يثمن المشاركون ما يقوم به الأزهر الشريف والكنائس من مبادرات، وما ينتجانه من خطابات دينية للحفاظ على البيئة، ويدعون إلى مزيد من العمل المشترك بين المؤسسات الدينية جميعا، على مدار السنوات الماضية وتأكيدا على تطابق الرؤيتين الإسلامية والمسيحية فى قضايا البيئة والتغيرات المناخية.
ودعا البابا فرنسيس فى أكثر من مناسبة لإيجاد حلول عالمية للتحديات الكبيرة التى يضعها التغير المناخى، وطالب بحماية بيتنا المشترك وتحسين الكوكب الذى نعيش فيه عبر إحداث تغييرات عميقة فى أساليب الحياة.
وتستضيف دولة الإمارات العام الجارى مؤتمرالأطراف «كوب 28»، كما أعلن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان 2023 عام الاستدامة فى الدولة.
ومن هنا تبرز «البوابة» فى هذا التقرير ما تحدث به البابا فرنسيس حيث قال عن رسالته للعالم لحماية كوكب الأرض فى رسالة البابوية «Laudato si» حول رعاية بيتنا المشترك.
وقال البابا فرنسيس، إن COP27 الذى عقد فى مصر وCOP28 فى الإمارات العربية المتحدة هى مناسبات أساسية لإسماع صوت النداء العاجل ولتقديم إجابات عن الأزمة البيئية وعلى صرخة الأرض وصرخة الفقراء الذين لم يعودوا يستطيعون الانتظار فلنعتنى بالخليقة، عطية إلهنا الصالح وأشجع الإمارات العربية المتحدة فى جهودها، وأتمنى لها نجاحا كبيرا لصالح كوكبنا الذى هو «بيتنا المشترك»، مؤكدا أن الطريق الوحيد الفاعل لمواجهة هذه الأزمة هو إيجاد حلول واقعية للمشاكل الحقيقية للأزمة الإيكولوجية.
وتابع، أنه منذ أكثر من 50 سنة، وبينما كان العالم يتأرجح على شفير أزمة نووية، كتب القديس البابا يوحنا الثالث والعشرون رسالة عامة، وأراد تقديم مقترح للسلام وقد وجه رسالته السلام فى الأرض (Pacem in terris) إلى كل العالم الكاثوليكى، ولكنه أضاف وإلى جميع الأشخاص ذوى الإرادة الصالحة أما الآن، وأمام تدهور البيئة العالمي، فإنى أريد أن أتوجه إلى كل شخص يسكن هذا الكوكب.
وأردف: «فى إرشادى الرسولي فرح الإنجيل (Evangelii gaudium) توجهت إلى أعضاء الكنيسة، لتحريك عملية إصلاح إرسالي لا تزال قيد التنفيذ، فى هذه الرسالة العامة، أقترح بشكل خاص الدخول فى حوار مع الجميع حول بيتنا المشترك».
وبعد ثمانى سنوات على صدور السلام فى الأرض، فى 1971، أشار الطوباوى البابا بولس السادس إلى المشكلة الإيكولوجية، مقدما إياها كأزمة «نتيجة مأساوية» لممارسات الكائن البشرى غير الخاضعة للرقابة، إنه من خلال استغلال مفرط للطبيعة، يعرض الأرض للتدمير ويعرض نفسه لأن يكون بدوره ضحية هذا التدهور وتحدث أيضا أمام منظمة الأغذية والزراعة (FAO) عن إمكانية حدوث كارثة بيئية حقيقية كرد فعل على ثقل وطأة الحضارة الصناعية، لافتا الانتباه إلى الضرورة الملحة والحاجة إلى تغيير جذري فى سلوك الإنسانية، لأن الإنجازات العلمية الأكثر روعة، والمنجزات التقنية الأكثر إدهاشا، والنمو الاقتصادي الأكثر إبهارا، إن لم تكن مقرونة بتقدم اجتماعى وأخلاقى أصيل، فإنها فى نهاية المطاف، ستنقلب على الإنسان.
وبشأن اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، عرض البابا فرنسيس أثناء إقامته بالإمارات الأيام السابقة مناقشة إمكانية إطلاق مبادرة مشتركة بشأن تغير المناخ تمهيدا لمؤتمر الأمم المتحدة الثامن والعشرين للتغير المناخى، بهدف إشراك قادة الأديان والمؤسسات الدينية ومنظمات المجتمع المدنى فى تحقيق أهداف المؤتمر.
وسوف تدعو المبادرة كل المؤسسات الدينية وقادة الأديان ومنظمات المجتمع المدنى حول العالم لتوحيد الجهود من أجل تحقيق الهدف المشترك المتمثل فى حماية كوكب الأرض، البيت المشترك للإنسانية جمعاء.
وتهدف المبادرة إلى الاستفادة من دور الأديان فى توطيد مد جسور التواصل بين الدول والثقافات والشعوب، وفتح آفاق جديدة للعمل المناخى، كما تسند المبادرة إلى القناعة الراسخة بأهمية دور قادة الأديان والمؤسسات الدينية فى تقديم حلول عملية لمعالجة الآثار السلبية الناجمة عن التغير المناخى المستمرة.
كما ناقش اللقاء إمكانية إقامة جناح للحوار بين الأديان والثقافات فى مؤتمر الأمم المتحدة الثامن والعشرين للتغير المناخى، ليمثل منصة خاصة لإثراء الحوار الدينى المستنير وتبادل المعرفة والخبرات فى هذا المجال، فضلا عن كونه منصة للحوار بين الأديان والثقافات وتسليط الضوء على الدور الحاسم للاستفادة من الرؤى والقيم الدينية فى معالجة أزمة المناخ.
وتستضيف دولة الإمارات العربية المتحدة فى الفترة من ٣٠ نوفمبر وحتى ١٢ ديسمبر ٢٠٢٣ مؤتمر الأطراف فى اتفاقية الأمم المتحدةالإطارية بشأن تغير المناخ فى دورته الثامنة والعشرين، وذلك بهدف السعى لإيجاد حلول فاعلة لمواجهة التأثيرات السلبية للتغيرات المناخيةباعتبارها أحد التحديات العالمية التى تهدد الحياة على سطح هذا الكوكب.
قال المطران دانيال لطفى مطران أسيوط للكاثوليك، إنه يوجد أنواع من التلوث تصيب الأشخاص يوميا فالتعرض للملوثات المناخية يتسبب فى تأثيرات متعددة للغاية على الصحة، ولا سيما على الأكثر فقرا، ويتسبب فى الملايين من حالات الوفاة المبكرة فهم يمرضون مثلا، بسبب استنشاقهم مستويات عالية من الدخان الصادر عن الوقود المستخدم فى الطبخ أو التدفئة ويضاف إلى هذا، التلوث الذى يؤذى الجميع الناتج عن وسائل النقل، ودخان المصانع، وترسب مواد تساهم فى تحمض التربة والمياه، والأسمدة، والمبيدات الحشرية، ومبيدات الفطريات، ومبيدات الأعشاب والمواد الكيميائية الزراعية المسممة بشكل عام.
إن التكنولوجيا المرتبطة بالمالية، تدعى بأنها الحل الوحيد للمشاكل، وهى فى الواقع عاجزة عن رؤية سر العلاقات المتعددة القائمة بين الأشياء، ولهذا فهى بالتالى فى بعض الأحيان، تجد حلا لمشكلة ما يتسبب بدوره بمشاكل أخرى.
وأضاف، أنه يجب أيضا الوضع فى الحسبان التلوث الناتج عن النفايات، بما فيها تلك الخطيرة والموجودة فى أوساط مختلفة، إننا ننتج سنويا مئات الملايين من أطنان النفايات، الكثير منها غير قابل للتحلل: نفايات منزلية وتجارية، وبقايا أنقاض الهدم، ونفايات طبية، ونفايات إلكترونية أو صناعية سامة للغاية ومشعة.
إن الأرض، بيتنا المشترك، تبدو وكأنها تتحول، أكثر فأكثر، إلى مستودع هائل للقمامة. وفى أماكن كثيرة من الكوكب، يتذكر الشيوخ بحنين، المناظر الطبيعية من الماضى، والتى تبدو اليوم مغمورة بالنفايات.
فالنفايات الصناعية، كما هى المنتجات الكيماوية المستخدمة فى المدن وفى الحقول، بإمكانها أن تحدث تراكما أحيائيا فى بنية سكان المناطق المتاخمة له، وهو ما يلاحظ حتى وبالرغم من انخفاض نسبة المادة السامة الموجودة فى المكان، وفى كثير من الأحيان تؤخذ التدابير اللازمة فقط عند ظهور تأثيرات لا يمكن معالجتها على صحة الأشخاص.
وعن الحلول والمقترحات فصرح الأب أنطونيوس عزيز المطران الشرفى للجيزة للكاثوليك، أن هذه المشاكل هى ذات صلة وثيقة بثقافة الهدر التى تصيب على حد السواء الأشخاص المنبوذين كما الأشياء التى تتحول سريعا إلى نفايات لنلاحظ، على سبيل المثال، أن القسم الأكبر من الأوراق المصنوعة يهدر ولا يتم إعادة تدويره، وكما يصعب علينا الإقرار بأن عمل النظام البيئى الطبيعى هو مثالى فالنباتات تكون مواد غذائية تطعم آكلى الأعشاب؛ وتلك بدورها تغذى آكلى اللحوم، الذين ينتجون كميات هائلة من النفايات العضوية، والتى تتسبب فى نمو جيل جديد من النباتات وعلى العكس، فإن النظام الصناعى، فى نهاية دورة الإنتاج والاستهلاك، لم يطور القدرة على استيعاب وإعادة استعمال النفايات والمخلفات ولم ينجح بعد فى تبنى نموذج إنتاج تدويرى يؤمن الموارد للجميع وللأجيال القادمة، ونموذجا يقتضى وضع حدود قصوى لاستخدام الموارد غير المتجددة، وتبنى الاعتدال فى استهلاكها، وتحقيق الفعالية القصوى فى استخدامها، وإعادة استعمالها وتدويرها فإن مواجهة هذه المسائل قد تكون هى طريقة للتصدى لثقافة الهدر التى ستنتهى بالإضرار بالكوكب بكامله، لكننا نلاحظ أن التطورات بهذا الاتجاه ما زالت غير كافية.
وأضاف أننا اليوم مؤمنين وغير مؤمنين، متفقون على حقيقة أن الأرض هى فى الأساس إرث مشترك، يجب أن تعود خيراتها على الجميع وإنها مسألة إخلاص تجاه الخالق بالنسبة للمؤمنين، لأن الله قد خلق العالم للجميع فبالتالى، فعلى كل مقاربة إيكولوجية أن تحتوى على منظور اجتماعى يأخذ بعين الاعتبار الحقوق الجوهرية لمن هم أقل حظا.
لهذا، فإن مبدأ خضوع الملكية الخاصة للتوجه العالمى للخيرات، ومن ثم، الحق العالمى فى استخدامها، هو “قاعدة من ذهب” للسلوك الاجتماعى، وهو المبدأ الأول للنظام الأخلاقى والاجتماعى بأكمله فالتقليد المسيحي لم يعتبر أبدا الحق بالملكية الخاصة أمرا مطلقا أو غير قابل للتغيير، وقد سلط الضوء على الدور الاجتماعي لأي شكل من أشكال الملكية الخاصة. وقد ذكرنا القديس يوحنا بولس الثانى بشدة بهذه العقيدة قائلا إن الله قد وهب الأرض لجميع أبناء البشر لتعيلهم كلهم، بدون تفضيل أو استثناء لأحد إنها كلمات معبرة وقوية.
ثم أوضح أن العناية بالطبيعة تمثل جزءا من نمط حياة يتطلب القدرة على العيش معا والشركة وقد ذكرنا يسوع بأن الله أبونا المشترك وأن هذا يجعل منا إخوة فلا يمكن للمحبة الأخوية إلا أن تكون مجانية، لا يمكنها أبدا أن تكون مكافأة لعمل قام به آخر أو سلفة لما نتمنى أن يقوم به لهذا فإن محبة الأعداء هى ممكنة وإن هذه المجانية ذاتها تقودنا إلى أن نحب ونقبل الريح والشمس والغيوم رغم أنها لا تنصاع إلى سيطرتنا، ولهذا السبب يمكننا التكلم عن أخوة كونية.
وينبغى أن نشعر مجددا بأننا بحاجة بعضنا إلى بعض، وأنه تقع علينا مسئولية تجاه الآخرين وتجاه العالم، وأنه أمر يستحق العناء أن نكون صالحين وصادقين، لقد عرفنا حقا التدهور الأخلاقى لمدة طويلة، مستهزئين بالأخلاقيات، وبالصلاح، وبالإيمان، وبالصدق، وقد حانت الساعة لندرك أن هذه الفرحة السطحية لم تخدمنا كثيرا، إن هذا التدمير لكل أساس للحياة الاجتماعية سوف يدفعنا للوقوف كل منا ضد الآخر من أجل الدفاع عن المصالح الشخصية، ويتسبب بظهور أنواع جديدة من العنف ومن القسوة، ويحول دون نمو ثقافة حقيقية لحماية البيئة.