الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

مدير المعهد الإيطالي دايفيدي سكالماني لـ"البوابة": مهمتي دعم التبادل الثقافي بين إيطاليا ومصر في الكثير من المجالات

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قبل أن يخوض دايفيدي سكالماني، مدير المعهد الثقافي الإيطالي والمستشار الثقافي لسفارة بلاده بالقاهرة، تجربة العمل الثقافي الدبلوماسي، كان يعيش حياة أكثر هدوء باعتباره أستاذًا للتاريخ الحديث بالجامعة، يعمل بالتدريس ولديه عدة مؤلفات عن التاريخ الإيطالي؛ يتفاعل مع طلبته ويخوض في أغوار العصور الوسطى حتى يصل إلى اللحظات الفارقة في التاريخ فيتحدث عنها. لكنه غادر حياته الهادئة في العاصمة روما، بعدما قَبِل أن يكون واحدًا من المسؤولين عن نشر ثقافة بلاده في أرجاء الأرض.
تنقل سكالماني في عدة عواصم ومدن عالمية ترأس في كل منها المعهد الثقافي الإيطالي، بدأ رحلته بسول عاصمة كوريا الجنوبية، ثم بوسطن في الولايات المتحدة، وبعد فترة قصيرة عاد فيها إلى بلاده انتقل إلى العاصمة المكسيكية مكسيكو سيتي، ثم مدريد في إسبانيا التي قضى فيها بضعة أعوام، أعقبتها مهمة قصيرة في ليتوانيا، ثم ذهب إلى بلجراد عاصمة صربيا، حتى كان انتقاله الأول إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عبر توليه مسئولية المعهد في القاهرة، وهي مهمته الدبلوماسية الثقافية السابعة.
جاءت مهمة أستاذ التاريخ الحالية في وقت شديد الصعوبة تواجهه الإنسانية كلها، وعلى رأسها بلاده التي شهدت أعدادًا مخيفة من إصابات فيروس كورونا صارت فيه الأعلى بين بلدان أوروبا، ليبدأ مهمته الأخيرة من حيث انتهت سابقتها؛ فقضى بضعة أسابيع في بلجراد تابع خلالها أحوال المعهد هنا، حتى استطاع المجيء والاستقرار في تلك القطعة الفنية الرائعة التي يُمثّلها مبنى المعهد في الزمالك.
بعد أشهر من العزلة فرضتها الإجراءات الاحترازية، عاد دايفيدي سكالماني إلى مكتبه ليبدأ مهمته بشكل فعلي، وربما ليكون لنا سويًا لقاء ممتع، دعاني فيه في مكتبه الواسع، الذي تنتمي اللوحات المُعلقة على جدرانه إلى الفن الحديث، إلى فنجان قهوة من البن الإيطالي الذي لا يُسافر دونه. هكذا جلسنا في موضع امتزجت فيه كلاسيكية الجدران والأثاث بحداثة اللوحات والأجهزة، وبدأ حديثه إلى "البوابة"، والذي امتد لأكثر من ساعة.
"كيف تحب أن أبدأ؟"، سألني مُداعبًا لحيته القصيرة في تفكير. قلت على الفور: "من أي نقطة تشاء. نحن تقريبًا لا نعرف عن المعهد سوى دورات اللغة الإيطالية". ضحك: "إذن، هناك الكثير للحديث عنه؛ سأبدأ بتعريف يليق بطبيعتي الأكاديمية، فأخبرك أنه تم تأسيس المعهد الثقافي الإيطالي بالقاهرة كجزء من الاتفاقيات الدبلوماسية بين البلدين، وهو بالنسبة للجانب الإيطالي حلقة جديدة في شبكة المراكز الثقافية المنتشرة في عدة بلدان بالعالم، والتي تكونت لتسهيل مهمة التبادل الثقافي والانفتاح على الثقافات الأخرى؛ ونحن ككثير من الشركاء من المعاهد الثقافية الأجنبية في مصر، مثل المركز البريطاني والمعهد الفرنسي ومعهد جوته، مؤسسة تابعة لوزارة الخارجية تقوم على مهمة التبادل الثقافي والفني ونشاط تعليم اللغة".
توقف عن الحديث لحظات أعّد خلالها المزيد من القهوة ثم عاد إلى مقعده وتابع: "مهمتنا هي دعم التبادل الثقافي بين إيطاليا ومصر، والتي تشمل الكثير من المجالات، منها الآثار والموسيقى والسينما والفنون البصرية، وبالطبع ترجمة الأعمال الإيطالية الفريدة، سواء كانت أعمال في الأدب أو العلوم الإنسانية، ونقلها إلى اللغة العربية". هُنا، يُصارحني بأنه يُفكر في تعلم اللغة العربية طالما سيقضي بعضًا من الوقت "لكن في الوقت نفسه أقول بأنني قد كبرت في السن، وهذه خطوة كان يجب أن أقوم بها في السابق، لكن الحاجة إليها الآن صارت ضرورية، لذا سأحاول تعلم بعضًا منها طالما استطعت، فالعربية لغة ثرية رغم ما يُقال عن صعوبتها، ومن المهم لكل من يعمل في المنطقة أن يجيدها، وإذا أردت حقًا التواصل مع الثقافة هنا فلابُد أن أفعل".
"ما هي رؤية العمل هنا؟"، سألته متوقعًا مجموعة من النقاط التي يسردها أي مسئول رسمي سريعًا، والتي عادة ما ترتكز على التعاون مع الحكومة المصرية، لكنه أوجز هذه المعلومة في نقطة سريعة تمثلت في التعاون مع وزارتي الثقافة والآثار ثم بدأ في حديث مُتحمس "يمكن القول إن لدينا خطين أساسين في عملنا، أولهما هو الترويج للثقافة الإيطالية، فنأتي إلى مصر بما نراه مثيرًا لاهتمام الجمهور المحلي هنا، من الفنانين والعارضين والأعمال الفنية التي تناسب ذوق المصريين، وهو ما يعمل على تحديث الصورة الذهنية للثقافة الإيطالية. الجزء الآخر هو التعاون بين الفنانين والعاملين في مجال التنمية الثقافية في البلدين، من أجل خلق شيء ما، وتنفيذ مشروعات ثقافية مشتركة من أجل تحقيق منفعة بين الجانبين، وهذا هو الأسلوب الذي تتخذه أغلب المراكز الثقافية الدولية الحديثة في العالم؛ لذلك إعطاء الفرصة للفنانين والمثقفين والفاعلين في هذا الأمر هو الدور الرئيسي لنا".
بدا حديثه مُبهمًا نوعًا، رأي هذا على ملامحي فتابع: "دعنا نضرب مثالا، نحن الآن ندعم مشروع جديد للترجمة، وهي أمر مهم لأنها تصل بين ثقافتين مختلفتين، وتنقل الأفكار والمفاهيم من جانب إلى آخر، ونحن الآن نسعى لدعم الكثير من الأعمال الأدبية، وكذلك الكتب التي تتناول المجالات المتعددة مثل العلوم الاجتماعية وغيرها؛ لهذا نحن نحاول أن نبني جسورًا جديدة من الترجمة، وتحسين تلك الموجودة بالفعل، ونأمل في تحقيق هذا الهدف خلال سبتمبر الجاري. إمبرتو إيكو قال: "ما هي لغة أوروبا؟ هي الترجمة"، وهو قول هام حقًا، فإذا نظرت الآن إلى ما يحدث ستجد أن الترجمة مثلت التاريخ الثقافي لأوروبا، وهي نواة المجتمع الثقافي، وهذا ما نحاول التفكير فيه خلال التعاون الثقافي بين مصر وإيطاليا، وهنا في الحقيقة فإن الأمر يتعلق بمنطقة كبير للغاية تتحدث اللغة نفسها، ورغم أن مصر هي نواة هذا العمل لكن يجب التفكير في هذا النطاق الواسع، تمامًا كما قد تفكر في أن إيطاليا هي مدخل رئيسي لأوروبا لهذا العالم؛ فالترجمة هنا تشكل نواة لإظهار ما هي هويتنا، وهذا مستوى آخر يجب أن نعمل عليه من خلال لقاءات ومؤتمرات متعددة. عندما نسأل سؤالًا عن الهوية "من هم الإيطاليون ومن هم المصريون وما الذي يمكن أن يجمعنا معًا" سنجد أن الإجابة الفورية هي "الترجمة"، والتي سوف تنقل الكثير من الآداب والعلوم الإنسانية".
واصل: "في موضع آخر هناك كذلك "التصميم"، وهو مشروع آخر نعمل عليه، فليس الأمر متعلق بتصميم منازل بأكثر مما هو يعني كيفية الاستفادة من المساحات بطرق مختلفة وتصميمات فريدة ومتنوعة، وهذا شيء نستعد للعمل عليه في العام المُقبل مع السلطات المصرية، وهو مؤتمر حول التعامل مع التراث الثقافي وكيف يكون جزءًا من الحياة اليومية، ونحن في إيطاليا نواجه نفس المشكلة تقريبًا، حيث لدينا الكثير من المباني التي تمثل قيمة تاريخية وثقافية كبرى، والتي تُكلف الكثير من الجهد والمال من أجل الحفاظ عليها، لتظل تلك الأشياء التي تُعبر عن الماضي سليمة وبعيدة عن التلوث والأضرار وغيرها، وهو استثمار كبير تقوم به إيطاليا للحفاظ على هذا التراث المادي، إذن، ما الذي يمكنك أن تفعله مع هذا التراث وهو عبارة عن أحجار لا تتحدث ولا تخبرك شيئًا. لا نتحدث فقط عن العائد الاقتصادي والذي يُمثّل جزءًا كبيرًا عبر السياحة الثقافية، ولكنه كذلك شيء متعلق بالتراث الإنساني".
عبّر سكالماني عن رؤيته للعمل الثقافي بقوله "بالطبع أنا إيطالي المولد والجنسية، ولكن ما يجعلني إيطاليًا حقًا هو تلك الأشياء التي تمثل تاريخي وثقافتي وتتحدث عن ماضيَّ الخاص، وتظل في مركز حياتي الاجتماعية. هذه الأشياء هي ما يجعلك تشعر بأنك جزء من هذا المجتمع حقًا، وهو ما ينعكس على مستويات أخرى منها التعليم الذي يجعل هذه الأجيال الجديدة تشعر بأن التراث الثقافي يخصهم، وإحساسهم بتاريخهم، هو ما يجعلنا نعمل على كل هذا. وهذا جزء مما نحاول أن نجلبه إلى مصر، الخبرة الإيطالية في التعامل مع التراث الثقافي، ورؤية مختلفة للتعامل مع هذا التراث، من حيث التعامل معه أو تسويق القيمة الثقافية للتراث المادي".
يلفت أيضًا إلى أن العروض الفنية هي جزء كبير وأصيل من الحياة الإيطالية، وإن كانت توقفت الفترة الماضية بسبب الاجتياح المؤسف الذي شهدته البلاد لفيروس كورونا، ووضعت البلاد في إجراءات احترازية صارمة لمنع تفشيه؛ رغم هذا لديه خطة طموحة لنقل العديد من العروض إلى مصر، والتي تتشارك مع إيطاليا في حياة كاملة من الموسيقى هي الأوبرا، منذ أن قام فيردي بتأليف أوبرا عايدة وعرضها بالتزامن مع افتتاح قناة السويس. كذلك فإن مبنى الأوبرا الخديوية الذي لم يعد موجودًا الآن كان بدوره من تصميم معماري إيطالي. يقول: "كذلك كان هناك فنان إيطالي يُدعى كاروزو، يُعّد من الرعيل الأول ممن قاموا بتسجيل اسطوانات الجرامافون في بدايتها، وصار فيما بعد واحدًا من نجوم مسرح المتروبوليتان في نيويورك بعدما هاجر إلى الولايات المتحدة، هذا الرجل كانت بدايته الحقيقية في القاهرة، حيث كان لا يزال شابًا صغيرًا غير معروف ذو صوت مميز عميق، وبدأ فنه في القاهرة عبر تقديمه تقنيات كانت وقتها ثورية في الغناء، لكنها لاقت ترحيبًا كبيرًا لدى الجمهور المصري الذي رحّب بهذا النوع الفني الجديد، وعبر هذا الترحيب فُتحت آفاق عالمية لهذا الشاب، وانطلق من القاهرة ليصير نجمًا حقيقيًا. هذا تاريخ كبير وعريق من التعاون الثقافي بين مصر وإيطاليا، وفي الحقيقة أنا أشعر بالفخر لكوني الآن صرت جزءًا من هذا التاريخ المستمر المليء بالفرص والتعاون. هذا تاريخ مُلهم أمامنا ولا أحد يريد نسيانه".
يلفت إلى اهتمامه بالفنون البصرية وهي معروفة جيدًا في الشرق وإيطاليا على حد سواء "لكنها تركت في إيطاليا أثرًا عظيمًا يزخر بالفنانين الكبار منذ عصر النهضة، مثل مايكل أنجلو وليوناردو دافنشي ورفاييل الذي نحتفل بذكراه هذا العام، وغيرهم. لكن في الوقت نفسه أعتقد أن ما هو مليء بالحماس والتحدي في الوقت نفسه هو الفن المُعاصر، وهو جزء كبير من التعاون القائم بين بلدينا حاليًا، ونحاول جمع فنانين مصريين وإيطاليين للخروج بعمل مشترك، يجمع بين الخلفيات المختلفة؛ ولقد بدأنا بالفعل، حيث قمنا بتسجيل بعض الأصوات المصرية التي نرى فيها إمكانية المشاركة في مثل هذا العمل، مع مشاركين من مدارس الفنون الإيطالية، من هؤلاء الفنانين المصري عادل السيوي، وهو فنان كبير وواحد ممن درسوا الفن في إيطاليا، حيث عاش هناك لعشرة أعوام قبل أن يعود إلى مصر، وما تراه في أعماله هو مزيج فريد ومميز، بين الطابع المصري الأصيل والهوية الأفريقية، مع وجود مذاق إيطالي مميز في هذه الأعمال التي تجمع بين عدة ثقافات وتُمثّل مزيجًا ناجحًا عابرًا للقومية إن صح التعبير. هذه النماذج من الأعمال المعاصرة تجدها عبر إثراء أدوات الفنان وتفاعله مع مثل ما نقوم به من تعاون وشراكة دولية".
يرى مدير المعهد الإيطالي أن مثل هذه الأشكال من التعاون العابرة للحدود هي ما تجعل الفنان يُفكر بشكل مختلف عن نظرائه، بعدما تمتع بتجربة مختلفة، قد تكون فريدة كذلك، تجعله قادرًا على التحدي والابتكار ومواجهة الصعاب بأساليب مبتكرة. يوّضح رؤيته بقوله: "إذا كنت في منصب مثل هذا وتوليت مسئولية ثقافية كبيرة بهذا الحجم سيتعين عليك النظر جيدًا إلى الثقافة الأخرى التي تتعاون معها، ومعرفة ما الممكن فعله وما الذي لا يُمكن، وبالطبع طوال الوقت هناك الكثير من الخيارات أمامي وعليَّ أن اختار، لكن في الواقع الكثير من خياراتي تتجه نحو الفنون المُعاصرة والأشياء التي لم تتم تجربتها من قبل؛ فدائمًا أمامنا خيارات أثبتت نجاحها وفعاليتها من قبل ويُمكن الاستمرار فيها، لكن نحن نبحث عن الجديد. عما لم يتم تقديمه من قبل، والجمهور كذلك يبحث عنها".
يُشير سكالماني إلى أن جمهور المعهد الآن في مزيد من الازدياد "فقد بدأنا عملنا هنا في هذا المكان الهاديء في الزمالك، وكانت وسيلة تعارفنا الأولى مع الجمهور هي دورات اللغة الإيطالية، والتي لا زالت حتى الآن تجذب العدد الأكبر، لكننا نسعى حاليًا لجذب أجيال مُتعددة، خاصة المراهقين والشباب من طلبة المدارس الثانوية والجامعات، والذين يشكّلون مستقبل هذه البلاد، لنكون على تواصل مباشر معهم؛ ومن أمثلة ما نفعله من أجل هذا هو تخصيص جائزة لشباب المترجمين ممن يقل عمرهم عن ستة وعشرين عامًا، وهي فرصة جيدة لهم للحصول على جائزة مالية عبر ترجمة قصيدتين حديثتين من الشعر الإيطالي المُعاصر. الفكرة هنا في جعل الكثير من الشباب المصري ينخرط في خبرات ومحادثات ثقافية مشتركة مع أمثالهم من الإيطاليين لتقوية العلاقات بين الشعبين".
على عكس سابقيه ممن أنزوى حديثهم وأفعالهم بعيدًا عن أنشطة المراكز الأجنبية في القاهرة، والتي لها أنشطة ملموسة، يحاول المدير الجديد أن يكون المعهد بمثابة موضع جذب لمشروعات الشباب الثقافية "نريد استضافة مشروع يعتمد على الابتكار لشباب المبتكرين المصريين في المجال الثقافي؛ نرغب في أن يقوم هؤلاء الشباب بجلب أعمالهم الفنية إلى المعهد. أبوابنا مفتوحة، ونريد أن يكون هناك تعاون مستمر مع الفنانين الشباب؛ لأن أي مركز ثقافي في وقتنا الحالي يجب أن يكون مفتوحًا للأجيال الصغيرة".
يُضيف: "ما أريد قوله هو أننا مركز ثقافي في القاهرة، نعم نحن إيطاليين، لكن الإيطالي هو المعهد، المبنى والجدران والمسؤولين فيه، بينما الثقافة هي شيء عالمي عابر للحدود، هذا هو ما يعنيه حقًا معنى "المركز الثقافي الإيطالي"، ولو لم يكن عابرًا للحدود يُمكنه أن يصير أي شيء إلا أن يكون مركزًا ثقافيًا، الثقافة حقًا هي كلمة واحدة، لكنها تحمل الكثير من المعاني الأشمل من مجرد كلمة، لأنها ليست مجرد شيء معزول، بل في حوار دائم بين الشعوب، والثقافة لا يُمكن لأحد أن يمتلكها أو يُخضعها لجنسية واحدة، لذلك أرحب دومًا بأي عمل مع الفنانين المصرين الشباب؛ ربما كذلك مصطلح المبتكرين هو الأدق، لأنني لا أريد فنانين عاديين قاموا بتجربة ما تم عرضه مسبقًا، بل أريد منهم تقديم ما يعبر عن أنفسهم وهوياتهم، وأن يكون المعهد مفتوحًا ومُتاحًا أمام الجميع وأفكارهم؛ وهو الاتجاه الذي ذهبت إليه إيطاليا لمنح الجميع فرصًا للمشاركة لنتعامل جميعًا باعتبارنا بشرًا، والتاريخ الإيطالي الحديث يعتبر الإنسان هو نواة العمل الثقافي والفني أيًا كانت هويته، وهذا هو الطريق نحو الحداثة".
بالنسبة للسينما، يؤكد سكالماني أن هناك الكثير لنتعاون فيه معًا "نحن هذا العام نحتفل بمئوية المخرج الكبير فيدريكو فيلليني، وقمنا بعرض مجموعة من أبرز أعماله، ونتواصل مع إدارة مهرجان القاهرة السينمائي من أجل تخصيص عروض لأفلامه في أحد فعاليات المهرجان، وربما نقوم بدعوة من يمكنهم التحدث عن حياته وأفلامه؛ كذلك نحاول الآن التواصل مع مجموعة من الشركاء المصريين لتنظيم أول مهرجان للسينما الإيطالية في مصر، والذي قد نُطلق عليه "اسبوع السينما الإيطالية"، حيث نقوم بعرض مجموعة من أحدث الأفلام؛ بالفعل قمنا بعرض مجموعة من الأفلام ضمن فعاليات بانوراما الفيلم الأوروبي في أكتوبر من العام الماضي، لكننا نرغب حقًا في تنظيم مهرجان مستقل للسينما الإيطالية حتى لو بدأ ببضع أفلام كبداية ثم ينمو مع مرور الدورات اللاحقة؛ كذلك نحاول أيضًا ترتيب عروض من المسرح الإيطالي المعاصر هنا في القاهرة، لكن هذا الأمر لا يزال يواجه بعض الصعوبات، منها أن الإنتاج المسرحي ضخم ويلزمه ميزانية وتعاون كبير لسفر الديكورات والمعدات والملابس وطاقم العمل بالطبع، كما أن هناك حاجز اللغة والذي لا يُمكن التغلب عليه بشريط ترجمة كما يحدث في السينما".
في تلك اللحظة ارتفع رنين الهاتف الداخلي، نظر كلانا للآخر وقد أدركنا أن هذا ربما نهاية الحديث، وبالفعل كانت مديرة مكتبه تُنبهه إلى موعد آخر قد حّل؛ لكن هذا لم يجعلنا إلا أن نختلس دقائق أخرى قال فيها "أن تكون منسقًا ثقافيًا فهذا يعني أن تسعى بكل الطرق لأن تقوم بتوصيل كل ما تريد وكل ما يُمكنك من مواد ثقافية من أجل إثراء الموضع الذي تقوم بالعمل عليه، وليس الأمر ميكانيكيًا لكنك تواصل العمل عليه، لأن هناك دومًا الكثير من المفاجآت التي تقابلك خلال العمل، فمثلًا ذلك الممثل متوعك ولا يستطيع التمثيل، أو ذلك المغني فقد صوته لبضعة أيام، أو هناك من لم يستطع اللحاق برحلته. كل هذه الأمور يجب أن تكون مستعدًا للعمل عليها؛ ورغم أن هذه الأمور لا تدخل في نطاق الصناعة، لكن بالقطع هناك جزء في هذا العمل يعتمد على الاقتصاد، ويجب على القائم على الإدارة الثقافية مُراعاة هذا البُعد. عندما تتعامل مع الثقافة فإنك تتعامل مع البشر بكل ما يعنيه هذا وليس باعتبارها مجرد عمل".