الخميس 19 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة لايت

بالصور.. طالع نخل: مهنتي ملهاش بديل عصري وورثتها بكل فخر واقتناع

طالع نخل
طالع نخل
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في الصباح الباكر، ومع أول خيوط الفجر، تبدأ القرى في النشاط، فيتوجه الفلاحون وأسرهم إلى الحقول، يحملون معهم أدواتهم اليدوية التقليدية مثل "السلبة" المصنوعة من ليف النخيل، و"البلطة" و"المنجل الكبير"، تلك الأدوات التي تشهد على رحلة الكفاح من أجل لقمة العيش، فهنا يتناغم صوت "طالع النخل" مع نسيم الصباح، وهو يتسلق النخيل بخفة ورشاقة، يقطع السباط برفق ويسقطه للأرض، حيث تنتظره الأيدي المستعدة لجمعه في أسرار وحقائب.

وتمتد عملية الحصاد لأكثر من أربعين يومًا، يعمل الفلاحون خلالها بجد واجتهاد في جمع المحصول وتصنيفه، حيث يُعتبر البلح جزءًا مهمًا من التراث الغذائي والزراعي لمصر كما أنه يمثل مصدرًا هامًا للدخل، خاصة في المناطق الريفية التي تعتمد عليه كأحد الأعمدة الاقتصادية.

في قلب الريف المصري، تتوارث الأجيال مهنة "طالع النخل" كميراث لا يقدر بثمن، يجسد الشجاعة والإصرار والحب للأرض، فهذه المهنة، التي تمتد جذورها لآلاف السنين، لا تزال تحتفظ بطابعها الأثري وأصالتها الفريدة.

رغم كل محاولات التحديث والتغيير، فمهنة "طالع النخل" ليست مجرد عمل، بل هي فن يتطلب مهارة خاصة، حيث يتسلق هؤلاء الرجال الشجعان النخيل الشاهقة ليجمعوا الثمار الذهبية بعناية فائقة، معتمدين على أدوات بسيطة وحساسية عميقة تجاه الأشجار التي يعتنون بها.

وتلك المهنة التي قد تبدو شاقة وخطرة للبعض، هي بالنسبة لأهلها باب رزق وحياة، فهي تتطلب ليس فقط قوة بدنية، بل أيضًا توازنًا ومهارة عالية، حيث يتطلب الصعود إلى أعلى النخيل والوقوف بثبات بين الأغصان المرنة قلبًا شجاعًا لا يعرف الخوف.

ورغم التطور التكنولوجي، يبقى "طالع النخل" رمزًا للمهارة اليدوية البحتة، حيث لا توجد آلة تستطيع أن تحل محل اليد البشرية في هذا العمل، فهي مهنة تتحدى الزمن، وتستمر في توحيد الفلاحين المصريين حول التراث والعمل الشاق، مضيفة إلى حياة القرية بعدًا من الأصالة والشجاعة.

ويقول الشاب "عبد المولى"، طالع نخل 38 عامًا، أن مهامه تتعدد بداية من تلقيح النخل، حيث يقوم بتلقيح النخلات الإناث بواسطة لقاح النخل الذكر، وذلك لضمان جودة الثمار وكثرتها، ثم يأتي دور التقليم والتنظيف.

ويضيف: حيث يقوم بتسلق النخلة لقطع السعف القديم والجاف وتنظيف النخلة من الحشرات والآفات، ثم تثبيت العذوق وتأتي هذه المرحلة بعد نضج الثمار، فيقوم بتثبيت العذوق (الجزء الحامل للثمار) لضمان عدم سقوطها بسبب الرياح أو وزن الثمار.

ويتابع: ثم مرحلة جمع الثمار حيث يقوم بجني الثمار الناضجة، سواء كانت رطبًا أو تمرًا، بواسطة أدوات خاصة مثل "المخرافة"، وهي سلة تُستخدم لجمع البلح أو التمر، أو هز العذوق لتتساقط الثمار ويجمعها الفلاحون في الأواني المخصصة، وأخيرًا مرحلة تشذيب العراجين وتأتي بعد جمع الثمار، حيث يقوم بتشذيب السعف أو الأغصان للحفاظ على صحة النخلة وإعدادها للموسم التالي.

وأضاف "عبدالمولى"، القادم من دمياط إلى مزارع القليوبية خلال موسم البلح باحثًا عن الرزق، أنه يستخدم أدوات بسيطة وبدائية رغم كل التطور التكنولوجي، فمهنته ليس لها بديل عصري وقد توارثها عن آبائه وأجداده، واعتاد تسلق النخيل بكل توازن وخفة ورشاقة منذ طفولته، حتى أصبح متمرسًا بها ولا تواجهه أي صعوبات.

وأشار إلى أنه يستخدم الحبل "المدار" ولربط نفسه بالنخلة أثناء العمل لتوفير الحماية من السقوط، وهناك المخرافة أو "المشنة" وهي سلة أو وعاء يحمله في يديه أثناء التسلق لجمع البلح أو التمر من "السبايط"، وهناك المقص أو المنجل لقطع السعف والعراجين بهدف تفريغ "السباطة" بأكملها بعد هزها عدة مرات متتابعة. 

وأعرب "عبد المولى" عن اعتزازه بمهنته كثيرًا، قائلًا "كل واحد شاطر في مهنته وقد توارثتها بكل فخر واقتناع"، مؤكدًا أنها رغم سهولتها بالنسبة إليه إلا أنها تبقى مهنة خطيرة تتطلب الكثير من التوازن والمرونة والثبات الانفعالي، نظرًا للارتفاع الشاهق لبعض النخيل ومواجهة الشمس الحارقة ولسعات الحشرات في بعض الأحيان.

وقال: كما تتطلب قوة بدنية ولياقة عالية، مؤكدًا أنه حتى الآن لا يزال من الصعب العثور على بديل عصري كفء يؤدي نفس المهام بنفس الجودة والكفاءة، دون إلحاق الضرر بالنخلة نفسها.

وأشار إلى أنه لا يمكن للآلات الحديثة أن تقدم هذه الرعاية الفردية والتفصيلية لكل نخلة كما يفعل الإنسان، وأنه يمكنه الوصول إلى أماكن دقيقة في النخلة والتحكم في عملية الجني بشكل متوازن وقطف الثمار الناضجة فقط، بينما تواجه الآلات صعوبة في التعامل مع الفروع والعذوق بشكل مرن دون إلحاق الضرر بالنخلة أو بالثمار.