الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

حكايات العادات والتقاليد وأصلها عند الشعوب

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نابليون يخاف القطط السوداء.. وسقراط يخشى العين الشريرة.. يوليوس قيصر يرهب الأحلام.. وبطرس الأكبر يعانى رعبًا مرضيًا عند عبوره الجسور.. صموئيل جونسون اعتاد دفع قدمه اليمنى عند الدخول والخروج من المبانى
ثمة هاجس مُلح يربط الإنسان بالكون والقوى الميتافيزقية التى أوجدها ليفسر بها كل شىء، والتى لم يستطع العلم، بكل ما أوتى من قوة، إقناع ونفاذ حجة إلا أن يمحوها من عقله وحسب، أما سلوكه فكان قلعة عصية عليه فما زالت المعتقدات ضاربة جذورها فى سلوكنا، كما كان الأمر عليه لدى أجدادنا.. وكأن كلا منا كائن مثنوى: عقله منسجم مع القرن الواحد والعشرين وسلوكه قابع أبدا فى غياهب القرون الوسطى.
ولسبب ما اعتقد الإنسان القديم أن كف الأرنب والقطع النقدية وورقات البرسيم الأربع، قد تفيده فى حماية نفسه فى عالم فوضوى، فلقد كان يظن أن تلك المعتقدات تفرض إرادته على تشوش الكون، تعقبها أخرى إن خاب مسعاه جرائها، مما جعل للعديد من الأشياء والتعويذات صفات سحرية.


وكان نابليون يخاف القطط السوداء، وسقراط خشى العين الشريرة، ورهب يوليوس قيصر الأحلام، وأرجع هنرى الثامن سبب وقوعه فى شرك الزواج من آن بولين إلى السحر، وعانى بطرس الأكبر قيصر روسيا رعبًا مرضيًا عند عبوره الجسور، واعتاد الشاعر الإنجليزى صموئيل جونسون دفع قدمه اليمنى أولا عند الدخول والخروج من المبانى.
واليوم، لا تزال ملايين تلك المعتقدات تمنع الكثير من المرور تحت السلم، أو فتح المظلة داخل المنزل، أو ركوب الطائرة فى الثالث عشر من الشهر.
وعلى الرغم من التقدم العلمى والتطور الثقافى، نجد الكثير لا يزالون يؤمنون بخرافة أو أكثر.
فالمعتقدات التى وصفها تشارلز باناتى فى كتابه (قصة العادات والتقاليد.. أصل الأشياء) بـ(القبلية)، والتى تعد جانبا مكونا لأعماق التراث الإنسانى.
يقول الكتاب إن علماء الآثار اكتشفوا أن الإنسان النياندرتالى الذى انتشر عبر غرب آسيا قبل 50 ألف عام، صاحب أول معتقد قبلى وروحى «بالخلاص بعد الحياة» خلافا للإنسان من قبله.
دفن إنسان النياندرتال أمواته طبق طقوس دينية خاصة، فدفن مع الميت الطعام والسلاح وفحم النار ليقوم الميت باستخدامها فى الحياة الثانية، ليس من الغريب إذن أن نؤكد أن للمعتقد القبلى علاقة وثيقة بالدين. إذ إننا نجد طوال التاريخ أن معتقدا قبليا لأحد الناس شكل دينا لآخر. وكما يقول الكتاب فقد أطلق الإمبراطور المسيحى الرومانى قسطنطين اسم «معتقد قبلى» على الديانة المسيحية، إنها اعتقاد خبيث خال من المنطق، وعد البروتستانتيون تبجيل الكاثوليك للقديسين وأيقوناتهم إيمانا بالمعتقدات القبلية، فى حين عد المسيحيون عادات الهنود على نحو مشابه. أما الملحد فينظر إلى كل الديانات على أنها معتقدات قبلية.
ومن دراسة تاريخ الإنسان يتضح كيفية نشوء الخرافات. إذ لم يجد الإنسان فى تفسيره للظواهر الطبيعية كالبرق والرعد والخسوف والولادة والموت حقائق ملموسة، فوقع فى الاعتقاد بالأرواح الشريرة التى لا تراها العين.
ولاحظ الإنسان الأول أن للحيوانات حاسة سادسة تنبئها باقتراب الخطر، فأرجع الأمر إلى أرواح خفية تهمس فى آذان الحيوانات، تخبرها على نحو سرى باقتراب الخطر، وأرجع انقلاب البذرة إلى شجرة والشرغوف ضفدعا إلى عالم غيبى لا تمسكه حواسه.
وفسر الإنسان معاناته المستمرة للضائقات بغلبة الأرواح الحاقدة فى العالم على نظيرتها الخيرة، مما دفعه إلى تأسيس أساليب تحميه من الشرور. إننا معشر ناس هذه الأيام كما يقول الكاتب فى كتابه الماتع، نفعل الشىء ذاته، فإذا كتب أحدنا بقلم عادى رقم ورقة الحظ (اليانصيب)، وربحت تلك الورقة فيما بعد، أضفى على القلم خاصية جلب الحظ. وإذا ربح أحد المراهنين على سباق الخيل فى أحد الأيام الماطرة، عزا ربحه للطقس الماطر. فبتلك الطريقة أضفى الإنسان على الأشياء العادية صفات خارقة. وإنه فى إطار تلك الوقائع يصعب العثور على شىء فى عالمنا لم تحم حوله يوما خرافة ما. نذكر، ولا نستنفذ، من تلك الأشياء: الدبق والثوم والتفاح وحدوة الحصان والمظلات والحازوقات والمشى باضطراب وتصالب الأصابع وقوس قزح. فمن هنا بدأ الكاتب بحثه بصراحة ووضوح:





حدوة الحصان.. القرن الرابع.. اليونان
تعتبر حدوة الحصان من أكثر التعويذات المرتبطة بالحظ الجيد، كما أنها الأكثر انتشارا فى العالم، فلقد شاعت فى كل زمان ومكان وحيثما وجد الحصان والإنسان.
يقول المؤلف إن الإغريق اخترعوا حدوة الحصان فى القرن الرابع وعدوها مثالا للحظ الجيد. إلا أن الأساطير، وعلى الرغم من تلك الوقائع، تعزو تلك العادة إلى القديس دونستان الذى أعطى للحدوة المعلقة فوق باب المنزل قوة خاصة لردع الشيطان.
ويعد دونستان الحداد الذى أصبح أسقف كانتربرى عام ٩٥٩ ميلادية، طبقا للتقليد منشئ العادة، ففى أحد الأيام، أتى إليه رجل وطلب منه أن يحدى له قدميه، مما أثار الشك لدى دونستان بأن السائل هو الشيطان، خاصة أن له أظلافا مشقوقة، لذلك فقد أوضح له أن عليه أن يعلقه مقيدا إلى الحائط ليستطيع إنجاز العمل.
وعلى نحو متعمد أنجز دوستان عمله، مكيلا العذاب والآلام للشيطان، مما جر الأخير إلى توسل الرحمة، لرفض دونستان تحريره قبل أن يقوم بإعطائه قسما صادقا بأنه لن يدخل قط أى منزل وضعت حدوة حصان على بابه.
لا يزال المسيحيون منذ ظهور هذه القصة فى القرن العاشر يستخدمون الحدوة بكثير من الثقة، على إطار باب المنزل أول الأمر ومن ثم فى منتصف الباب لتخدم وظيفة أخرى فى دق الباب إضافة إلى منعها للشيطان من دخول المنزل. كما جاءت دقاقة الباب على شكل حدوة الحصان. ولم ينس المسيحيون قديما القديس دونستان فاحتفلوا بعيده فى التاسع عشر من مايو دون أن يغفلوا إدراج حدوة الحصان فى ألعابهم.
قدم الأرنب.. قبل عام 600 ق. م.. غرب أوروبا
يقول الكاتب تحت هذا العنوان الفرعى إن التقاليد القديمة على الشخص الباحث عن الحظ، حمل قدم أرنب وحشى، وهو جد ضخم لأرنب اليوم. حملت قدم الأرنب الوحشى عبر التاريخ قوة سحرية. وخلط الأوروبيون الأوائل، خطأ، بين الأرنب والأرنب الوحشى. وعانى الناس بعدهم خطأ مماثلا فعدوا قدمى الحيوانين أشياء سحرية تجلب الحظ.
قبل ظهور نظرية داروين بآلاف السنين، اعتقد الناس بالأصل الحيوانى للإنسان، فآمن على نحو مخالف بأن لكل قبيلة من البشر أصلا من حيوان.
يفسر الكاتب لماذا أصبح الأرنب رمزا للحظ الجيد وليس للحظ السيئ، إذ يقول: أضفت عادة حفر الأرنب لجحره فى الأرض بعض الغموض على ذلك الحيوان، فلقد اعتقد الناس أن الحيوان يمضى وقته تحت الأرض للتواصل مع روح من العالم الآخر، مما جرهم إلى الاعتقاد بحيازة هذا الحيوان على معلومات سرية حُرم منها البشر.
رش الملح.. 3500 قبل الميلاد.. الشرق الأدنى
منذ اكتشاف الملح وهو يعد من محسنات النكهة الأولى للطعام، إذ غير باستخدامه الأكل بشكل جذرى، بحيث لم يعد من العجب أن يوازى الناس عادة رش الملح بالحظ السيئ.
يقول الكتاب إن الإيماءة الخرافية التى تتمثل برمى الملح من فوق الكتف اليسرى أصبحت جراء حادثة وقعت صدفة، تقليدا لدى قدماء السومريين والمصريين والآشوريين، ومن بعدهم الإغريق، أما الرومان فقد ثمنوا الملح واستخدموه لتطييب الطعام ومداواة الجراح.
استخدم الناس الملح لتطهير الماء وحفظ اللحم والأسماك، وحسنوا به من نكهة الطعام، واستخدمه العبرانيون والإغريق والرومان فى كل أضاحيهم الكبيرة. كما استخدم ليوناردو دافنشى توقيع الملح فى لوحته الشهيرة «العشاء الأخير» التى تعرض يهوذا الذى خان السيد المسيح ويوقع بعض الملح عن المائدة وهو ما يضع الحدث الذى سيلى العشاء- خيانة يهوذا وتسليمه لليهود- فى الضوء. ليس فى الوثائق التاريخية ما يؤكد أن حادثة نثر الملح حدثت أثناء العشاء الأخير، لذا فإن دافنشى يستخدم الاعتقاد القبلى بذكاء ليعطى بعدا إضافيا غير منظور للمشهد الذى صوره. تتضمن اللوحة الكلاسيكية المشهورة تلك نذيرى شؤم هما: نثر الملح والضيوف الثلاثة عشر على المائدة.
إن كتاب (قصة العادات والتقاليد وأصل الأشياء)، وكما قال عنه ناشره (الدار الوطنية الجديدة للنشر والتوزيع).. كتاب ممتع يصل بالأمور إلى جذورها ويربطها بها... والمتعة التى ينضح بها هذا الكتاب تأتى من الطموح اللامحدود، الذى ما فتئ يحرك مخيلة الإنسان ويثير هواجسه ويطلق خبايا نفسه شعرا ورسما ونحتا وموسيقى... عنيت هذا الهاجس الملح الذى يربط الإنسان بالله والقوى التى أوجدها ليفسر بها كل شىء والتى لم يستطع العلم، بكل ما أوتى من قوة إقناع ونفاذ حجة، إلى أن يكتشف هذه الظواهر ويحاول تفسيرها واستخدامها بالشكل الأفضل الذى يناسبه... أما سلوكه فكان قلعة عصية عليه فما زالت المعتقدات ضاربة جذورها فى سلوكنا كما كان الأمر عليه فى أجدادنا.. المتعة الكبرى التى تكمن فى هذا الكتاب هو أنه مرآة لنا.. نرى فيه أنفسنا الموغلة فى التاريخ، ونرى أنفسنا نتشارك مع جدودنا فيما اكتشفوه، فنكتشفها على حقيقتها.






القطة السوداء.. العصور الوسطى.. إنجلترا
احتلت القطط بكل أنواعها وألوانها منزلة رفيعة عند قدماء المصريين، فحميت بقانون من الأذى والموت. فظل القط الحيوان المدلل يحظى بإعجاب الناس وعنايتهم، تدفنه العائلات كأحد أفرادها. وأولت العائلات غنية وفقيرة جثمان القط عناية رفيعة، فكفنته بقماش كتانى ووضعته فى صندوق لحفظ المومياء صنع من مواد غالية مثل البرونز والخشب النادر الوجود فى مصر. لقد اكتشف العلماء مقابر كاملة لقطط محنطة.
ويعد التشاؤم من القطط السوداء متناقضا تماما مع المنزلة الرفيعة التى احتلتها القطط عندما تم استئناسها لأول مرة فى مصر عام ٣٠٠٠ قبل الميلاد.
لاحظ المصريون كما يقول الكاتب أن القطط تقاوم العديد من السقطات المميتة، فاعتقدوا أن لها تسع أرواح. كما عمت شعبية القطط الحضارات. تظهر الكتابات السنسكريتية التى ترجع إلى ألفى عام، دور القطة فى الهند والصين فى عام ٥٠٠ قبل الميلاد، إذ احتفظ كونفوشيوس بقط محبب لديه، وخطب الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) كما يقول الكتاب، فى نحو عام ٦٠٠ للميلاد، وهو يداعب قطا بيده. بدأ اليابانيون فى نفس الفترة الاحتفاظ بالقطط فى معابدهم لحماية المخطوطات المقدسة. واعتبر مرور القط أمام شخص فى تلك الفترة مؤشرا للفأل الجيد.
بدأ ظهور الخوف من القطط، وخصوصا السوداء منها، فى العصور الوسطى فى أوروبا، وخصوصا فى بريطانيا. تضافرت صفات القطط من عناد وتسلل وسرقة مع تزايد أعدادها المفاجئ، لخفض درجة حب الناس لها. زاد الأمر سوءا بانتشار موجة السحرة فى أوروبا، ولجوء العجائز مع قططهن السوداء لممارسة السحر الأسود.
كسر المرآة نذير شؤم.. القرن الأول.. روما
إن خرافة كسر المرآة واحدة من أكثر المعتقدات القبلية التى لا تزال سائدة، ويرجع أصلها إلى فترة أبعد بكثير من زمن ظهور المرآة الزجاجية. إذ يوضح الكاتب أن هذا المعتقد الخرافى نشأ من اتحاد وقائع دينية واقتصادية.
إن المرايا الأولى التى استخدمها المصريون والعبرانيون والإغريق قد صنعت من معادن مصقولة ملمعة كالنحاس والبرونز والفضة والذهب، ولم تكن قابلة للكسر. وبحلول القرن السادس قبل الميلاد، بدأ الإغريق تقليد التنبؤ باستخدام زجاج مقعر قليلا أو أوعية فخارية مليئة بالماء وفق طقس سمى (كاتو بترومانسى).
واعتقدوا أيضا أن الوعاء الزجاجى المملوء بالماء، الذى يشبه كرة الكريستال التى يستخدمها الغجر، سمى الرومان الوعاء ميراتوريوم، واستغلوه لكشف الشخص الذى تنعكس صورته على سطحه. يقرأ العراف التنبؤات فيفسر انزلاق إحدى المرايا وانكسارها بأن الشخص الذى يحمل الوعاء لا مستقبل له وسيموت قريبا، أو بأن المستقبل يحمل معه حوادث مستديمة تقوم الآلهة بإضفاء نجم مستديم له.
يقول الكاتب إن الرومان اعتمدوا ذلك المعتقد المتعلق بالحظ السيئ فى القرن الأول للميلاد، وأضافوا له لمساتهم الخاصة المتمثلة بالمعنى الحديث لانكسار المرآة.
رأى الرومان أن صحة الفرد تعبر فى حلقات طول الواحدة منها سبع سنوات، وأن المرآة تعكس صورة الفرد مما يعنى سبع سنوات الصحة المعتلة وسوء الحظ لذلك الفرد.