الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

الخروج الثاني "9" بالفيديو والصور.. سكان حارة اليهود.. كلنا كنا مصريين والى إتحكالكو عنهم غلط.. ومصطفى السعيد: شك عبد الناصر طال الجميع حتى اليهود إلى كانوا ضد إسرائيل

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"حارة اليهود"، هي تلك المنطقة التي كان يقطنها أكبر اليهود المصريين المنتمين إلى الطبقتين الوسطى والفقيرة، والتي أصبحت في ما بعد من أهم المناطق التجارية بوسط القاهرة، تصل بين العتبة والموسكي، وتضم ما يقرب من 360 زقاقًا، وتتبع حاليًا حي "الجمالية". 
في السابق كان يوجد بحارة اليهود أكثر من 12 معبدًا مقسمة بين اليهود الربانيين والقرائين، وحاليًا لم يعد بها سوى ثلاث معابد، هي: معبد "موسى بن ميمون"، ذلك الطبيب الذي رافق صلاح الدين الأيوبي في حروبه، ووقف بجوار ابنه الأفضل فيما بعد، ومعبد "أبوحاييم كابوسى"، في درب "نصير"، و"معبد بار يوحاي"، في شارع "الصقالية". 


توجهنا إلى الحارة، وبدأنا في البحث عن كبار السن من سكانها، لمحاولة الوصول لمن كان يعيش وقت وجود اليهود، لنتعرف منه أكثر على كيفية حياة واندماج الخير في المجتمع، دلَّنا أحد المتواجدين على شخص يدعى صالح رجب، صاحب محل مصوغات صيني، عاصر اليهود في طفولته، وسكن معهم في نفس العمارة.

عم صالح قال في بداية حديثه: "إن الحارة كان يقطنها يهود فقط.. أغلبهم يعملون في الصاغة وتجارة الأقمشة.. ثم بدأت الأسر المسلمة تتردد عليها.. وكانت أسرته من أوائل تلك الأسر".

وأضاف صالح: "كنا أول ناس مسلمة تسكن في البيت مع اليهود.. وكان معنا في البيت مدام "راشيل" ومدام "جان" وولادها.. وزوجها كان شغال في السكة الحديد.. وكان معنا جارنا اللى في الدور الأول اسمه "سليمان كاسرو".. كان يهودى وأسلم.. لكن ابنه حاخام في إسرائيل.. وأنا وقتها كان عمرى 6 سنين.. ومعاملتهم كانت كويسة مع المسلمين".

وتابع صالح: "حارة اليهود دلوقتى أغلبية السكان اللى فيها مشيوا.. علشان اتقلبت لمركز تجارى.. لكن قبل كده كانت نضيفة.. وكان سكانها المسلمين والمسيحيين واليهود كلهم عايشين مع بعض.. وكانت الأسر المسلمة معروفين بالاسم في الحارة.. زى أسرة رجب، وأسرة عبدالوهاب، والحاج سيد اليمنى، وشبورة، والأرمانى.. وكان على باب كل شقق اليهود علبة صغيرة متثبته على الباب.. فيها الوصايا العشرة باللغة العبرية".

وأردف صالح: "أغلب ممتلكات اليهود في الحارة هنا.. قامت ببيعها "كارمن" رئيسة الطائفة القديمة.. ولم يتبق منها سوى أشياء قليلة جدًا.. زى عائلة الشابورية.. اشتروا معبد من المعابد اللى هنا.. وبنوه عمارة.. وكمان عمارة إبراهيم واصف كانت معبد.. وعمارة المحبة كانت معبد.. وأغلب الممتلكات اليهودية اشترتها عائلات الشابورية وعائلة البندارية والمنصورية من كارمن ونيللي.. رؤساء الطائفة القديمة". 


وعن الفارق بين اليهود المصريين والصهاينة، قال: "هناك فارق كبير بين اليهود المصريين والصهاينة.. فجيراننا من اليهود المصريين كانوا طيبين جدًا.. مايختلفوش عننا في حاجة.. غير اليهود اللى جم من أوروبا.. وكمان نعرف أن اليهود العرب اللى سافروا إسرائيل هناك بيعتبروهم يهود درجة "3".. ولكن هناك بعض البيوت لا زالت ملك اليهود.. ولكنها تحت الحراسة المصرية".

وأضاف صالح: "كل اللي تعرفوه عن اليهود غلط.. هما ماكنوش بيكرهونا خالص. أفتكر وأنا صغير كانوا بيدونى بسكوت.. وكنا أطفال بنلعب كلنا مع بعض.. ونجرى على المعبد اليهودى.. ونطلع فوق شجرة التوت.. وناكل منها كلنا مسلمين ومسيحين ويهود أطفال".

وعن ما يتذكره خلال فترة الهجرة الجماعية لليهود المصريين، قال: "سنة 1976 كانوا مسافرين.. وكان صعبان عليهم جدًا أنهم هايسيبو البلد لأنهم عاشوا واتربوا هنا.. ولما كانت أمى بتتعب كانوا بيقلقوا عليها.. ويتابعوها لأنهم جيران والجيرة مابيحكمهاش دين.. فكانوا ينضفولنا البيت.. ويعملوا الأكل ويساعدوا أمى طول ما هي تعبانة".

وعن الفارق بين مصر في الماضى والآن، قال "مصر دلوقتى مابقتش مصر.. إحنا زمان كنا عايشين في هدوء.. مافيش تمييز.. الدين كان لله.. إنما دلوقتى لازم نصنف بعض.. ونتكلم على بعض.. وكل يوم بنسمع عن مصيبة جديدة في مكان".

وعن المستوى المعيشي لليهود، قال: "اليهود مش كلهم كانوا أغنيا.. كان في منهم ناس فقرا.. وكانوا ساكنين في حاجه اسمها "الأوديش".. وده عبارة عن أوضة لكل أسرة وحمام مشترك.. لكن للأسف ده دلوقتى اتحول لمحلات.. وفى عيلتين عاوزين ياخدوه بلطجة ويبنوه.. لكن كل الأوض اللى فيه بقت محلات".

وعن المنزل الذي يسكن فيه قال: "هذا البيت كان تابع للحراسة الفرنسية.. وأصبح تحت الحراسة المصرية.. صاحبه الأساسي اسمه جاك باتون.. ورفض بيع البيت قبل خروجه من مصر.. وسافر إلى فرنسا وليس إسرائيل.. ولديه 13 وريثًا من ضمنهم موسى.. وهو من مضى على تسليم البيت". 


أنهينا حديثنا معه، وتوجهنا حسب الوصف إلى "الأوديش"، الذي تحدث عنه، لنكتشف أننا كثيرًا ما كنا نراه، ولكن لا نعرف أن يومًا ما كان سكانه يهودا، هو عبارة عن غرف كما شرح لنا عم "صالح"، وكلها محال.

وفي "الأوديش"، التقينا عم "عادل رجب" شقيق صالح، الذي روى لنا كيف كان أهالي الحارة مسلموها ويهودها يقضون يوم السبت، الذي كان إجازة بالنسبة لليهود، يوما مقدسا لا يعملون فيه.

وقال عم عادل: "كان ينظف الشارع.. ويفرش بالرمل.. ويجلس اليهود والمسلمون يتسامرون طوال اليوم.. ويفترشون أمام المنازل.. في جو أسري وعائلي واحتفالي لكل أهالي الحارة".

وأثناء الحديث قاطعنا أحد أصدقاء، عم "عادل"، والذي كان حاضرا معنا، وحكى قصة صغير، قائلاً "كان هناك عامل يعمل لدى أحد اليهود.. وقام بسرقته.. ولكن اليهودى لم يقم بطرده.. بل سأله عن عدد أفراد الأسرة.. فقال له أنه يعيش مع أمه وزوجته وأولاده.. فعلم اليهودى أن الراتب لا يكفيه.. فأصدر قرارًا بزيادة راتبه على الفور".

وأكمل: "عمرهم ما كانوا بيمشوا حد أو يإذوا حد.. ولما كان يبقى ليك عندهم دين وماتقدرش تسدده.. كانوا يشغلوك ويدوك مرتب وتسد منه.. ومكانوش بيتخلوا عن حد وماكانوش بخلا".

تركنا عم "صالح"، ورفيقه، واتجهنا إلى أحد الأزقة الضيقة المتفرعة من حارة اليهود، والذي بها المنزل الذي عاش وتربى فيه الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، ويطلق عليه "بيت الأديان"، وذلك لأن سكانه كانوا من اليهود والمسلمين والمسيحيين، وهو البيت الوحيد الذي مازال يحمل على بابه الرئيسي نجمة داود، من داخل المنزل.

في "بيت الأديان"، التقينا عم محمد محبوب، الساكن المسلم، والذي يسكن في نفس شقة عبدالناصر، والذي أكد أن الحارة كانت تعيش في وئام وسلام، ولم تحدث أي فتنة طائفية بين المسلمين واليهود والمسيحيين


وأضاف عم محمد بالذكريات، قائلاً: "إحنا كنا عايشين من غير ما نقول ده مسلم وده يهودى.. كنا مسلمين ومسيحيين ويهود في نفس البيت.. في كل الأعياد الخاصة بالثلاث ديانات كنا بنضف البيت كله.. ونحتفل مع بعض.. ويوم السبت كان يتفرش الشارع كله رمل.. وينزلوا الرجالة في الحارة يلعبوا طاولة ودومينو.. وإحنا الأطفال كنا ننزل نلعب مع بعض.. والستات كانوا بيتجمعوا فى البيوت يغسلوا أو يخبزوا، دى مصر اللى نفسي ترجع تانى.. واللى انتو ماتعرفوش عنها حاجة".

وتابع عم محمد: "كانت جارتنا اليهودية كبيرة في السن.. لما كنا نقابلها كنا نشيل لها الشنطة ونطلعها لها لغاية فوق، ده غير إن كلنا كنا بنشتغل مع بعض.. وفى محال بعض.. وكانوا نضاف جدًا.. عكس ما بتسمعوا انتوا عنهم.. إسال أي حد ساكن في حارة اليهود عن "بيسح" البقال.. وهو يقولك كان نضيف إزاى.. كمان كان جنبنا "فرارجى".. كان بيدبح الفرخة بـ"الموس" علشان ماتتعذبش ويغسلها كويس".

سألناه عن الوضع، كيف كان أيام الحرب، قال "افتكر وقت الغارات.. كان كلنا بننزل تحت البيت ماكنش في فرق بين يهودى أو مسلم أو مسيحي.. القنبلة مابتفرقش.. فكنا كلنا بننزل نستخبى تحت البيت".

وعن ما قيل أن اليهود كانوا ينيرون أسطح المنازل التي كانوا يسكنون بها كى تبعد الطائرات عن تلك المناطق أجاب: "كله كلام كدب.. لأن الطيارات كانت بتضرب على المصريين.. وكلنا كنا مصريين.. واليهود اللى هنا ماكنوش بيحبو إسرائيل.. وفى فارق كبير بين اليهود المصريين وبين الصهاينة الإسرائيليين".

وعن يوم هجرتهم، قال: "كنا بنعيط عليهم.. دى عشرة ولقمة عيش عمرنا ما شوفنا من بعض حاجة وحشة.. وكنا عايشين فى أمان.. وتعود.. وكان صعب علينا إننا نبعد عن بعض".

وعن ما إذا كان هناك مانع من عودتهم أجاب بالنفى، مشيرًا إلى أنه لا يُمانع أن يعود اليهود المصريين.. وليس الإسرائيليين.. فهو لم ير منهم أي مكروه


سألناه عن نجمة داود التي مازالت على الباب، أكد أنه لا نية في إزالتها، فهي تراث كما أنها تذكرهم بالحنين إلى الماضي، مضيفًا: "نشيلها ليه.. هي النجمة ها تأذي في إيه.. وبعدين هو مين اللى عملها؟.. مش مصري؟"

وعن الصورة التي نقلتها لنا السينما المصرية.. أكد أنها خاطئة 100%.. وعاتب على صناعها، قائلاً: "ولا بخلا ولا بأتب ولا كل اللى اتقال عنهم ده.. واللى بنشوفهم كانوا بنى آدمين زينا زيهم.. مصريين عايشين في حالهم.. وكانوا عشرة ماحدش هايقدر يفهمها غير اللى كان عايش وسطنا".

وتابع بقوله: "أنا مسلم وشغال في التماثيل.. وباعمل تماثيل للعذراء مريم.. هل ده غلط.. في مفهوم النهاردة غلط.. لكن في المفهوم اللى اتربينا عليه زمان.. مش غلط.. لأننا كلنا مصريين.. وربنا اللى هايحاسب.. علشان كده كنا عايشين مع اليهود.. كلنا كمصريين.. وده اللى مفتقدينه شباب اليومين دول".

وعن الزعيم عبدالناصر، قال: "كان يسكن هنا إلى أن أصبح ملازما أول.. وكان السكان في الحارة يحبوه.. وتربى بين اليهود والمسلمين ".


" نقابة الصحفيين" داخل ذلك المكان كان لنا لقاء مع الكاتب الصحفى مصطفى السعيد فهو على علاقة وثيقة بالراحل يوسف درويش ومن أعضاء حزب التجمع ذاك الحزب الذى كان يضم الكثير من اليهود أبرزهم المناضل الراحل شحاتة هارون، أكد لنا السعيد أن عبد الناصر أخطأ تماما فى التعامل مع اليهود وما حدث لهم كان ظلما كبيرا وأخذ به العاطل مع الباطل على حد قوله.

أكد مصطفى السعيد أنه فى عام 56 تفاقم الأمر وأصبح العقاب جماعيا طال الجميع حتى من كانوا ضد قيام دولة إسرائيل، وهو ما يعتبر استهتارا وتقصيرا من جانب السلطة.

وتابع "لما حصلت الحروب الصليبية على الشرق ليه ما طردناش المسيحيين.. الموقف متشابه جدا وماعليهوش أى خلاف ".

وعن تعامل الإعلام قال "الإعلام دايما بيكون موالى للسلطة.. كل ما يحصل خلاف مع دولة بنسمع ديما كلمة "ضبط خلايا" ومع الوقت الشعب كله بيعتقد إن كل من هو داخل الدولة المعادية لنا هم خلايا إرهابية، وكلنا عارفين كويس توجه السينما المصرية فى القضية دى بالذات.. أقدر أقول لك إن السينما فعلا نجحت بإنها تشيطن صورة اليهود ".

وأضاف "ما قامت به مصر والدول العربية استفادت منه إسرائيل فقد أمدوها بثروة بشرية لم تكن تحلم بربعها "

وعن اليهود غير محددى الجنسية أجاب "مافيش حاجه اسمها غير محددى الجنسية الناس زمان مكانتش بتهتم بالأوراق الرسمية فكانوا ولا بيطلعوا بطايق ولا أى حاجة تثبت هويتهم لكن لما حصل وقت النكبة قدروا من خلال عدم تحديد جنسيتهم بترحيلهم والخلاص منهم لأنهم يهود".

فى النهاية بعد أن سمعنا من جميع الأطراف المؤيدة والمعارضة لفكرة طرد بعض اليهود ومحو تاريخهم من مصر تبقى طرف أخير كان يجب أن يزيل الستار عن نفسه ويتحدث بكل جرأه لتكتمل الصورة وهو ما سنكشف عنه بداية من الحلقة القادمة.

لمتابعة الحلقات السابقة:

الخروج الثاني (1)

الخروج الثاني (2)

الخروج الثاني (3)

الخروج الثاني (4)

الخروج الثاني (5)

الخروج الثاني (6)

الخروج الثاني (7)

الخروج الثاني (8)

الخروج الثاني (9)