اقترب الشتاء، واقترب معه الحنين لأنفاسك الدافئة وعينيك اللامعة، ونظراتك التى تبث فى قلبى طمأنينة غامرة..
أتتذكر تلك الليلة الباردة التى استقبلنا بها الشتاء سويًا فى موضعنا الآمن البعيد عن عيون العالم؟ ذلك المكان العالى، القريب جدًا من السماء، والخالى تماما من ضوضاء وثرثرة البشر ونظراتهم الفضولية؟
أتذكر تلك الليلة جيدًا.. مرّ عليها عام وسبعة أشهر وتسع ليالٍ وبضع ساعات. لن أفصح عن تفاصيلها حفاظًا على ذلك العهد الذى قطعته لنفسى. العهد بدوره لن أفصح عنه. ناهيك عن تلك الكلمات غير المرتبة، التلقائية.
لكن، دعنى أفصح لك عن سبب تواجدى هُنا الليلة.
ترانى الآن على بُعد خطوات قليلة منك، ولكنها فى الواقع آلاف الأميال. كلٌ منا يقف على الاتجاه الآخر. أقف ثابتة، وأشعل سيجارة أسحب انفاسها ببطء؛ بينما تقف أمامى مُنهمكًا فى بناء ذلك الجدار أمام قلبى مباشرة. لا يسمعك ولا يراك..
يا إلهي!
الجدار يعلو سريعًا ليذهب بصوتك أيضًا، وكأنك أقسمت الليلة على الذوبان والتلاشى تدريجيًا.. وصدقت أخيرًا.
أنا هنا الليلة كى أذكرك يا عزيزى أنك لم تعرف للصدق طريقًا من قبل، لم يلمس قلبك المهترئ من كثرة النزوات والحماقات والفراغ الممتلئ بالغرور والعُهر شيئًا من الحنان أو الإنسانية. لم ألمح فى نظراتك سوى الأنانية، والفضول، والغيرة، والريبة، والكذب، والخداع. وفى بعض الأحيان قسوة غير مبررة. لذلك لم تقو على النظر فى عينى مباشرة.
أتذكر أنت هذا؟
أنت لم تقو طيلة ذلك الوقت المستقطع من سنوات عمرى أن تنظر لعينى مباشرةً. أعلم بأن خيالك المريض هيأ لك أننى لم ألتفت لتلك التفصيلة الصغيرة. ولكننى سيدة التفاصيل بجميع أحجامها ومواضيعها. ربما لذلك أهلكتنى تفاصيلك اللعينة.
الآن أراك تضع آخر أحجار ذلك الجدار، بينما أشعل سيجارة جديدة، فأبتسم، وأرتب شعرى بهدوء فى استعداد لموعدنا القادم.
سأزورك برفقة الـ «كارما». سأجلس بينكما فى هدوء، أتابع المشهد، وأدخّن مجددًا..
ثقافة
إبداع|| «ليلة باردة».. قصة لـ نهى جلال
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق