السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

القس عيد صلاح يكتب: في طريق السعادة(2) في مَنْ نثق؟

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"طُوبَى لِجَمِيعِ الْمُتَّكِلِينَ عَلَيْهِ." (مزمور 2: 12)
"لِمَاذَا ارْتَجَّتِ الأُمَمُ وَتَفَكَّرَ الشُّعُوبُ فِي الْبَاطِلِ؟ قَامَ مُلُوكُ الأَرْضِ وَتَآمَرَ الرُّؤَسَاءُ مَعًا عَلَى الرَّبِّ وَعَلَى مَسِيحِهِ قَائِلِينَ: لِنَقْطَعْ قُيُودَهُمَا وَلْنَطْرَحْ عَنَّا رُبُطَهُمَا. 
السَّاكِنُ فِي السَّمَاوَاتِ يَضْحَكُ. الرَّبُّ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ. حِينَئِذٍ يَتَكَلَّمُ عَلَيْهِمْ بِغَضَبِهِ وَيَرْجُفُهُمْ بِغَيْظِهِ. أَمَّا أَنَا فَقَدْ مَسَحْتُ مَلِكِي عَلَى صِهْيَوْنَ جَبَلِ قُدْسِي. 
إِنِّي أُخْبِرُ مِنْ جِهَةِ قَضَاءِ الرَّبِّ. قَالَ لِي: أَنْتَ ابْنِي. أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ. اِسْأَلْنِي فَأُعْطِيَكَ الأُمَمَ مِيرَاثًا لَكَ وَأَقَاصِيَ الأَرْضِ مُلْكًا لَكَ. تُحَطِّمُهُمْ بِقَضِيبٍ مِنْ حَدِيدٍ. مِثْلَ إِنَاءِ خَزَّافٍ تُكَسِّرُهُمْ.
فَالآنَ يَا أَيُّهَا الْمُلُوكُ تَعَقَّلُوا. تَأَدَّبُوا يَا قُضَاةَ الأَرْضِ. اعْبُدُوا الرَّبَّ بِخَوْفٍ وَاهْتِفُوا بِرَعْدَةٍ. قَبِّلُوا الاِبْنَ لِئَلاَّ يَغْضَبَ فَتَبِيدُوا مِنَ الطَّرِيقِ. لأَنَّهُ عَنْ قَلِيلٍ يَتَّقِدُ غَضَبُهُ. طُوبَى لِجَمِيعِ الْمُتَّكِلِينَ عَلَيْهِ." (مزمور 2: 1- 12)
تناولنا من قبل التطويبة الأولى من سفر المزامير الواردة في المزمور الأول، وعرفنا كيف أنَّه يقدم رؤية للحياة في طريقين لا ثالث لهما. يتشابه المزمور الثاني مع المزمور الأول إذ يعتبران قطعة أدبيّة واحدة وهما يقران بأنَّ الحياة ليست ورديّة فيحيط بالإنسان (الأشرار، والخطاة، والمستهزئين) على المستوى الفرديّ والأخلاقيّ أما على المستوى الشّعبيّ والسّياسيّ فنجد الحياة أيضًا في واقعيتها الصعبة، فيها فساد وتآمر شرير، فنرى في المزمور الثاني:
"لِمَاذَا ارْتَجَّتِ الأُمَمُ، وَتَفَكَّرَ الشُّعُوبُ فِي الْبَاطِلِ؟ قَامَ مُلُوكُ الأَرْضِ، وَتَآمَرَ الرُّؤَسَاءُ مَعًا عَلَى الرَّبِّ وَعَلَى مَسِيحِهِ، قَائِلِينَ: لِنَقْطَعْ قُيُودَهُمَا وَلْنَطْرَحْ عَنَّا رُبُطَهُمَا. (مزمور 2: 1- 3) 
في المزمور الأول نرى إمكانية للفساد على المستوى الشّخصيّ الأخلاقيّ، أما في المزمور الثاني فنرى إمكانية أخرى للفساد على المستوى السياسيّ (الحكام، والرؤساء). وهكذا يعيش الإنسان بين الصراع الأخلاقيّ والفساد السياسيّ. يبدأ المزمور الأول بكلمة "طوبى" وينتهي المزمور الثاني بنفس الكلمة وما بين الكلمتين كثير من الحركات والصراعات وواقعية الحياة.
ماذا يفعل الإنسان في ظل الفساد؟ وماذا يفعل الإنسان في ظل هذين التيارين (الفساد الأخلاقيّ، والفساد السياسيّ) ماذا نفعل؟ في المزمور الأول يقدِّم الحياة السعيدة في الابتعاد عن الخطأ والفساد المتمثل في من حولنا بالاعتماد على كلمة الله في فهمها وتطبيقها، وفي المزمور الثاني يقدِّم لنا عمق وروعة الحياة في الاعتماد على الله. فطوبى لنا إذ لم ننجرف في طريق الخطاة، والأشرار، والمستهزئين، وطوبى لنا إذ لم نعتمد على الملوك والرؤساء كمصدر أساسي في الحياة.
والسؤال الذي يفرض نفسه في المزمور الثاني هو: من يحكم الآن؟ وعلى من نعتمد؟ وفي من نثق؟ للإجابة على هذه الأسئلة لا بد لنا أن تعرض لثلاثة مواقف:
1- الموقف السياسيّ
2- الموقف الإلهيّ
3- الخبرة الإنسانيَّة

أولًا: الموقف السياسيّ 
كاتب المزمور الثاني قد يستعيد في ذهنه المواقف المضادة التي حدثت وقت تنصيب داود ملكًا، وكان رد الفعل هو التآمر، والغضب، فالأمم ضجت، والشعوب تفكرت في الباطل، والملوك والرؤساء تأمروا معًا على الرب وعلى مسيحه (داود)، لماذا كان رد الفعل عنيفًا لهذه الدرجة؟ من خلال الشعار ندرك الهدف قَائِلِينَ: لِنَقْطَعْ قُيُودَهُمَا وَلْنَطْرَحْ عَنَّا رُبُطَهُمَا. الدعوة إلى التحرر من نير الرب ومسيحه. 
صورة التآمر والتفكير في الشر، والوحدة معًا ضد الله وعمله كانت ومازالت مستمرة في أنظمة سياسية متعددة، رأينا ذلك مع موقف هيرودس ضد ولادة المسيح، ورأيناه أيضًا مع هيرودس وبيلاطس في الاتفاق على صلب المسيح، رأته الكنيسة الأولى وعلى مدى العصور المختلفة وحتى يومنا هذا نرى هذه الموجة وهذا التيار بصور مختلفة، وبأساليب متعدّدة. وفي ظل هذا الموقف السياسيّ الصعب يضع حياتنا في تحدي أصعب وهو لمن نكون وما هو ولاؤنا؟ 
ثانيًا: الموقف الإلهيّ
في ضوء ما سبق من موقف سياسيّ مضاد، نرى أنَّ الله له خطة وهدف ونظام، وأمام التصرف السياسيّ السابق نجد رد فعل الله أمام قصور أفكارهم، وجهلهم لمشيئته:
اَلسَّاكِنُ فِي السَّمَاوَاتِ يَضْحَكُ. الرَّبُّ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ. حِينَئِذٍ يَتَكَلَّمُ عَلَيْهِمْ بِغَضَبِهِ، وَيَرْجُفُهُمْ بِغَيْظِهِ. أَمَّا أَنَا فَقَدْ مَسَحْتُ مَلِكِي عَلَى صِهْيَوْنَ جَبَلِ قُدْسِي. (مزمور 2: 4- 6)
اختار الرب مسيحه وأعلن ذلك رغم أنف المعارضين وأصبح مسيح الرب يتمتع بثلاثة أمور مهمة جدًا وهي:
قَالَ لِي: أَنْتَ ابْنِي. أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ.
اِسْأَلْنِي فَأُعْطِيَكَ الأُمَمَ مِيرَاثًا لَكَ وَأَقَاصِيَ الأَرْضِ مُلْكًا لَكَ. 
تُحَطِّمُهُمْ بِقَضِيبٍ مِنْ حَدِيدٍ. مِثْلَ إِنَاءِ خَزَّافٍ تُكَسِّرُهُمْ. (مزمور 2: 8- 9)
هذه الأمور الثلاثة بالقرب والانتساب، بالهبة، بالمكانة القوية الغالبة والمنتصرة.
ويوجه الله ندائه لهولاء الملوك لكي يفلتون من العقاب
فَالآنَ يَا أَيُّهَا الْمُلُوكُ تَعَقَّلُوا. 
تَأَدَّبُوا يَا قُضَاةَ الأَرْضِ.
اعْبُدُوا الرَّبَّ بِخَوْفٍ وَاهْتِفُوا بِرَعْدَةٍ. 
قَبِّلُوا الاِبْنَ لِئَلاَّ يَغْضَبَ فَتَبِيدُوا مِنَ الطَّرِيقِ. (مزمور 2: 10 -11)
رد الفعل ببتجلوب مع الموقف الإلهيّ هو المناداة بالتعقل، والتأدب، التعبد لله وحده، والخضوع في كلمة قبلوا الابن أي اعتمدوا على الله، الملوك يتغيرون، والسياسة وفق مصالحها تتغير ولكن يبقى الله وحده ثابت لا يتغير. وهو الأمر الذي استدعى كاتب الرسالة إلى العبرانيين عندما تكلَّم عن مكانة المسيح "لأَنَّهُ لِمَنْ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ قَالَ قَطُّ: «أَنْتَ ابْنِي أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ»؟ وَأَيْضًا: «أَنَا أَكُونُ لَهُ أَبًا وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْنًا»؟" (عبرانيين 1: 5)

ثالثًا: الخبرة الإنسانيَّة 
في المزمور الأول يبدأ بداية سعيدة وينتهي بنهاية مؤلمة، ويبدأ المزمور الثاني ببداية مؤلمة ويختم بنهاية سعيدة، بعد سرد للحراك السياسيّ الذي حدث ضد الرب ومسيحه. "طُوبَى لِجَمِيعِ الْمُتَّكِلِينَ عَلَيْهِ." رغم وجود الحكام، والملوك، والرؤساء (الأشرار). هولاء المتكلين عليه هم الذين يثقون فيه، وفي قوة سلطانه، رغم بطش الرؤساء. المتكلين على الله هم الذين يسيرون ضد التيار الظالم في الحياة التي تبنى على التآمر، والتفكير في الباطل، والمناداة بالتحرر من سلطانه.
هؤلاء المتكلين أيضا لهم الفرح والخلاص فعندما يأتي وصف المتكلين على الرب في سفر المزامير نجد الأوصاف الآتية: الفرح في الاتكال على الله بالقول: "وَيَفْرَحُ جَمِيعُ الْمُتَّكِلِينَ عَلَيْكَ. إِلَى الأَبَدِ يَهْتِفُونَ وَتُظَلِّلُهُمْ. وَيَبْتَهِجُ بِكَ مُحِبُّو اسْمِكَ." (مزمور 5: 11) يوجد خلاص للمتكلين على الله، فيقول: "مَيِّزْ مَرَاحِمَكَ يَا مُخَلِّصَ الْمُتَّكِلِينَ عَلَيْكَ بِيَمِينِكَ مِنَ الْمُقَاوِمِينَ." (مزمور 7: 17)، والسعادة لهم، بالقول: "طُوبَى لِجَمِيعِ الْمُتَّكِلِينَ عَلَيْهِ." (مزمور 2: 12).
هذه هي الصورة في تكاملها المتكلون على الله هم (سعداء، فرحين، مخلصين) لذلك يأتي التأكيد على وصفهم بالأمن والطمأنينة "اَلْمُتَوَكِّلُونَ عَلَى الرَّبِّ مِثْلُ جَبَلِ صِهْيَوْنَ الَّذِي لاَ يَتَزَعْزَعُ بَلْ يَسْكُنُ إِلَى الدَّهْرِ." (مزمور 125: 1).
يصور لنا الكتاب المقدّس أنَّه يوجد أتكال باطل يعتمد فيه الإنسان على ذاته، وأعماله، وأمواله فيذكر إرميا القول: "مَلْعُونٌ الرَّجُلُ الَّذِي يَتَّكِلُ عَلَى الإِنْسَانِ وَيَجْعَلُ الْبَشَرَ ذِرَاعَهُ وَعَنِ الرَّبِّ يَحِيدُ قَلْبُهُ." (إرميا 17: 5) ويذكر سفر الأمثال صورة أخرى لهذا الاعتماد الباطل: "مَنْ يَتَّكِلْ عَلَى غِنَاهُ يَسْقُطْ " (أمثال 11: 28)، ولقد أكدَّ الرب يسوع على هذا بالقول: "يَا بَنِيَّ مَا أَعْسَرَ دُخُولَ الْمُتَّكِلِينَ عَلَى الأَمْوَالِ إِلَى مَلَكُوتِ اللَّهِ!" (مرقس 10: 24) 
وجاء في سفر الأمثال أيضًا: "وَمَنْ يَتَّكِلُ عَلَى الرَّبِّ فَطُوبَى لَهُ." (أمثال 16: 20). وذكر الرسول بولس هذه الكلمات: "لَكِنْ كَانَ لَنَا فِي أَنْفُسِنَا حُكْمُ الْمَوْتِ، لِكَيْ لاَ نَكُونَ مُتَّكِلِينَ عَلَى أَنْفُسِنَا بَلْ عَلَى اللهِ الَّذِي يُقِيمُ الأَمْوَاتَ الَّذِي نَجَّانَا مِنْ مَوْتٍ مِثْلِ هذَا، وَهُوَ يُنَجِّي. الَّذِي لَنَا رَجَاءٌ فِيهِ أَنَّهُ سَيُنَجِّي أَيْضًا فِيمَا بَعْدُ." ( 2 كورنثوس 1: 9- 10).
في زمن كورونا انهارت كل مصادر الأمان التي يحاول الإنسان أن يعتمد عليها فالمال والسلطة والعلم كلها لم تستطع حماية الإنسان، وفي ظل الأزمة يتطلع الإنسان إلى الله الضابط الكل. فطوبى لجميع المتكلين عليه فهولاء لهم السعادة والفرح والخلاص، ورغم الفساد السياسيّ الحادث، فالاتكال على الله يعطي القدرة والمعونة للتمسك بالحق والعيش به، فنحيا الحياة السعيدة من خلال الاعتماد الكامل على في الحياة. وما أجمل أن ترنم الكنيسة هذه الترنيمة:
على الإله فاتَّكِلْ
للخير صانعًا
وكُن أمينًا دائمًا
للحق تابعًا
***
قرار
تلذذنْ بربنا
يعطيك ما ترغبْ
سَلِّمْ أمورَك لهُ
وأنتَ لا تتعبْ
***
عليه كن متَّكلًا
وهو الذي يُجري
يُخرِجُ كالنورِ البهي
ما حُزتَ من برِّ
***
كالظُّهرِ حقُّك الخفي
بجعلُهُ ظاهرْ
انتظر الربَّ العلي
وكُن له صابرْ