وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85) الإسراء
ذلك السر الإلهي الذي المستمد من روح الله
قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله - هو ابن مسعود رضي الله عنه - قال: كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث في المدينة، وهو متوكئ على عسيب، فمر بقوم من اليهود، فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح. فقال بعضهم: لا تسألوه. قال: فسألوه عن الروح فقالوا يا محمد، ما الروح ؟ فما زال متوكئا على العسيب، قال: فظننت أنه يوحى إليه، فقال: (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا)
فقال بعضهم لبعض: قد قلنا لكم لا تسألوه
قالوا نحن أوتينا التوراة ومن أوتي التوراة فقد أوتي كثيرًا قال تعالى، “قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا” (109) الكهف
فالله سبحانه وتعالى من على آدم بعدما نفخ فيه من روحه وقد طالب الملائكة بالسجود له فسجد الملائكة كلهم إلا إبليس إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74) ص
وبعدما منَّ الله عليه بذلك السر الخفي تلك الروح التي أمرت أن تدخل جسد آدم عليه السلام ذلك الجسد المعتم كان العطاء الثاني وهو العقل الذي ميز به الإنسان وبه يفقه ويعبد ويرتي ويصير خليفة لله في أرضه وبه يحصل العلم الذي من الله به عليه ورغم ذلك قال تعالى وما أوتيتم من العلم إلا قليلا***
فالروح ذلك السر الذي يبقي الانسان على قيد الحياة ولما أن كان السر من روح الله لا ينشط ولا يتحرر من ظلمة الجسد ويزداد نوره إلا بالقرب من الله فيستمد القوة والنور ويشع ذلك النور كلما ازداد قربا من الله ولو استمر لفاق الملائكة فقد روى مسلم عن أبي عثمان النهدي عن حنظلة الأسيدي قال: وكان من كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لقيني أبو بكر فقال كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة! قال: سبحان الله، ما تقول؟ قال: قلت: نكون عند رسول الله صلى عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيرًا. قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما ذاك؟." قلت: يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة، حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده؛ إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم، وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة" تلك هي الروح ولكن لم يخلق الإنسان لذلك إنما خلق لعمارة الكون والعمل والسعي ولذا كان الجسد الذي زوده خالقه الغرائز من أجل البقاء والرغبة في الخلود ليعمر الدنيا وتستمر الطموحات والأهداف الآمال التي لا تنقضي أبدا فكما قال الشاعر:
نروح ونغدو لحاجاتنا وحاجة من لا عاش لا تنقضي
تموت مع المرء حاجاته وتبقى له حاجٌة ما بقي
فحاجات الإنسان لا تنقضي ورغباته لا تنتهي وتلك غاية وجوده على قيد الحياة خليفة لله على أرضه ويقف العقل ما بين روح تسعى المثالية والملائكية وجسد يسعى لتلبية رغباته وشهواته فيتوسط بينهما وبه تتحقق الوسطية والاعتدال فكما قيل الإنسان قد يكون حيوانا وأضل أو شيطانا وأضر وملاكا وأرقى
كل ذلك بأفعاله.
آراء حرة
أسرار الروح
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق