حالة من الجدل آثارها قرار اللجنة الدائمة بالمجلس الأعلى للآثار المتداول مؤخرًا بشأن إعادة تسجيل بعض المواقع الأثرية دون غيرها بحديقة الأسماك بالزمالك في تعداد الأثار الإسلامية والقبطية.
لم تكن حديقة الأسماك هي الموقع الأول الذي يتم الضلوع في أعمال شطب أجزاء منه من عداد الأثار وفق المتداول، والاكتفاء بتسجيل الجبلاية وبعض الأكشاك بالمساحة الكلية للحديقة، ففي وقت سابق دُمّرت مواقع ذات قيمة كبيرة مثل، "طابية أسوان التي تم هدمها، وقصر أندراوس باشا بالأقصر، بالإضافة لفك مشهد آل طباطبا الأثر الأخشيدي الوحيد والذي لا يُعلم مصيره حتى الآن"، ولكن النتيجة النهائية أن المواقع جميعها لم تعد موجودة على الأرض، فهل جاء الدور على حديقة الأسماك أم أن مصيرها سيكون مختلفًا؟
ورغم تداول صور ضوئية لقرار اللجنة الدائمة لشطب أجزاء من الحديقة على مواقع التواصل الاجتماعي، خرج علينا أسامة طلعت، رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية بتصريحات صحفية تبريرية لعملية الشطب صباح اليوم الجمعة، لم ينفي خلالها ما تم تداوله من مستندات تؤكد عملية شطب أجزاء من الحديقة، مؤكدًا أن ما حدث ما هو إلا مراجعة للمذكرة التفصيلية التي تم إعدادها منذ سنوات وبناء عليها تم تسجيل الحديقة بالكامل، مشيرًا إلى أن شطب أجزاء من الحديقة ما هو إلا تصحيح لأوضاع خطأ، مؤكدًا أكد أكثر من مرة أن قرار الشطب للمساحة الإجمالية للحديقة والإبقاء على الجبلاية والأكشاك الثلاثة فقط في عداد الآثار الإسلامية والقبطية جاء بإجماع آراء اللجنة الدائمة، موضحًا أن اللجنة الدائمة صاحبة القرار في تسجيل أو تعديل أو شطب أي أثر، وهو القول الذي عارضته الدكتورة مونيكا حنا أستاذ الآثار المصرية بقولها: "المسؤولية تقع على عاتق من قام بإعادة تشكيل اللجنة الدائمة للآثار".
خبير الآثار الدكتور أحمد صالح، تساءل قائلًا: اللجنة الدائمة هي التي أصدرت قرار بتسجيل الحديقة بالكامل، فلماذا يصدر الآن قرار جديد من ذات اللجنة بشطب أجزاء أو إعادة تسجيل أجزاء من الحديقة دون غيرها بدعوى التطوير.
وأضاف صالح، هناك منطق غريب في وزارة الآثار في السنوات الثلاث الأخيرة، حيث تم شطب عدد كبير من الآثار الهامة من عداد الآثار، نحن هنا لا نتحدث عن شطب أجزاء من حديقة، وإنما نتحدث عن ما هو أخطر بكثير وهو هدم آثار لها قيمتها التاريخية، وتساءل "صالح": "ما المنهج الذي تسير عليه اللجنة الدائمة، ولماذا تقوم كل فترة بشطب آثر ما، وهو سؤال لا نعلم له إجابة، وكل فترة يخرج علينا قرار نفهم منه أن هناك عملية شطب جديدة ستتم، فهذه اللجنة تحولت للجنة لشطب الآثار، وهذا ما نراه الآن، ونحن نريد إجابة من اللجنة الدائمة، لماذا قامت بشطب أجزاء من حديقة الأسماك من عداد الأثار بعد أن سجلتها في وقت سابق، ولا يُعقل أنا نقول أن اللجنة الدائمة هي صاحبة قرارها فيما يخص آثار مصر، ولكن لابد أن يكون هناك حيثيات لعملية الشطب، يحدد الأسباب التي تم على أساسها شطب الآثر".
جبلاية الأسماك أو "حديقة الأسماك" بالزمالك، تجاوز عمرها الـ154، منذ فكر الخديوي إسماعيل في إنشاءها عام 1867، فحينما كلّف إسماعيل باشا مهندس البلاط الخديوي "فرانس باشا" عام 1863 بتشييد قصر بجزيرة الزمالك، انتهى منه عام 1868م، فكانت السراي على غرار قصر الحمراء بغرناطة، واستخدم كمقر لإقامة الإمبراطورة أوجيني وحاشيتها خلال احتفالات افتتاح قناة السويس، وبالقرب من سراي الجزيرة "الماريوت حاليًا" شيد إسماعيل باشا "حديقة الأسماك" التي تطل واجهتها على نيل الزمالك، بشارع الجبلاية، وخلال هذه الجبلاية الصناعية الرائعة، شقت مغارات وممرات يسير فيها الزوار، ووضعت بها صناديق زجاجية، مازالت تحوي مجموعات متنوعة من الأسماك النيلية والبحرية وأسماك الزينة، تنعكس عليها أشعة الشمس من خلال فتحات علوية تضفي عليها جمالًا، والحديقة من تصميم المهندسين الايطاليين "كومباز ودويلو" الذين اشتهرا بتصميم هذا النوع من الحدائق، علاوة على البرك الصناعية، ومجموعة نادرة من الأشجار المُعمّرة التي تم استيرادها من الخارج.