الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

"خطاب الكراهية".. والهيئة الإنجيلية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
على مدى العام والهيئة الإنجيلية الموقرة تطرح من خلال منتدياتها الثقافية قضية "خطاب الكراهية" كأحد التوجهات السائدة في عالمنا المعاصر عامة ومحيطنا المحلى على وجه الخصوص.
 وقد شرفت بالمشاركة في البعض منها والتى كان آخرها ورشة عمل بمنتدى الشباب فيها، حيث إرتبطت بأزمة كورونا بشكل أساسى. ومما لا شك فيه أن هذه القضية تأتى في إطار دولى منذ كارثة 9 سبتمبر عندما ثار الجدل لدى الأمريكان حول سبب ما تصوروه كراهيتنا لهم، أو ما أفضل إختزاله في تساؤلهم لماذا لا يحبوننا؟ بديلا عن لماذا يكرهوننا؟.
والواقع فإن الإعلان الدولى عام 1996 قد حظر كافة الأشكال الباعثة على الكراهية ضد شخص أو جماعة أو فكرة أو مؤسسة سواء كانت عقيدية أو قومية أو عنصرية، وبكل وسائل التعبير الشفهى والسلوكى والخطى.. الخ.. بيد أن هذا الحظر لم يمنع تنامى سلوك الكراهية وتباين الخطاب المعبر عنه. ومما زاد من التوسع فيه شكلًا وموضوعًا ذلك التقدم التكنولوجى الرهيب في وسائل الاتصال ومن ثم الانتشار، فضلًا عن تبنى بعض وسائل إعلام الكراهية للترويج له.
أما على المستوى المحلى فعلى الرغم مما تضمنته المادة 53 من الدستور بشأن قضية التمييز ومن ثم المواطنة، فإن ما جابهه المجتمع في أزمة كورونا قد خرج من إطار التنظير الرسمى إلى المساس بالثوابت المتوارثة من تقاليدنا عبر الأجيال. مثلما الحال في إزدراء البعض للمصابين حتى لو كانوا من الأقربين كإمتناع بعض الأبناء عن التواصل مع ذويهم أو إلقاء زوج لزوجته المصابة من الطابق الخامس، أو اتخاذ مواقف ممن توفاهم الله كحادث منع الدفن الشهير في إحدى القرى وغيرها كثير. وهى أمثلة على ندرتها تعكس حالة مستجدة كالفيروس نفسه على مجتمعاتنا، نحمد الله أنها لم تتحول إلى ظاهرة بحكم أن بيئة الكراهية ما تزال تنثر بذورها في أرض المجتمع (الشراقى) لا الخصيبة. 
وحسنًا ما إتخذته "البوابة" من مبادرة (أخلاقنا ثروتنا)، كى تذكر الناس في غمرة صخب خطاب الكراهية الأجوف، أن ثمة ثوابت درج عليها المجتمع المصرى وإستقاها من معين الإنسانية الراقية عبر تاريخه الطويل. إنها ثروة أخلاقية تستمد عبقها الوضاء من "ماعت" الفرعونية بكافة مفرداتها في الحق والعدل والنظام، إلى كتبنا السماوية التى تعلى من خطاب المحبة الشاملة لكافة المخلوقات بديلًا عن خطاب الكراهية المقيت الذى لا يعرفه سوى أصحاب النفوس الشائهة والقلوب المريضة. فهؤلاء هم وقود الكراهية المستدام خطابًا وإرهابًا وسلوكًا، ومن ثم فإن أنجع أسلوب لمواجهتهم هو المكاشفة وإعلاء قيم الوعى بالعوار المجتمعى بالتسديد والمقاربة، قبل أن يتسع أى خرق من خروق الكراهية على راتقها.. إنه درس التاريخ الأخلاقى المستفاد الذى دائمًا ما تنجح فيه المحروسة بإمتياز المتمكن.
ولقد أسعدنى الشباب في ورشة العمل بالهيئة والتى شرفت بإدارتها عبر الأثير، تناولهم "خطاب الكراهية" من مناظير مختلفة عكست وعيًا بالقضية، بما يبشر بجيل واعد وبقدرة الملتقيات الثقافية مهما تباعدت على خلق الوعى بالضمير الجمعى الإيجابى في مجتمعنا. فلقد تناول الطرح الشبابى حيال الكراهية توصيف أحد أهم أسباب خطابها وهو "عدم توافق المعنى الضمنى والمعنى المفسر للكلام"، حيث يمثل سوء الفهم مرحلة أساسية ومنطلقًا أوليًا لقطر سرعان ما ينهمر. في حين تأتى قضية " التأطير الإعلامى" كنوع من أنواع إعلام الكراهية الموجه الذى يستهدف حصر المتلقى في إطار ضيق، ومن ثم القدرة على توجيهه وتشكيل وعيه وفق خطاب بعينه. أما ثالثة الأثافى فتتعلق بأخطر مراحل خطاب الكراهية وهى "صناعة العدو"، بحيث يصبح شاخصًا بالشكل الذى يضمن إستدامة خطاب الكراهية بل وتوارثه عبر الأجيال.
وختامًا، فمما لا شك فيه أن المجتمعات التى تفطن لقدرة ثوابتها الأخلاقية على تحصينها، لقادرة على تمحيص أنواع الخطاب ومواجهة أى توجه يبعث على الكراهية. استنادًا على حقوق مستدامة في المواطنة والانتماء وحرية الاعنقاد، لكونها مفردات خطاب الإنسانية الحقة التى نتطلع دومًا إليها.