الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

العالم

حدود وآفاق تمدد قوة الصين الفضائية واستراتيجية التكامل بين المدني والعسكري

الصين
الصين
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يشكل استعداد الصين لإطلاق صاروخ "لونج مارش 5" في نهاية العام الحالي، بحمولة 25 طناً إلى مدار الأرض المنخفض و14 طناً في المدار الثابت بالنسبة للأرض (ضعفا حمولة ناقلات الصواريخ الصينية السابقة) ركيزة أساسية لإطلاق بعثة "تشينج 5" المقررة في عام 2020 في إطار البرنامج الصيني لاستكشاف القمر.
وفي الرؤية الصينية، يمثل الفضاء الخارجي جزءاً لا يتجزأ من حلم الرئيس الصيني شي جين بينج في توسيع نفوذ وقوة الصين، ومكوناً أساسياً في استراتيجيته الخاصة بالتكامل بين المدني والعسكري في ميزان قوتها الشاملة.
صراع النفوذ
تشير تطورات المشهد الدولي وتشابك صراعاته ونفوذه بين القوى المكونة لهيكل النظام الدولي، إلى هيمنة التنافس الأمريكي - الصيني ليس فقط على مسارات النمو الاقتصادي والتطور التكنولوجي والاتصالات، إنما ثمة مسرحا جديدا للتنافس ظهراً بشدة مؤخرا، هو الفضاء.
فقد تحولت أنظار كبار صانعي الاستراتيجيات في الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة نحو برامج الفضاء التي تطلقها الصين، بعدما كان القلق منصبا إبان الحرب الباردة على الصواريخ والأقمار الصناعية السوفيتية.
وتطلق الصين، التي يقود الجيش جهودها في مجال الفضاء، حاليا صواريخ إلى الفضاء أكثر من أي بلد آخر، وأطلقت 39 صاروخا العام الماضي مقارنة بـ31 أطلقتها الولايات المتحدة، و20 من روسيا، وثمانية فقط أطلقتها أوروبا.
وأرسلت الصين، أوائل يناير 2019، مسبارا إلى الجانب المظلم من القمر للمرة الأولى في تاريخ الفضاء بينما تخطط لبناء محطة مدارية خلال العقد المقبل، وتأمل بعد عقد في إرسال رائد فضاء صيني إلى القمر ليكون أول من يسير على سطحه منذ العام 1972.
وتنفق الصين حاليا على برامجها الفضائية المدنية والعسكرية أكثر مما تنفقه روسيا واليابان، حيث قدرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، الميزانية التي خصصتها الصين لهذا المجال لعام 2017 بنحو 8.4 مليار دولار.
وبعد تأخرها لعقود في هذا المجال، استنسخ قادة الصين بشكل منهجي للغاية مراحل التطور الفضائي الذي حقّقته دول عظمى أخرى، وتمثل ذلك في إرسال أول قمر صناعي في 1970 وأول مهمة مأهولة إلى الفضاء في 2003 وأول مركبة فضائية مأهولة تلتحم مع معمل مداري في 2012، إلى جانب تشغيل نظام "بايدو" للملاحة بالأقمار الصناعية والذي يعد النظير الصيني لنظام "جي بي إس".
استراتيجية الصين الفضائية
بات الفضاء الخارجي مجالاً للتنافس للحصول على عناصر القوة الفضائية وفقاً لعالم الفضاء الأمريكي جيمس أو برج في كتابه "نظرية قوة الفضاء" ومن أبرز البرامج الفضائية تقدماً في آسيا برامج الصين واليابان والهند، ما أدى إلى التنافس بينهم في تطوير برامجهم الفضائية، والتقدم في الصواريخ الباليستية، وعدد الأقمار الاصطناعية التي يتم إطلاقها وتنوع أغراضها بين الطابع السلمي والعسكري، وانعكس هذا التنافس في تعاون الصين مع باكستان وروسيا الاتحادية وكوريا الشمالية، والدول الصغرى في جنوب شرق آسيا في النشاط الفضائي.
كما أن التعاون بين اليابان والهند في مجال الفضاء قد أحرز خطوات متقدمة، فهما يعملان على تحقيق التوازن الاستراتيجي مع الصين لأن تفوق الأخيرة يعمل على تغيير موازين القوى الإقليمية ومن ثم يزيد العبء الأمني.
ومن هنا فقد تجاوزت الطموحات الصينية في الفضاء أهداف وخطط أي دولة أخرى تتجول اليوم في ذلك العالم الخارجي، إن كان لجهة الحجم أو الاستراتيجية البعيدة الأمد، والتي تعتمد على تطوير طاقة فضائية تسلسلية تتلخص بالخطوات التالية: أولاً، بناء قدرة فضائية للإطلاق والوصول إلى الفضاء بتكلفة منخفضة. ثانياً، بناء محطة فضائية خاصّة دائمة. ثالثاً، بناء قدرة للسيطرة على الفضاء الذي يفصل بين الأرض والقمر. رابعاً، وبعد تأمين خط الأرض - القمر، البدء بتطوير إمكانات للوجود المستدام على القمر يعتمد على تأسيس صناعات محلية هناك، وتقنية طاقة شمسية مركزها الفضاء لتفعيل المحطة القمرية وضمان الوجود الدائم للبشر عليها. وأخيراً، تطوير الإمكانات اللازمة للاستكشاف في الفضاء العميق والتنقيب عن موارد الكويكبات.
النفوذ المدني والعسكري
وحتى تعمل الصين على مجاراة التعاون بين اليابان والهند في مجال الفضاء، وإحكام السيطرة على موازين القوى في آسيا، تهدف البعثة الصينية للفضاء "تشينج 5" القمرية إلى العودة بعينات من سطح القمر، لذا ستضم سفينة هبوط، وسفينة مدارية، وسفينة صعود، ثم وحدة خاصة للعودة بالعينات.. وهنا تجدر الإشارة إلى أن التطورات التي تحرزها هذه البعثة تتم وفقاً للمواعيد التي أعلنتها إدارة الفضاء الوطنية الصينية في أوائل العام الجاري 2019.
وتعتزم الصين إرسال مسبار مريخي يضم مركبة تتبع للمدار وسفينة هبوط في عام 2020.. وتطمح إلى إرسال أول بعثة مأهولة إلى القمر بحلول عام 2036.
ولتحقيق أهدافها بعيدة المدى بالحضور البشري الدائم على سطح القمر وبناء أقمار صناعية تعمل بالطاقة الشمسية الفضائية في مدار الأرض المنخفض بحلول 2025، والمدار الجغرافي الثابت بحلول 2030، تعمل الصين اليوم على تطوير صاروخ "لونج مارش 9" لاختباره في إطلاق تجريبي في 2030.. ويهدف تطوير هذا الصاروخ إلى إطلاق الأقمار الصناعية العاملة بالطاقة الشمسية الفضائية إلى المدار الجغرافي الثابت في 2030، بينما يهدف إطلاق "تشينج 7" إلى مسح قطب القمر الجنوبي في 2030.. أما بعثة "تشينج 8"، فستُوظّف لاختبار تقنيات أساسية كالطباعة ثلاثية الأبعاد.
ووفقاً لخبراء الفضاء، فإن القمر قد يشكل مصدراً جديداً وعظيماً للطاقة، وأن الغزاة الأوائل للقمر سيكونون أكبر الرابحين، ويوسع هذا التفكير الاستراتيجي للفضاء الخارجي مطالبات الصين على الأرض، لأنه يتوجب عليها تأسيس وجودها على القطب الجنوبي للقمر بحلول عام 2030، حيث أشعة الشمس والمياه الجليدية.
ولعل من أبرز أهداف الصين الاستراتيجية الجديدة في مجال توسيع نفوذها وقوتها في الفضاء، هو بناء قواعد قمرية، فقد أصبحت الصين الأولى في العالم في تأسيس مصنع لقواعد الأقمار الصناعية العاملة بالطاقة الشمسية بتمويل حكومي قيمته 30 مليون دولار مع بداية العام الحالي.
كما تستثمر الصين اليوم في بناء مركبات فضائية عاملة بالطاقة النووية سيتم اختبارها في 2040، وستكون مهمتها تنقيب الكويكبات والاستكشاف في الفضاء العميق، وكانت شركة الصين للعلوم والتقنيات الجوفضائية قد تحدّثت في تقرير عام 2016 للمرة الأولى عن "فكرة بناء مركبات فضائية تعمل بالطاقة النووية".
أما في مجال الفضاء العسكري، عرضت الصين سلاحها الخاص المضاد للأقمار الصناعية في مدار الأرض المنخفض منذ عام 2007، تبعه عام 2013 عرض ذراع روبوتي على قمر "إس واي – 7" قادرة على سحب قمر صناعي آخر.
وشهد عام 2016، تطوير الصين لقمر صناعي ذري غير قابل للقرصنة وتفعيل قوة الدعم الاستراتيجي لجيش التحرير الشعبي الصيني المجهزة بوحدة مضادة للأقمار الصناعية عام 2018، وإطلاق قمر صناعي وصاروخ ("لونغ مارش 3B") للمدار الجغرافي في 2019.
كانت الصين قد أطلقت عام 2018نحو 39 من الأقمار الصناعية، في حين أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية في ذات العام نحو 31 قمراً صناعياً.
وتشجع الحكومة الصينية الشركات الناشئة المحلية العاملة في المجال الفضائي على الالتحاق بركب شركات أخرى نجحت في إطلاق صاروخها الخاص "هايبربولا 1" الذي وصل إلى مدار الأرض بنجاح في 25 يوليو 2019، وصاروخ "هايبربولا 2" القابل لإعادة الاستخدام والذي يتميز بقدرة على إطلاق حمولة بوزن 1.9 طن إلى مدار الأرض المنخفض، ولعل ميزة إعادة استخدام الصواريخ ستكون بمثابة نقطة تحول للبرنامج الفضائي الصيني.