الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

سموم راكدة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يعتبر سوء إدارة المبيدات واستيرادها بكميات تزيد عن الحاجة من الأمور التي أدت إلى وجود فائض بالكثير من البلدان. وبمرور الزمن، تصبح هذه المبيدات راكدة، ومن ثم أصبحت تشكل عبئًا على كاهل العديد من حكومات هذه الدول في كيفية التخلص منها. وفي الحقيقة يوجد أكثر من مصطلح قد يفهم منه معنى مبيدات راكدة مثل المبيدات الفاسدة أو التالفة في صورة نفايات كذلك المبيدات غير المرغوبة (مبيدات سليمة ولكن ليس هناك حاجة لاستخدامها بصورة فورية) وكذلك مصطلح المبيدات الراكدة (Obsolete Pesticides) والتي أمكن تعريفها على أنها مبيدات مخزنة لم يمكن استخدامها في الهدف والغرض المصممة من أجله أو لأي غرض آخر، ومن ثمَّ وجب التخلص منها. 
ومن أسباب وجود المبيدات الراكدة أن يكون المبيد الراكد قد تم سحبه أو إلغاء استخدامه لأسباب صحية أو بيئية. أن المبيد قد حدث له تدهور أو تغير في خصائصه الكيميائية أو الفيزيائية بشكل يصبح بعدها سام للنبات المستهدف نتيجة التخزين غير السليم (التخزين في الجو المفتوح) ولفترات زمنية طويلة (تخزينها فترة وجودها على الرف (Shelf-life) والتي تكون في حدود عامان بداية من خروج المبيد من المصنع) ومن ثم لا يمكن استخدامه تبعًا للتغيرات التي حدثت على فعاليته الإبادية أو نشاطه البيولوجي وبالتالي لم يعد ممكنًا إعادة تجهيزه مرة أخرى ولايمكن إدخال تعديلات عليه ليصبح قابلًا للاستخدام. أيضًا، سوء إدارة لمخزون هذه المبيدات (عدم تدوين أو تسجيل للكميات المخزنة بصفة دورية). أن تكون المبيدات ممنوحة أو تم التبرع بها من جهة ما والتي لا تتلائم مع احتياجات الدولة المستلمة للشحنة وهو ما يُطلق عليه (فرط المنح، نتيجة منح للمبيدات من أكثر من جهة في نفس الوقت) وتظل هذه المبيدات الزائدة عن الحاجة متواجدة في المخازن وتبدأ في التدهور وهذا يكون نتيجة عدم التنسيق الكافي بين الجهات المانحة للمبيدات. وطبقًا لخطورة المبيدات الراكدة، فقد أمكن شمولها ضمن النفايات الخطرة التي تضمنتها إتفاقية باسيل عام 1989 ومن ثم ضرورة التخلص منها.
​ومن ضمن الحقائق المريرة المتعلقة بالمبيدات الراكدة، هو أن غالبيتها يتواجد في البلدان النامية حيث تتراوح الكميات في بعض الدول ما بين عدة أطنان قليلة إلى عدة آلاف من الأطنان (15000 طن في قارة أفريقيا فقط طبقا لحصر قامت به منظمة الأغذية والزراعة عام 1994). ومن أكثر أنواع المبيدات الراكدة شيوعًا هي المبيدات الكلورينية العضوية مثل (ددت، ديلدرين وHCH) التي تم إلغاء استخدامها وسحبها نتيجة لأسباب صحية وبيئية. ومن بين الدول التي تحتفظ بكميات كبيرة من هذه المبيدات هي الدول الواقعة في مسار الجراد المهاجر حيث تقوم باستخدام هذه المبيدات في مكافحة الجراد. أيضًا، فإن كل من المبيدات الفوسفورية العضوية والكرباماتية من المجاميع الكبيرة المتواجدة بين المبيدات الراكدة وذلك بسبب تدهورها نتيجة طول فترات تخزينها غير السليم. ومن أمثلة هذه المبيدات (دايمثويت، فينيتروثيون، مالاثيون، كارباريل وبروبوكسور).
ومن ضمن مخاطر المبيدات الراكدة هي التسريبات التي تحدث من البراميل والأكياس الممزقة التي من الممكن أن تؤثر بشكل خطير على الصحة المهنية للعاملين في مجال المبيدات عند تعرضهم للمبيدات الراكدة أثناء تخزينها بشكل سيئ علاوة على تلوث الماء الأرضي أو التربة من الممكن حدوثه من خلال التسريب الذي يحدث للمبيدات لتصل إلى الأرض أو أن يحدث لها جريان أثناء الأمطار الغزيرة. وعلى هذا الأساس، فقد يحدث تسمم للأفراد أو الحيوانات نتيجة التلامس المباشر مع المبيد أو الاستنشاق لأبخرته أو شرب المياه الملوثة أو تناول غذاء ملوث بهذه المبيدات.
وللتغلب على مشكلة المبيدات الراكدة، فهناك العديد من الإجراءات التي يجب اتخاذها والتي تتمثل في إجراء مراجعات شاملة لسياستها فيما يتعلق بكل من إدارة المبيدات، عملية تقييم المتطلبات والاحتياجات من المبيدات ومن ثم إجراءات وتدابير الحصول على المبيدات، تصميم دورات تدريبية للعاملين في القطاع الحكومي والغير حكومي والذين تقع عليهم مسئولية تخزين المبيدات، خفض استخدام المبيدات بقدر الإمكان من خلال إعطاء الأولوية لبرامج الإدارة المتكاملة لمكافحة الآفات (IPM) في برامج وقاية النبات وكذلك لبرامج المكافحة المتكاملة لنواقل الأمراض (Integrated Vector Control، IVC). كذلك يجب خفض كمية المبيدات من خلال الإهتمام باختيار نوع المبيد حيث تبين أنه في الكثير من الحالات يمكن استبدال المبيدات التقليدية بمركبات أخرى أكثر حداثة (مثل المبيدات الحيوية ومثبطات النمو) والتي تكون أكثر اختيارية وأقل خطورة للإنسان والحيوان ومن ثم يستخدم منها كميات أقل. تجنب زيادة مخزون المبيدات، أن تكون سياسات الاستيراد والامداد للمبيدات منظمة ومعتمدة على الكميات القليلة بشرط ضمان جودة انظمة التوصيل ومن ثم لا تكون هناك حاجة لتخزين المبيدات. العمل على دقة التقييم من الاحتياجات للمبيدات قبل البدء في اعتماد طلبية المبيدات من الهيئات المعاونة المانحة. التأكد من التداول والتخزين المناسب وإدارة المخزون وأخيرا التخلص من المبيدات الراكدة من خلال إحدى الوسائل المتاحة في هذا المجال مثل الحرق على درجات حرارة مرتفعة مثل محارق الأسمنت، الدفن العميق، المعاجة بالموجات الدقيقة أو المعالجة الميكروبية. أيضًا، المعالجة الكيميائية للمبيدات الراكدة ولكنها لا تصلح إلا مع الكميات القليلة وليس مع جميع مجاميع المبيدات وهذه الوسيلة لها العديد من التقنيات مثل المعالجة بالكلور، المعالجة بالتحليل المائي بوسط قلوي أو حمضي، المعالجة بالأكسدة، المعالجة بالإختزال البطيء، المعالجة بتكوين كبريتيدات غير ذائبة أو المعالجة بتحفيز عملية الديهيدروكلورة.
و يبقى التساؤل الهام ما هى الخطوات المتبعة في مصر للتخلص من بواقى المبيدات وعبواتها وهل يوجد لدينا آلية مُطبقة للتخلص الآمن من هذه العبوات؟ من هذا المنطلق لا بد أن تتضافر كل الجهات الرسمية في إيجاد آلية منظمة ومعلن عنها للتخلص من بواقى المبيدات وعبواتها الفارغة حفاظًا على صحة المواطن المصري ويجب الإستعانة بالمنظمات الدولية المعنية بهذا الصدد وأيضًا الإستعانة بتجارب الدول المتقدمة في هذا المجال. وتجدر الإشارة إلى التعاون الذي حدث مع إحدى دول الاتحاد الأوروبي التي منحت لمصر فرصة التخلص من كميات كبيرة من المبيد الكلوريني (لندين). وفي هذا السياق، فإننا الآن ندق ناقوس الخطر لعلنا نتحرك جادين من أجل إيجاد حلول سريعة ومستدامة لهذه المشكلة التى تتفاقم عامًا بعد عام والتى تهدد صحة المواطن وتؤدي إلى كوارث بيئية وصحية في الأمد القريب.