السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

الباجوشي يوثق حياة القمص يوسف الديري

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
صدر حديثا كتاب بعنوان "القمص يوسف القمص غبريال الديري بلبل المعهد الفرعوني للموسيقى والتمثيل (1907 - 1979) من تأليف إسحاق الباجوشي، عضو لجنة التاريخ القبطي، وقدم الكتاب الأنبا مارتيروس الأسقف العام لكنائس شرق السكة الحديد بالقاهرة.
وجاء في تقديمه
في سياق البحث التَّاريخيّ الحديث لكنيستنا القبطيَّة الأرثوذكسيَّة، ينفرد الباحث المُدَقِّق إسحاق الباجوشي بسردِ هذا الجُزء من تاريخ الكنيسة في القرن العشرين، ويتناول فيه سيرة «القُمُّص يوسف غبريَّال الدَّيريّ» الَّذي اضطلع بعِدَّة أدوار لصالح خدمة التَّعليم والتَّعمير في بعض الكنائس، فضلًا عن إسهامه في مجال الأدب المسيحيّ.
وكما عهدنا في الباحث من براعةٍ، فقد عمد إلى توثيق كلّ المعلومات الَّتي تلقَّاها بصورةٍ شفهيَّة من أقارب القُمُّص يوسف الدَّيريّ ومُعاصريه، ودعَّم بحثه بالوثائق وبالصُّور النَّادرة، مُتَّخِذًا من البحث الميدانيّ الواعي منهجًا وأساس في تحقيقهِ للسِّيرةِ ورسم ملامحها، تاركًا للقارئ الفُرصة لتكوين رؤيته الخاصَّة عن صاحب السِّيرة وعن المُلابسات والأحداث التَّاريخيَّة الَّتي مرَّت بالكنيسة في أيامه.
ولم يفُت الباحث أن يُسَلِّط الضَّوء على علاقة القُمُّص يوسف الدَّيريّ بالأرشيدياكون القدِّيس حبيب جرجس، وتلمذته على يديه في المدرسة الإكليريكيَّة بين عامي 1923 - 1928م، وهو يُدعِّم ذلك بما جاء في كتاب ”المدرسة الإكليريكيَّة بين الماضي والحاضر“، للأرشيدياكون حبيب جرجس، والَّذي صدر بمُناسبة مرور خمس وأربعين سنة منذ تأسيس المدرسة الإكليريكيَّة سنة 1893م في عهد قداسة البابا كيرلَّس الخامس، وذلك يُعطينا فكرة عن تفوُّق القُمُّص يوسف الدَّيريّ في العُلوم الكنسيَّة وبراعته في خدمة الكلمة والوعظ، فضلًا عن كتاباته الرُّوحيَّة، ما جعله أهلًا للرِّسامة الكهنوتيَّة في العام التَّالي لتخرُّجه (1929م)، وذلك بإيبارشيَّة ديروط وصنبو وقُسقام، وكانت من الإيبارشيَّات الرَّائدة في الخدمة الكنسيَّة ومدارس الأحد، بالإضافة إلى رعايتها للإكليريكيِّين ومنحهم الأفضليَّة في الرِّسامات الكهنوتيَّة.
ومع خدمة أبونا يوسف المُتفانية في العديد من الكنائس، سواء في وسط الصَّعيد أو في القاهرة، إلاَّ أنَّه كان أيضًا رجل له موقف، وقد ظهر ذلك جليًّا في وقوفه إلى جانب القُمُّص داود المقاري، الرَّاهب الَّذي نال شُهرة واسعة حينذاك وقد ترشَّح للكُرسيّ البطريركيّ قبل تنصيب الأنبا مكاريوس مُطران أسيوط بطريركًا، غير أنَّ المجمع المُقدَّس كان يميل وقتها إلى اختيار أحد المطارنة لضمان خبرته الرَّعويَّة والميدانيَّة، في وقتٍ كان فارقًا في تاريخ الأُمَّة المصريَّة تعالت فيه نبرة مُناهضة الإنجليز والحُكم الملكيّ وغير ذلك من خصائص تلك الحِقبة.
وكان من أثر تنامي حرية الفكر والتَّعبير والانتشار الواسع للصُحف والمجلاَّت، أن تعرَّض القُمُّص يوسف الدَّيريّ -آنذاك- لغضب بعض الآباء المطارنة، لكن تتوالى الأحداث وينال أبونا يوسف الصَّفح في نفس السَّنة، فيواصل العطاء في مجال خدمته الكهنوتيَّة سواء في كنيسة مار مينا بشارع التِّرعة البولاقية بشبرا، أو في كنيسة مار جرجس بأرض الجنينة بالزاوية الحمراء بمنطقة شرق السِّكة الحديد. وقد سمعت عنه من الخُدَّام القُدامى كلامًا طيِّبًا وكيف كان مُتفانيًا في خدمته الرَّعويَّة إلى حَدِّ أنَّه قام مع الآراخنة بترتيب بناء كنيسة مار جرجس بأرض الجنينة. وكما نعلم فإنَّ تجارب الخدمة كثيرة وظاهرة في حياة الآباء المُجاهدين في حقل خدمة الرَّبّ.
إنَّنا نقف احترامًا لهذا الأبّ الجليل الَّذي سجَّل لنا زيارته للقُدس وما شاهدته عيناه في سياقِ وصفٍ تاريخيٍّ هام لبعض الأماكن وما كان يجرى فيها من طقوس مُقدَّسة. فهو يُذكِّرنا بالحاجَّة إيجيريا في القرن الخامس والَّتي دَوَّنَت مُشاهداتها بالأراضي المُقدَّسة، فضلًا عن كتاباته الرَّائعة في بعض المجلاَّت. فقد كان مؤثرًا في الحقل الكنسيّ وله بصماته الواضحة وعلاقاته النَّاجحة، بداية من تلمذته للأرشيدياكون حبيب جرجس مرورًا بصداقته بالأرشيدياكون وهيب عطا الله (الأنبا غريغوريوس فيما بعد)، والأستاذ نظير جيِّد (البابا شنودة الثَّالث فيما بعد).
ونذكُر له أيضًا حفظه للتُّراث الموسيقيّ الكنسيّ ونشاطه في تسجيل الألحان والمدائح، وكان أحد أهم الآباء الذين أذاعوا القُدَّاس الإلهيّ سنة 1953م -كما يُشير الباحث- وكان عضوًا بارزًا في معهد الموسيقى والتَّمثيل.وقال الانبا مارتيروس
وإنَّني أُثني على الباحث وأمتدح مُثابرته وفطنته ودقَّته في تناول موضوع هذا البحث الشَّامل الجامع، والَّذي استعان فيه -كما سبق أن أشرنا- بالكثير من المصادر والمراجع والوثائق والصُّور. وهو النَّهج الَّذي نحتاجه في كتابة تاريخ كنيستنا الحديث.
وفي تمهيد الكتاب قال إسحاق الباجوشي، "لطالما كان عطاء الآباء كهنة دير العذراء مريم والدة الإله بجبل الطَّير كنبعٍ لا ينضب أبدًا في خدمة الكنيسة القبطيَّة، مُقدِّمين بعضهم بعضًا في الكرامة والخدمة الكهنوتيَّة، وهي الخدمة الَّتي تُعدّ شهادة جديدة. فقد بلغ عدد كهنة الدَّير في مطلع القرن العشرين سِتَّة عشر كاهنًا، وفي مطلع القرن الحادي والعشرين عدد لا بأس به من الآباء الكهنة والإكليريكيِّين في مصر والمهجر، لخدمة الكنيسة القبطيَّة الأرثوذكسية والكرازة المرقسيَّة".
ودير السَّيِّدة العذراء بجبل الطَّير هو المكان الَّذي كان المتنيِّح الأنبا أرسانيوس مطران كرسيّ المنيا وأبو قرقاص يأمل عقب سيامته وتولِّيه الإشراف عليه أن يُقيم فيه إكليريكيَّة داخليَّة، وحالت عقبات مُعيَّنة إتمامه ذلك، فأتمّ افتتاحها في مدينة المنيا.
ومن أحد فروع هذه الكرمة الزَّاهرة فرع «عائلة أولاد مينا»، ومن بينهم «القُمُّص غبريَّال القُمُّص سليمان الدَّيريّ» الَّذي تفرَّع من أولاده وأحفاده وأحفاد أحفاده شهداء أوفياء (مثل الشَّهيد وجدي ملاك، الَّذي استشهد بالأراضي اللِّيبيَّة).
وفي هذا الفرع الصَّغير خمسة من الآباء الأجلاَّء تقريبًا، ولكنَّهم أكثر من ثلاثين أبّ في الفرع الكبير (أولاد مينا)، ونحن بصدد الحديث عن الأبِّ القُمُّص يوسف غبريَّال الدَّيريّ، أوَّل كاهن لكنيسة مار مينا بأرض الطَّويل، شارع التِّرعة البولاقيَّة بحيِّ شبرا مصر، «بُلبل المعهَد الفرعونيّ للموسيقى والتَّمثيل»، كما كان يُطلَق عليه.
والحقيقة إنَّني كنت أُعِدّ كتابًا عن القُمُّص غبريَّال إسكندر، والَّذي تنيَّح في 24 أغسطس 2020م، ولأنَّ القُمُّص يوسف غبريَّال هو عمّه وحماه فكان لابُدّ لي أن أمُرّ على ذكره بشيء من الاختصار حيث قُمَت بالبحث في تاريخ دير جبل الطَّير والآباء الكهنة العظام الَّذين ينتمون إليه فيما بين عامي 2015 - 2018م.
وكنت قد جمعت سُطورًا قليلة عن هذا العملاق، فسألت أحد خُدَّام كنيسة مار مينا والَّذي له باع في كتابة تاريخ الآباء هناك، فأفاد بأنَّه خدم فترة وجيزة ولا يعلم عنه شيء وأنَّه لم يعًد له يُذكَر بالكنيسة بسبب، فتولَّد بداخلي شغف البحث عن سيرته. ولأنِّي كنت أبحث منذ فترة عن جريدة الأنوار الغرَّاء والَّتي أصدرها الرَّاهب القِسّ داود المقاري وطالعت فيها مُذكِّرة مرفوعة من القُمُّص غبريَّال للمجلس الإكليريكيّ، فتتبَّعت هذه السِّيرة، وتواصلت مع حفيده الأستاذ جرجس القُمُّص إبراهيم أندراوس الدَّكر، فأرشدني لبيت القُمُّص يوسف وابنه غبريَّال وهو الوحيد على قيد الحياة من أبنائه وقد أنهى عامه الثَّاني والسَّبعين منذ أيام قليلة، فقُمت بزيارته في 3 ديسمبر 2020، وبرغم أنَّه لم يعطني تفاصيل كثيرة عن حياة والده لكنَّه مشكورًا أعطاني بعض الصُّور، فضلًا عن مُذكِّرة تحتوي على شرح مُقدَّسات العذراء بالأراضي المُقدَّسة، وهي الَّتي استخدمناها في هذا الكتاب.
وقد وجدت أنَّ قضيَّته -الخاصَّة بمُساندة الرَّاهب القِسّ داود المقاريّ- وأخباره قد ملأت العديد من الصُّحف والمجلاَّت، فحاولت على قدر ضعفي أن أجمع وأكتُب هذا النَّذر اليسير في محاولة لتسجيل تاريخ هذا الأبّ البار، وكذلك دعمه لأبوَّة البابا يوساب الثَّاني، ومحبَّته للآباء البطاركة.