السبت 01 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

"دون كيشوت".. يحارب مواقع التواصل الاجتماعي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
علامات التعجب التى طالما أثارتها فى خيال القارئ محاولات «دون كيشوت» وهو يحارب طواحين الهواء تبدو رد الفعل الأقرب على مطالبة نائب فى مجلس النواب بإعداد قانون يُنظم عمل وسائل التواصل الاجتماعي!.. والمصادفة الأغرب أنها واكبت الضجة التى أثارتها فضيحة تسريبات وثائق بنما، وكأن الدرس جاء سريعا ليُثبت عدم منطقية مثل هذه الدعوات.. وهى الوثائق التى تشكل الحلقة الأخيرة من سلسلة نماذج تؤكد أن محاولة فرض قيود قانونية أو تشريعية على الفضاء أو عالم الإنترنت عمومًا لن تصبح فى الآخر سوى مجرد حبر على ورق.. لأن كل القوانين والتشريعات لن تنجح فى عرقلة التطور التكنولوجى لهذه الوسائل والبحث عن بدائل حديثة من أجل تبادل المعلومات عبر العالم، بالتالى أى محاولة للتحجيم ستكون أشبه بمحاربة طواحين الهواء.
أيضًا وقبل مبادرة رئيس مجلس النواب د. على عبدالعال - وهو قامة قانونية كبيرة - إلى إصدار قانون لتنظيم وسائل التواصل الاجتماعى وتبنى «هاجس» غير مبرر يعكس مخاوف مبالغًا فيها من «السوشيال ميديا».. والدخول فى دوامة إصدار تشريعات تمس فكرة قامت أساسًا على مقاومة المنع والمصادرة.. من الجدير أن نسترجع بعض المحاولات السابقة عبر السنين الماضية.. خلال ثورة ٢٥ يناير وقطع خدمة الإنترنت سارع موقعا «تويتر» و«فيسبوك» إلى توفير بدائل أخرى لاستخدام موقعيهما عن طريق الهاتف الأرضى بينما وسائل أخرى قدمت خدماتها عبر «سيرفرات» أو خوادم مختلفة.. نفس المبدأ الذى ينطبق على القنوات الفضائية إذ ما أن تقوم أى حكومة بقطع الإرسال عن قناة حتى تعاود البث عبر ترددات أو أقمار أخرى.
التحول الذى طرأ على وسائل التواصل الاجتماعى ونقلها من الشكل الاجتماعى إلى حالة زخم سياسى لا يشكل فى حد ذاته مصدر قلق أمنى، خصوصًا أن الأجهزة الأمنية قادرة بمهارة على رصد الصفحات والمواقع التى تهدد الأمن القومى وضبط العناصر الإرهابية التى تتخفى خلف هذه الصفحات. الجزئية الأهم تكمن فى وضع هذه الوسائل داخل أبعادها الصحيحة كقنوات تتيح حرية التعبير عن الآراء الشخصية ونقلها حول العالم.. «فيسبوك» و«تويتر» لا يحملان وزر أصحاب الوعى «المبتسر» فى التعامل معهما على أنهما المفتاح السحرى لتغيير العالم إلى «يوتوبيا».. ببساطة هما مجرد خدمة أراد مبتكروها تقديمها للعالم.. مجرد «سوق» للتعبير وليست مصدرًا خبريًا موثقًا.. معرض حافل بالمعلومات المجهلة التى تعبر عن الهوى الشخصى لأصحابها. وجود - أحيانا قليلة - حقائق تنشر فى هذه «السوق» نقلا عن مواقع إخبارية جادة لا يرقى بالتأكيد إلى اعتبار مثل هذه الوسائل مصدرًا رئيسيًا فى تشكيل قناعة أصحاب الرؤية العميقة التى تتسم بالنضج تجاه أى قضية مثارة على صفحاتها. تحميل «السوشيال ميديا» سواء من جانب مستخدميها أو من جانب السلطة التشريعية أكثر مما تحتمل لن يكون فى صالح الطرفين.. لأن قناعات الأول ستبنى على أساس «حكايات» وهمية.. بينما تشريعات الطرف الثانى ستسارع إلى التقاطها الأطراف «المتحفزة» ضد كل ما يصدر عن مصر.
فى المقابل.. تجدر الإشارة إلى أن أهمية وانتشار استخدام وسائل التواصل الاجتماعى شجع أعلى مؤسسات الدولة - الرئاسة - على المشاركة الإيجابية فى التفاعل مع المواطن وتحطيم السور الذى كان يفصل المواطن العادى عن مؤسسات مثل الرئاسة والجيش، ويمثل عائقًا أمام نقل شكواه أو حتى التعبير عن آرائه مباشرة. هذه الحالة الرائعة والمتطورة فى التواصل مع نبض الشارع وهمومه تديرها بنجاح مجموعة كفاءات شابة فى مكتب الرئيس الإعلامى.. هى أحد الأوجه الإيجابية للخدمات التى يتم تقديمها عبر وسائل التواصل الاجتماعى.. وغيرها آلاف الأمثلة التى لا تنسجم أبدًا مع أى محاولات للمساس بحرية استخدام هذه الوسائل.
مبدأ الفكرة عند مبتكرى مواقع التواصل قامت اعتمادًا على وجود درجة من الوعى بين مستخدميها تحديدًا حين يتعلق الأمر بقضايا جادة.. بدلا من نصب المشانق للفكرة - بمزاياها وعيوبها.
فى المقابل.. مستخدمو وسائل التواصل لا يملكون سوى قبول «الصفقة» بما تتضمنه من إيجابيات وسلبيات.. هم أمام «معرض» مكدس بالبضائع التى يتفاوت مستوى صناعتها من الأردأ إلى الأعلى جودة. الحقيقة التى على رئيس مجلس النواب وأعضائه التوقف أمامها قبل إهدار وقتهم وجهدهم فى مناقشة تشريعات مستحيلة الحدوث على أرض الواقع أن عالم «السوشيال ميديا» منذ ولادته وعلى مدى أجيال قادمة يقترن استمراره بحالة البقاء فى تطور تكنولوجى قادر على إبهارنا كل يوم وهو يقدم الجديد فى طرق استخدامه.