تستعد إسرائيل لاجتياح مدينة رفح الفلسطينية، وربما تقوم بهذه العملية خلال الساعات أو الأيام القليلة القادمة، ولعلها نجحت في التهديد بتنفيذ عملية الاجتياح أو حاولت أنّ تضغط من خلالها على المقاومة الفلسطينية والوسطاء وفي مقدمتهم القاهرة.
خطورة العمل العسكري الإسرائيلي المرتقب لا يقتصر فقط على تعرض عشرات الآلاف من المدنيين للخطر في حيز جغرافي لا يتعدى 55 كيلومترا ويتواجد فيه قرابة مليون ونصف أغلبهم من النازحين، ولكن تبدو هذه الخطورة في أنّ العملية العسكرية المرتقبة سوف تؤثر على عملية الأمن برمتها في الجزء الشمال من سيناء، والذي يشهد تناميًا لجماعات العنف والتطرف ما بعد العام 2013.
صحيح نجحت القاهرة في ضرب البنية التحتية لهذه التنظيمات، والتي باتت أضعف مما كانت عليه، ولكن الطبيعة الجغرافية وموقعها من حيث القرب من غزة ربما ساعد هذه التنظيمات على النشاط، وهنا نفرق بصورة واضحة بين حركات المقاومة الفلسطينية المشروعة وحقها في الدفاع عن الأرض وبين التنظيمات المتطرفة التي نشطت في هذه المنطقة ممثلة في جماعة أنصار بيت المقدس، حيث غيرت اسمها إلى فرع التنظيم في سيناء، "ولاية سيناء" أو "داعش".
النواة الأولى لهذا التنظيم جماعة قديمة في سيناء عُرفت باسم التوحيد والجهاد، هذه الجماعة نجحت في صناعة توأمة مع جماعات متطرفة في غزة، هذه التوأمة نتج عنها تنظيم يُعرف باسم أنصار بيت المقدس، وللمفارقة هذذه التوأمة حدثت أثناء اجتياح إسرائيلي لغزة مما جعل مجموعات من هؤلاء يهربون إلى مصر، وهنا تم الاتفاق على التسمية المشار إليها، والسبب كما هو واضح اجتياح إسرائيلي سابق للأراضي الفلسطينية.
وهنا لا بد أن نُعيد التذكير أن الفصيل المشار إليه يختلف بالكلية عن حركات المقاومة الفلسطينية صاحبة الحق المشروع في الدفاع عن وطنها، المفارقة العجيبة أنّ أنصار بيت المقدس التي بدأت تظهر بصورة أكبر من خلال عمليات عسكرية ضد الدولة في مصر، لم تُطلق رصاصة واحدة ضد إسرائيل، صحيح اسمها أنصار بيت المقدس، ولكن عملياتها جميعًا كانت ضد الحكومة المصرية وأجهزتها الأمنية.
وهذا يوضح أسباب الدعم الذي كانت تُقدمه إسرائيل ولا زالت إلى هذه التنظيمات في سيناء، هذا الدعم قد يكون من خلال غض الطرف عن تحركات هذه التنظيمات، طالما كانت نشطة ضد الجيش المصري، ومعروف السبب، ولكن إسرائيل مسؤولة عن نشاط هذه التنظيمات من خلال اجتياحاتها المستمرة لقطاع غزة، فهذا السلوك غزى هذه النشأة.
ولعل ما تقوم به إسرائيل الآن من الاستعداد لعملية عسكرية في رفح يصب في نفس الاتجاه، وهنا تبدو الخطورة التي أشرنا إليها، الاجتياح سوف يسمح بتحرك أكبر لتنظيمات العنف والتطرف، وهذا لا يعني أنّ حقًا لإسرائيل في الاجتياح ولكن تتحمل إسرائيل مسؤولية نشأة التنظيمات المتطرفة في سيناء وإعادة إحيائها من جديد.
وهنا يمكن القول إنّ اجتياح رفح سوف يكون بمثابة إبادة جماعية للمدنيين الذين تمرسوا في الكيلومترات على الحدود المصرية، كما أنّ عملية الاجتياح سوف تضع مصر أمام فوهة بركان هؤلاء العُزل الذين يبحثون عن مأوى من ضربات إسرائيل النارية فوق رؤوسهم، كما أنّه قد يسمح بنشاط آخر ملحوظ لمجموعات فلسطينية على الأراضي المصرية على غرار مجموعات السلفية الجهادية الذين شكلوا ما سُمي بجماعة أنصار بيت المقدس.
ولذلك خطورة السلوك الإسرائيلي المتطرف يتمثل في تغذية جماعات العنف والتطرف في سيناء، فهي ترى أنّ هذه التنظيمات أقرب إليها من حركات المقاومة التي تمتلك وتدافع عن مشروع تحرر بلادها، كما أنّ التنظيمات المتطرفة يمكن توجيهها بصورة أو بأخرى في صراعها ضد الفلسطينيين أو ضد الحكومة المصرية.
مصر تُدرك خطورة المآلات الإسرائيلية من وراء عملية الاجتياح، ولذلك هددت بأنّ الاتفاقيات الأمنية سوف تتحلل منها لو تم الاجتياح، وها هي تقدم النصائح للجانب الإسرائيلي، وحاولت إحياء التفاوض مع حركات المقاومة من جديد، ولكن علينا أن نُدرك أنّ إسرائيل عازمة على إشعال المنطقة بأكملها، ودائمًا ما تستخدم الأسلحة المشروعة وغير المشروعة في حروبها، ومن هذه الأسلحة خلق بيئة التطرف، فهي ترى أنّ هذه البيئة تُخدم على سياستها ومصالحها، كما ترى أنّ سبيل التخلص من المقاومة لن يكون إلا من خلال رعاية الجماعات المتطرفة، داعش نموذجًا.