في أحد شوارع وسط البلد بالقرب من شارع سليمان باشا مسقط رأسه كان لنا لقاء بعيدا تماما عن الحوار الصحفى بل لم يكن هناك سؤال ليكون له إجابة لكنه فتح خزينة ذكرياته لنرى فترة الخمسينات والستينات من التاريخ اليهودى المصري بعيونه، كان لقائنا مع " الآن جريش " المفكر الفرنسي المصرى الأصل رئيس تحرير السابق لليومند ديبلوماتيك الشهيرة وابن المصرى اليهودى الراحل هنرى كورييل.. لقاء فكرى بين جيل الأربعينات والخمسينات وجيل التسعينات، حيث قال في بداية اللقاء " انا روحت فرنسا وعمرى 14 سنة وكنا كتير مسيسين انا فاكر 1956 واللى حصل وقتها معانا والسويس وامى كمان كانت يسارية شيوعية وكنا سياسيا وقتها مع عبد الناصر والاتحاد السوفيتى.
وهنا نتحول بالحديث إلى عبد الناصر وما فعله باليهود في تلك الحقبة ما بين نكبة فلسطين ونكسة مصر فكان رأيه يتأرجح بين مبرر لموقف عبد الناصر ومعاتب لرد فعله قائلا " كان صعب أوى في حالة حرب بين إسرائيل ومصر أن يتم التعامل مع اليهود بشكل طبيعي ولكن كان في إمكانية أن يتم التعامل بشكل مختلف، ففى إسرائيل ما زال هناك فلسطينيون لديهم الجنسية وحقوقهم أقل ولكن ما زالوا موجودين على الأرض، سهل جدا نقترح هذه الأيام كيف كان يجب أن نتعامل مع اليهود في الخمسينات والستينات ولكن في الوقت ذاته كان من الصعب أن تقترح كل تلك الاقتراحات وقتها، كما أنه كان واضحا جدا الكثير من الاتجاهات في الدولة التي كانت ضد اليهود عموما مثل اليمين المتطرف أما بالنسبة للنظام كان متخوفا جدا من القضية الأمنية والعلاقة بإسرائيل، ونحن نعلم جيدا أن معظم اليهود لم يكونوا صهاينة وأيضا لم يسافروا إلى إسرائيل ولكن اتجهوا إلى فرنسا وإيطاليا ماعدا القليل منهم
وفي هذا
الصدد بدأنا نرجع بالذاكرة للخلف ونفتح ملف طرد كورييل من مصر والذي مازال يختلف
عليه الكثير فالبعض يقول أنه شيوعى والبعض الآخر جزم أنه يهوديته هي السبب ولكن
لأن جريش رأى يجمع بين الإثنين قائلا " المشكلة مع كورييل أنه كان في الحزب
الشيوعى المصرى وكان من الأقليات وكانت ثقافته أجنبية، كان بيتكلم عربى زى الخواجة
ولكنه طرد بتهمة " صهيونى شيوعى " ولكن لازم نكون فاهمين أن في هذا
الوقت الأحزاب الشيوعية العربية أخذت موقفا مؤيدا لتقسيم فلسطين، في ناس قالت إنهم
أخذوا هذا القرار لأنهم يهود وهذا كان خطأ كبير لأن جميعهم كانوا يكافحون ضد
الصهيونية حتى في مصر ولكن في نفس الوقت القرار جاء من الاتحاد السوفيتى فلم يكن
هناك من يستطيع أن يقول للاتحاد " لا " فالتهمة كانت في نفس التوقيت
صهيونى وشيوعى ولا يحمل جنسية مصرية فكانت جنسيته إيطالية ولم يكن لها معنى وجميعا
يعرف أنه في الثلاثينات كان هناك حكم خاص للأجانب ولكن حين وصل عمرة إلى 21 عاما
قرر أنه مصرى وقدم على حصوله على الجنسية المصرية وحتى عام 56 كان يحاول العودة
إلى مصر ولكن كان ذلك من المستحيل، في النهاية نؤكد أن هناك كثير من اليهود طردوا
بتهمتى الصهيونية والشيوعية وذلك يعود لقرار الاتحاد السوفيتي وتحالفه الكبير مع
إسرائيل ما بين 1947 و1950 والذي تحول فيما بعد لتأييد الاتحاد إلى الجبهة العربية
ولكن قبل هذا الاتحاد حدث ما حدث ".
هنا قلت
له " ورغم وطنيته عبد الناصر لم يصدق خطة العدوان الثلاثى الذي كشفها كورييل
هل لأنه يهودي قال " أظن أن الخوف ليس لأنه يهودى ولكن الخوف كما نعرف دائما
أن أي معلومات سرية تأتى إلى قائد يكون من الصعب تحديد ما إذا كانت حقيقة أو خدعة
جديدة من جبهة العدو مثلما حصل مع ستالين 1941 من الهجوم النازى على روسيا وكانت
هناك معلومات كثيرة تؤكد أن هذا الهجوم سينفذ ولكن ستالين كان متأكدا أنها خدعة
من أمريكا لينتج عنها حرب بين الاتحاد السوفييتى وألمانيا ".