الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

العالم

انسحاب مرشح "الجمهورية إلى الأمام".. مأزق ماكرون في معركة الانتخابات البلدية الفرنسية

 الانتخابات البلدية
الانتخابات البلدية الفرنسية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قبل شهر من الانتخابات البلدية الفرنسية، جاء انسحاب مرشح حزب "الجمهورية إلى الأمام" الحاكم، بنجامان غريفو، من السباق الانتخابي على رئاسة بلدية باريس ليضفي أجواء من الترقب والقلق على الساحة الفرنسية ويضع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمام مأزق صعب في معركة الانتخابات البلدية، في وقت تعيش فيه البلاد مشهدا سياسيا ملئ بالتوتر والأزمات.
وكان غريفو، الذي يعد مقربا من الرئيس ماكرون، قد أعلن الجمعة الماضية انسحابه من السباق الانتخابي بسبب ما وصفه بـ"هجمات دنيئة" استهدفته، بعد تداول مقطع فيديو جنسي خاص على مواقع التواصل الاجتماعي. وشكل هذا الانسحاب ضربة قاسية للرئيس ماكرون الذي كان يعول كثيرا على مرشحه للفوز بمنصب رئيس بلدية باريس.
وتحظى انتخابات بلدية باريس بأهمية ملحوظة في الانتخابات البلدية الفرنسية، فباريس هي العاصمة السياسية والاقتصادية والثقافية والفنية للبلاد، وتمنحها الأوساط السياسية الفرنسية أهمية رمزية كبيرة في المعركة البلدية، فقد كانت تشكل على مدار عقود مسرحا للصراع بين مختلف القوى السياسية، كما يحظى الحزب الفائز بها بنفوذ ملحوظ يجعل له زخم كبير على مناطق أخرى. فضلا عن ذلك، توفر رئاسة بلدية باريس لصاحبها حضورا وطنيا ودوليا، وعادة تشكل نقطة انطلاق لمناصب عليا، كما حدث مع الرئيس الأسبق جاك شيراك الذي انتقل من منصب عمدة باريس في القصر البلدي بقلب العاصمة إلى رئيس البلاد المتربع على عرش الإليزيه.
من هنا جاءت أهمية "معركة باريس" لماكرون وحزبه فهي هدف رئيسي لتعزيز قاعدته الشعبية قبل انتخابات رئاسية ينوي الترشح لها عام 2022. ومن ثم فإن خسارة العاصمة وعجز الحزب الحاكم عن الفوز بعدد من المدن الرئيسية سيعد بمثابة هزيمة سياسية مبكرة. لذلك يحرص ماكرون وحزبه حاليا على اختيار مرشح جديد يحل محل غريفو لتمثيل الحزب الحاكم في الانتخابات واستكمال معركة العاصمة. ومن الأسماء المتداولة وزيرة المساواة وحقوق المرأة مارلين شيابا، والوزير السابق منير محجوبي، أو رئيس الحزب سيلفان غيريني وغيرهم.
ومع ذلك، يرى المراقبون أن فرص "الجمهورية إلى الأمام" تبدو ضعيفة للفوز بمعركة باريس، لاسيما أن المنافسة على رئاسة هذه البلدية قوية للغاية حيث يتنافس عليها الاشتراكية وعمدة باريس الحالية، آن هيدالكو، والتي تبدو حظوظها قوية للفوز من جديد بهذا المنصب، وتعد من أبرز المنتقدين للسياسات الحكومية. كما يتنافس على هذا المنصب وزيرة العدل السابقة، رشيدة داتي، كمرشحة حزب "الجمهوريون" اليميني، والتي أكدت قدرتها على استعادة اليمين لمدينة باريس، وتحظى بدعم قوي من كل من الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، والوزير السابق فرنسوا بايرو.
وكانت استطلاعات للرأي، التي أجريت قبل انسحاب غريفو، قد أظهرت انفراد العمدة الحالية آن هيدالغو، ومنافستها اليمينية رشيدة داتي، بالصدارة في الفوز بعمدة باريس، بينما حل غريفو في المنصب الثالث. 
إضافة لذلك فإن المرشحين الرسميين لحزب "الجمهورية إلى الأمام"، في كبرى المدن الفرنسية، كباريس ومارسيليا ومونبولييه وبوردو، لا يصلون إلى نسبة 20%، حسب مختلف استطلاعات الرأي، وهو ما ينذر بما يمكن اعتباره هزيمة انتخابية.
واستبق الرئيس ماكرون هذه الهزيمة المحتملة بالتأكيد في رسائل سياسية عدة بأن هذه الانتخابات البلدية لن يكون لها مغزى وطني وأن أبعادها وتداعياتها تقتصر على إدارة الشؤون المحلية للبلاد، مؤكدا بشكل واضح على أن أي نتائج لهذه الانتخابات لن ترغمه على إجراء تعديلات وزارية أو تغيير في رئاسة الحكومة.
ويجمع المراقبون على أن هذه المعركة الانتخابية البلدية تشكل اختبارا عسيرا أمام الرئيس ماكرون لاسيما أنها تأتي في أعقاب حركة "السترات الصفراء" الاحتجاجية التي استمرت أكثر من عام في الشوارع الفرنسية ومثلت تهديدا حقيقيا لحكم ماكرون، وساهمت في تراجع شعبيته. كما تأتي هذه المعركة في أعقاب المظاهرات المستمرة ضد إصلاح نظام التقاعد المقترح من ماكرون وحكومته والذي تسبب في حالة إضراب واسعة في البلاد شملت وسائل النقل العام ومختلف القطاعات، وأدت إلى حالة شلل في البلاد لأكثر من شهرين متتاليين.
إضافة لذلك جاء إعلان رئيسة "التجمع الوطني" اليميني المتطرف، مارين لوبن، الشهر الماضي نيتها الترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة ليشكل ضغطا إضافيا على الرئيس ماكرون إذ أنها حاولت من خلال هذا الإعلان أن تؤثر على الرأي العام الفرنسي قبل الانتخابات البلدية وتوجه رسالة واضحة للمحتجين ضد إصلاح نظام التقاعد بأنها الأقدر على حمل همومهم والاستجابة لتطلعاتهم وطموحاتهم. ورغم أن شعبية لوبن ليست كبيرة في الشارع الفرنسي إلا أنها تتسم بقدرة ملحوظة على استقطاب الأصوات في المعارك الانتخابية، وكان أبرزها انتخابات البرلمان الأوروبي في مايو الماضي، والتي تصدر حزبها النتائج متقدما على حزب ماكرون الحاكم.
في ضوء ما سبق، يبدو واضحا أن الرئيس ماكرون أمام مأزق صعب في مستقبله السياسي. ورغم أن استطلاعات الرأي الأخيرة التي أجراها معهد "إيبسوس" أظهرت أن ماكرون لازال يتمتع بلقب أفضل رئيس ممكن بالنسبة للفرنسيين إلا أن ذلك لا ينفي كونه يواجه معركة حقيقية أظهرت ضعف تأثيره على موازين القوى داخل البلاد وهو ما سينعكس بدوره على قدرته على إقناع الفرنسيين بخياراته الإصلاحية، والتي ستترتب عليها منحه الثقة لولاية رئاسية ثانية.