت بطلب فتوى أخرى أخبرتهم خلالها أننى أسكن أمام المعبد وشرحت لهم ما قام به سكان المنطقة بجمع الأموال لبناء مسجد على باب المعبد للصلاة فيه كما ذكر لى الموظف في "الحلقة الأولى" فما مدى جواز هذه الصلاة في هذا المسجد، وكانت الإجابة نصا: "لا يجوز غصب الأرض وبناء المسجد عليها، فلو كانت هذه الأرض خاصة بهذا المعبد فغصبها حرام شرعا، أما حكم الصلاة في الأرض المغصوبة: فقد ذهب الفقهاء إلى أن الصلاة في الأرض المغصوبة حرام، لأن اللبث فيها يحرم في غير الصلاة، فلأن يحرم في الصلاة أولى" وحملت هذه الفتوى رقم "197512".
ما حدث للمعبد اليهودي دفعنا للبحث مرة أخرى في قضية خروج
اليهود من مصر في خمسينيات وستينيات القرن الماضى وتحديدا بعدما تفاقمت المشكلة عقب نكسة
67 وما صاحب هذا الخروج من اتهامات بالعمالة والتخوين لفئة من المجتمع المصري عاشت
سنين بل قرونا طويلة على أراضيها.
في البداية التقينا الكاتب الصحفى صلاح عيسى، الذي كان له رأى مغاير في هذه الأحداث،
وسألناه: كيف ترى تعامل الإعلام مع قضية خروج اليهود من مصر أيام الخمسينيات؟ وبدأ يشرح
أنواع اليهود الذين كانوا يعيشون في مصر وقتها وأكد أكثر من مرة أن اليهود المصريين
الأصليين لم يمسسهم أحد ولم يجبرهم أحد على الرحيل وهذا هو النوع الأول أما النوع الثانى
فهم اليهود الأجانب حيث إنهم من أصول أوروبية جاءوا إلى مصر هاربين من النازية وأخيرا
المجموعة الثالثة هم اليهود غير محددي الجنسية وكانوا يقيمون في مصر من أخلاط الجنسية
العثمانية.
وأكد "عيسى" أن عبد الناصر كان لديه موقف من بقاء اليهود الأجانب وغير محددي الجنسية وكان لا بد من رحيلهم بعد ثورة 23 يوليو خوفا من تعاملهم مع أي عناصر أجنبية، ولكن بداية جو العداء مع اليهود ورحيلهم كانت بعد حرب 48 حين تم تأسيس دولة إسرائيل وهو ما شكل جوا من العداء لمعظم اليهود العرب وقتها لظروف الحرب التي كانت تخوضها الدول العربية مع إسرائيل وهو ما أدى إلى تطور الأمر من معاداة لدولة إلى معاداة دينية مع اليهود بعد حرب 1952.
وأكمل: "حين بدأت حركة التأميمات بدأ اليهود الأوربيون الخوف على رأس مالهم وبدأوا في تصفية شركاتهم داخل مصر والهجرة خوفا على ضياع ممتلكاتهم وسافروا دون أن يجبرهم أحد على الرحيل".
في هذة النقطة من الحديث مع "عيسى"
ذكرنا له قصة هنرى كورييل وأنه خرج من البلاد مرغما على أن يكون خروجه بلا عودة بالرغم
من أنه مصرى معروف بثوريته وموقفه العدائي الكامل ضد إسرائيل ولا علاقة له بالطبقة اليهودية الرأس مالية، فقال "هنرى كورييل كانت مشكلته مع مصر ليست بسبب يهوديته
ولكن لأنه شيوعى ولذلك تم ترحيله، وذكر لى قصة رحلته في الصين قائلا "كنا في رحلة
إلى الصين وكان معنا يهود مصريون ذكروا لنا أنه حين تم القبض عليهم على مشارف 67 وبعد
الهزيمة في أحداث تحفظية كانوا يعاملون داخل السجن معاملة جيدة لم يحظ بها المصريون
أنفسهم".
وهنا قاطعناة موضحين "أن السؤال حول
تعامل الإعلام وقتها هل كان محايدا أم موجها؟ "صمت قليلا ثم أجاب: "موقف الإعلام
وقتها كان على عكس الكثير من القضايا التي كان مضطرا فيها لموالاة النظام فكان يتعامل
بكل جدية وحيادية، وكما ذكرت أن اليهود المصريين لم يمسسهم أحد بسوء ولم يجبرهم أحد
على الرحيل، بتلك الكلمات أنهينا حديثنا لتظل تأكيدات الكاتب الصحفى الكبير صلاح عيسى
حول معاملة اليهود في مصر وخصوصا في السجون محل خلاف كبير حيث كان لشحاتة هارون المصري
اليهودى اليسارى الراحل رأى آخر دونه في كتابه عن سوء المعاملة التي لاقاها في السجن
حين تم التحفظ عليه هو والكثير من اليهود المصريين الذكور قبيل النكسة.
وعلى عكس ما كتبه شحاتة هارون كان رد يوسف
القعيد الأديب المصري، أكثر صرامة من رأى الكاتب الصحفى صلاح عيسى والذي لم يستمر حديثي
معه لأكثر من عشر دقائق، اتهمنا فيها بالتقصير في قراءة التاريخ الحقيقى لمصر، حيث
رأى أن عبد الناصر لم يقم بكل ما تم تأويله على هذه الفترة ولم يجبر أحدا على الرحيل،
وأكد أن اليهود هم من قاموا باتخاذ قرار الخروج من قرارة أنفسهم دون أي ممارسات أو
ضغوط من قبل عبد الناصر، وتولد هذا القرار حين بدأت دولة إسرائيل وهاجر معظمهم هناك
وقاموا بتصفية أعمالهم بالداخل.
ولكن ما نعرفه نحن وعلى عكس ما قيل"إن اليهود المصريين احتفظوا بولائهم للبلاد وتعاملوا مع الكيان الصهيونى المغتصب بكل عداء ومعظم من اضطروا للرحيل رفضوا الذهاب إلى إسرائيل"، ولعل هذا ما ذكره جملة وتفصيلا وزير الثقافه ونائب رئيس مجلس الوزراء السابق ثروت عكاشة في مذكراته عن "هنرى كورييل" وهو يهودى مصرى شيوعي لا يعرفه الكثير فبالرغم من طرده خارج مصر بلا عوده رفض كورييل السفر إلى إسرائيل بل سافر إلى فرنسا وفضل البقاء خارج الفكر الصهيونى الذي ظل طوال حياته يعاديه ويحارب ضده.
وأبرز المواقف التي لا يعرفها الكثير عنه
أنه استطاع وهو في فرنسا أن يكشف خطة العدوان الثلاثى على مصر قبل وقوعه بشهر عن طريق
أحد أصدقائه وأرسل تلك الخطة للرئيس الراحل عبد الناصر عن طريق عبد الرحمن صادق الملحق
الإعلامي في السفارة المصرىة بباريس، ولكن لم يقتنع عبد الناصر بتلك الخطة لمجرد أن
كورييل كان يهوديا وظن أنها خطة من خطط الخيانة ضد مصر وبعد وقوع العدوان على مصر وهزيمتنا
فوجئ الجميع بأن الخطة كانت صحيحة، وطلب وقتها ثروت عكاشه وزير الثقافة ونائب رئيس
الوزراء المصري من عبد الناصر أن يعيد الجنسية لكورييل مرة أخرى تقديرا لما قام
به ولكن كان رد عبد الناصر "إن شاء الله بس الأمور تهدى" ولم يعد لكورييل
جنسيته الأصلية.
تلك القصه المغمورة وثقها ثروت عكاشة في مذكراته لتكون شاهدا حيا على وطنية هذا الشخص ولتكون سندا يستند به كل من يرد على المشككين في وطنية الكثير من المصريين اليهود.
ويبقى السؤال قائما، هل ما حققه كورييل لا يكفى لتكريمه بأقل شيء وهو إعادته إلى وطنه بغض النظر على أنه طرد ليهوديته أو لشيوعيته؟
كما أنه لم يكتف بهذا القدر بل انضم إلى
حركة تحرير الجزائر وظل يدافع عن القضية الجزائرية القومية وبعد استقلال الجزائر ووفاة
والدته تبرع ببيته بالكامل للجزائر ليكون مقر سفارتها في القاهرة، تلك كانت ملامح بسيطة عن حياة هنرى كورييل الذي تم طرده مع من طردوا من البلاد أثناء الخروج الكبير لليهود
في الخمسينات والستينات.
انتظروا
في الحلقة القادمة:
ننشر بالوثائق.. الخروج الثاني لليهود من مصر ذهاب بلا عودة
الخروج الثاني (2)