الثلاثاء 07 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أحمد الصانع.. وأوبرا ٤٠ (١)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تلقيت هدية قيمة من المؤلف والموزع الموسيقى الكبير الأستاذ/أحمد مصطفى أحد أنبل وأرقى فنانى مصر..وهى رواية تقرب من ستمائة صفحة بإسم”أوبرا  ٤٠” الجزء الأول- للمؤلف السعودى الدكتور/أحمد بن عبد الله الصانع(إستشاري العقم وأطفال الأنابيب)..جذبنى إسم الكتاب ولم أفهم فى البداية هل هو مثلا ”أوبرا" بمفهوهما الكلاسيكى كأوبرا دون جيوفانى(لموتسارت)أو حلاق أشبيلية(لروسينى)أو عايدة(لفيردى) وغيرهم من أوبران، أم أنه رواية تقليدية..وكعادتى تصفحت الكتاب سريعا لألقى نظرة على المحتوى، ثم بدأت بقراءة الإهداء، والذى يعتبر طويل نسبيا حيث جمع فيه السابقون والمعاصرون من أهله وأحبته، وكل من شاركوه فى ولادة هذا العمل الأدبى والفنى الضخم، فإستهله بأنه:“لأرواح أبطال الرواية الذين مسحت ذكراهم وحذفت من صفحات التاريخ، لكنها بقيت محفورة فى عقولنا وقلوبنا"..ثم تبعها بإهداء الرواية(المقروءة، المسموعة، والأعمال الفنية الموسيقية) لروح والده وعمه وجده وزوجته وأسرته بأفرادها..ثم للمايسترو/أحمد مصطفى وأوركسترا عرين العز الذين عزفوا أوبرا ٤٠..وختمه بالإهداء لخادم الحرمين الشريفين وولى العهد..وتذكرت أننى منذ عدة سنوات شاركت بتسجيل موسيقى لأجزاء من هذا العمل الفنى المتميز، والذى لحنه مؤلف الكتاب أيضا، وأبدع فى توزيعه الأستاذ/أحمد مصطفى، وقاده الصديق الغالى/هشام أحمد مصطفى..مما زاد تشويقي لقراءة الكتاب الذى تأكدت أنه ليس عملا أدبيا فحسب، بل عملا فنيا وإبداعيا متكاملا وغير تقليدى، يمزج بين النثر والشعر والموسيقى والفن التشكيلى..حيث بدأه بفصول الرواية فى خمسمائة صفحة، ثم اختتم بعرض  ٢٣ عملا فنيا صاحبوا الرواية(من أفكار وألحان وإنتاج المؤلف)وتم تنفيذ بعضهم فى شكل أعمال أوبرالية بالفصحى مثل:(دام مجدك، والإسلام يدعو للسلام)..وصاحبهم صورا وقصائد أشعار من وحى القصة..أغلب الصور رسومات رائعة لأبطال الرواية فى مواقف مختلفة، تبدو من حيويتها وكأنها حية، مع قليل من الصور الواقعية النادرة لبعض الأبطال، والتى تعود لعشرينيات وثلاثينيات القرن الماضى..أما الأشعار فتتنوع بين التراث والأشعار النبطية والأغانى السامرية والمواويل التركية، والقصائد التى صاحبت الأحداث وكُتبت من المعاصرين لها..ووجدت بعد قراءة الرواية أننا أمام قالب أدبى متعدد الأجناس، يدمج الماضى والحاضر، ويمزج بين فن الرواية والسيرة الذاتية والسيرة الغيرية-التى يكتب فيها المؤلف عن غيره- والتى تُعرف أحيانا فى اصطلاح الأدباء بالتراجم الأدبية..ويتداخل معها فنون أخرى كأدب الرحلات والذى يصور فيه الكاتب ما جرى من أحداث أثناء رحلة لأحد البلدان ووصف عاداتهم وطبائعهم..فيصطحبنا مع أبطاله فى جولة ممتعة لأشهر المعالم والمزارات والفنادق والمطاعم فى مسرح الأحداث(فى العراق ولبنان وفرنسا وإيطاليا وتركيا)، ونستشعر وكأننا نتذوق معهم أشهر وصفات الطعام التركية والفرنسية والعراقية..ويطلعنا على المعارف والخبرات التي عاشوها فى زمانهم، وينتقل بنا بين الأحداث التاريخية والفنية، وتاريخ الأمكنة والأحياء والقصور..فنرى من خلاله مغنية الأوبرا الفرنسية/مارى آن لامبرت اشهر مغنية أوبرا في بدايات القرن٢٠، والتى شاركت الغناء مع بطلة القصة (الأميرة/عالية) فى أمسية فنية عام ١٩٢٩، ثم نعيش مع المؤلف الموسيقى الروسى/إيجور سترافنسكي، ونرى مناجاته لله تعالى بعمله الموسيقي ”سيمفونية المزامير“ طلبا لشفاء زوجته وابنته، والذي قدمه في حفل باريس الذي حضراه أبطال الرواية(عالية وعبدالله) وحضرتاه أيضا زوجة وإبنة سترافنسكى قبل وفاتهما بشهور لمرضهم بالسل..تضم الرواية بين دفتيها قصتى حب:الأولى والرئيسية بين الأميرة/عالية العود إبنة رئيس وزراء العراق فى العشرينيات، والتى درست فى الجامعة الأمريكية ببيروت، وكانت تجيد الغناء الأوبرالى(وتنتمى لعائلة عريقة وشريفة يمتد نسبها لرسول الله صلى الله عليه وسلم) وعبد الله بك العدل وكيل وزارة الداخلية ومحافظ بغداد(والذى قتل غدرا من إبن فالح(قريب زوجته) لأنهم أرادوا أن يجعلوه عبرة لكل من تسول له نفسه التقدم للزواج من بنات عائلة العود، لاعتقادهم أن من لا ينتمي لعائلتهم عبد وضيع النسب، وبالتالي اعتبروا زواجه من عالية العود تدنيس لشرف العائلة)..ولم يتم القصاص من القاتل، بعد أن تمكنت عائلته من التوسط للعفو عنه..فلم يصمد الحب ورقى المشاعر، أمام الغل والشر الذى إستخدم النعرات القبلية لتحقيق المصالح.. فانتصر الظلم والهمجية على الرقى وحسن النية..وقتل البطل بعد اربعين ليلة من زواجه عام ١٩٣١ ولم تتمكن حبيبته من توديعه، واضطرت وأسرتها لترك ديارهم فى العراق هربا من بطش الظالمين..وعاشت فى تركيا حتى توفيت عام ١٩٨٧، ولم تزر قبر زوجها إلا قبل وفاتها بسبعة إعوام، حيث زارت بغداد للعزاء فى إبن عمها وإستقبلها الرئيس الشهيد/صدام حسين فى القصر الجمهورى..أما قصة الحب الثانية فهى فى حاضرنا بين الدكتورة/ياسمين(حفيدة شقيقة عالية)وأحمد عبد الله العدل(حفيد شقيق الشهيد/عبد الله)..ويربط القصتين معا رباط الدم بين أبطالها فى الماضى والحاضر، والسمات الشخصية لهم، وتتويج قصتيهما بالزواج وبرباط حب أقوى منه..وللحديث بقية.