الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

الاقتصاد العالمي يواجه البريكست وحروب تجارية جديدة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يحتفل العالم فى الشهر الحالى بمرور 75 عامًا على توقيع اتفاقية «بريتون وودز»، والتى تم إبرامها فى 22 يوليو 1944 لتكون أبرز نتائجها هو إنشاء توأمى بريتون وودز «البنك والصندوق الدوليين»، وقد جاءت هذه الاتفاقية فى وقت ما بعد الحرب العالميتين، حيث كان العالم يعانى من العديد من الأزمات الاقتصادية، ولهذا رأت الدول الكبرى أنه لا بديل عن إحلال السلام فى العالم ومحاربة الفقر وعدم تكرار الويلات السابقة. ولا شك أن هذه الاتفاقية قدمت الكثير للبشرية، من ارتفاع معدلات العمر المتوقع، والتحصيل العلمي، وانخفاض معدلات وفيات الأطفال والأمهات، هذا فضلًا عن ارتفاع الناتج المحلى العالمى بأكثر من خمسة أضعافه عن عام 1945، وتحرر أكثر من مليار نسمة من أصفاد الفقر. ورغم هذه النجاحات التى حققتها هذه الاتفاقية، إلا أنه يبدو وكأن العالم فى حاجة إلى «بريتون وودز 2»، لاسيما فى ظل المخاوف الحالية من اندلاع حرب عالمية جديدة مع ما يشهده العالم من أزمات مختلفة، وبصفة خاصة ما يحدث فى منطقة الشرق الأوسط.
تباطؤ النمو
مع الاحتفال بمرور ٧٥ عامًا على إبرام اتفاقية «بريتون وودز» أصدر صندوق النقد الدولى تقرير «آفاق الاقتصاد العالمي» فى شهر يوليو الحالى بعنوان «مستجدات آفاق الاقتصاد العالمي: النمو العالمى لا يزال بطيئًا»، ليعلن من خلاله مزيدًا من تخفيض توقعاته بشأن النمو العالمي، حيث توقع التقرير نمو الاقتصاد العالمى بقيمة (٣.٢٪) فى ٢٠١٩ و(٣.٥٪) فى ٢٠٢٠، بانخفاض (٠.١) نقطة مئوية لكلا العامين مقارنة مع توقعات تقريره الصادر فى أبريل الماضي، ويعد هذا التخفيض هو الرابع من قبل الصندوق منذ أكتوبر ٢٠١٨.
ويرجع صندوق النقد الدولى هذا التخفيض المستمر فى توقعاته بشأن نمو الاقتصاد العالمى إلى مجموعة من الأسباب تتمثل فى استمرار الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، مما أثر على حركة التجارة العالمية وتدفق سلاسل الإمداد بين دول العالم، واستمرار حالة اللايقين بشأن خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، هذا فضلًا عن استمرار التوترات فى منطقة الشرق الأوسط والملاحة البحرية الدولية، والحرب الأهلية فى بعض بلدان المنطقة مثل سوريا واليمن.
الحرب التجارية
لا شك أن تلك الحرب التجارية الدائرة بين الولايات المتحدة والصين منذ مارس ٢٠١٨ تؤثر على الاقتصاد العالمى من خلال تقويض حركة التجارة العالمية، حيث يتباطأ نمو التجارة العالمية نتيجة هذه التوترات التى أدت إلى زيادة الرسوم الجمركية بين البلدين، وخلق حالة من عدم اليقين طويل الأمد حول مصير تلك الأزمة، مما أثر بالسلب على ثقة الشركات فى أنحاء العالم حول مصير التجارة العالمية. ومن المتوقع أن استمرار تلك الحرب التجارية بين البلدين، بما فى ذلك النزاعات الدائرة بشأن التكنولوجيا وأزمة شركة «هواوي» الصينية، سوف يؤثر على النمو الاقتصادى العالمى بالخفض بما قيمته (٠.٥٪) عام ٢٠٢٠.
وبحسب تقرير صندوق النقد الدولى الصادر مؤخرًا، فقد انخفض متوسط التغير السنوى للتجارة العالمية من (٥.٤٪) عام ٢٠١٧ إلى (٣.٨٪) عام ٢٠١٨، ومن المتوقع أن يصل متوسط التغير السنوى إلى (٣.٤٪) عام ٢٠١٩، ويرجع هذا الانخفاض المستمر إلى الحرب التجارية الدائرة بين البلدين، مما أثر على حركة التجارة الدولية، وسلاسل الإمداد بين دول العالم.
ومن الصحيح أن الولايات المتحدة والصين عقدتا الدورة الثانية عشرة من المشاورات التجارية رفيعة المستوى فى شانغهاى يومى الثلاثاء والأربعاء (٣٠ و٣١ يوليو الجاري)، بمشاركة نائب رئيس مجلس الدولة الصينى «ليو خه» والممثل التجارى الأمريكى «روبرت لايتثايزر» ووزير الخزانة الأمريكى «ستيفن منوتشين»، ورغم التصريحات الإيجابية التى صدرت من الجانبين حول وجود تفاهمات بين البلدين لإيجاد حلول للمشكلات العالقة بينهما، إلا أنه يبدو أن الحرب التجارية بين البلدين لن تخمد فى الأجل القريب.
ونتيجة هذه الحرب التجارية الدائرة بين البلدين فقد توقع صندوق النقد الدولى انخفاض النمو الاقتصادى فى الولايات المتحدة عام ٢٠١٩ بما قيمته (٢.٣٪) بعد أن حققت نموًا اقتصاديًا بلغ (٢.٩٪) عام ٢٠١٨، ومن المتوقع أن يبلغ النمو الاقتصادى للولايات المتحدة عام ٢٠٢٠ ما يقارب (١.٩٪).
كذلك فمن المتوقع بحسب صندوق النقد الدولى حدوث تباطؤ فى النمو الاقتصادى الصينى من (٦.٦٪) عام ٢٠١٨ إلى (٦.٣٪) و(٦.١) لعامى ٢٠١٩ و٢٠٢٠ على التوالي. ويرجع ذلك بالأساس إلى التعريفات الجمركية العالية على الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة، وضعف الطلب الخارجي، هذا فضلًا عن كون الاقتصاد الصينى يمر بمرحلة من التباطؤ الهيكلى والاعتماد الكبير على الديون.
الاتحاد الأوروبى والبريكست
تعانى بلدان الاتحاد الأوروبى من مجموعة من الأزمات التى أثرت بصورة كبيرة على الأداء الاقتصادى للاتحاد، وتتمثل تلك الأزمات فى: (١) تراجع الطلب الكلى من قبل المستهلكين وقطاع الأعمال فى بلدان الاتحاد، (٢) تطبيق معايير جديدة تتعلق بانبعاثات الوقود من قبل السيارات فى ألمانيا وتأثير ذلك على أداء الأعمال، (٣) المظاهرات التى شهدتها فرنسا والتى أثرت على النشاط التجارى فيها، (٤) استمرار فترة عدم اليقين وحالة الخوف من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى دون التوصل لإتفاق.
ولهذا نلاحظ أن الاتحاد الأوروبى كان يحقق نموًا اقتصاديًا فى عام ٢٠١٧ يقارب (٢.٧٪)، ثم انخفض هذا النمو تدريجيًا إلى أن وصل (٢.١٪) عام ٢٠١٨، ويتوقع صندوق النقد الدولى أن يصل النمو الاقتصادى فى الاتحاد الأوروبى لعام ٢٠١٩ ما يقارب (١.٦٪)، و(١.٧٪) لعام ٢٠٢٠.
وتعد قضية «البريكست» أهم وأبرز قضية على الساحة الأوروبية منذ أن تم إجراء الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد فى ٢٣ يونيو ٢٠١٦، ذلك لأن خروج بريطانيا من الاتحاد يعنى ذلك التمهيد لخروج دول أخرى، مما يهدد سلامة ومستقبل هذا الاتحاد. ومنذ أن تولى رئيس الوزراء البريطانى الجديد «بوريس جونسون» منصبه فى الشهر الجارى (يوليو) وقد أعلن أن بلاده سوف تخرج من الاتحاد الأوروبى فى ٣١ أكتوبر القادم سواء تم التوصل إلى إتفاق أم لا، معتبرًا ذلك على حد قوله «مسألة حياة أو موت». الأمر الذى يعزز المخاوف بشأن اقتصاد المملكة والاتحاد الأوروبي،
ومن الصحيح أن صندوق النقد الدولى وفقًا لتقريره الأخير «آفاق الاقتصاد العالمي» الصادر فى يوليو الجاري، قد رفع توقعه لمعدل النمو الاقتصادى للمملكة من (١.٢٪) إلى (١.٣٪) لعام ٢٠١٩، إلا أن ذلك يبقى أقل بـ (٠.٥ نقطة مئوية) عن معدل النمو الاقتصادى الذى حققته المملكة عامى ٢٠١٦ و٢٠١٧. مما يعنى أن أزمة البريكست تؤثر بصورة واضحة على اقتصاد المملكة، وفى ظل حالة اللايقين من المتوقع أن خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبى بدون التوصل لاتفاق سوف يؤثر على الناتج المحلى الإجمالى لاسيما وأنه يسجل انكماشًا منذ أبريل الماضي، مع قيام كبار مصنعى السيارات بتقديم موعد الإغلاق السنوى المعتاد كجزء من خطط مواجهة الطوارئ المرتبطة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
الشرق الأوسط والتوترات الجيوسياسية
تعانى منطقة الشرق الأوسط من اندلاع الأزمات وتفاقمها يومًا بعد الآخر، فمن الحرب الدائرة فى سوريا بين النظام والمعارضة، إلى الحرب الدائرة فى اليمن بين قوات التحالف العربى بقيادة السعودية والحوثيين بدعم من إيران، إلى التوترات السياسية بين بلدان الخليج العربي، هذا فضلًا عن التوترات فى الخليج العربى والملاحة البحرية نتيجة قيام إيران باحتجاز ناقلة النفط البريطانية «ستينا إمبيرو» مؤخرًا، هذا فضلًا عن اتهامها بالقيام بأعمال تخريبية فى مياه الخليج العربي.
ونتيجة لهذه الأسباب مجتمعة، فقد قام صندوق النقد الدولى بخفض توقعه للنمو الاقتصادى فى المنطقة إلى (١٪) لعام ٢٠١٩، بعد أن كان قد توقع أن يبلغ النمو الاقتصادى لها (١.٤٪) عام ٢٠٢٠، ويُرجع الصندوق هذا التخفيض بالأساس إلى العقوبات الاقتصادية المفروضة من قبل الولايات المتحدة ضد إيران والمتمثلة بصورة أساسية فى العقوبات على تصدير النفط، هذا فضلًا عن الحرب الدائرة فى سوريا وإليمن. ويعد هذا التخفيض هو أقل معدل وصلت إليه المنطقة على الإطلاق.
ويتوقع الصندوق كذلك أنه إذا استطاعت المنطقة أن تشهد حالة من الهدوء النسبى خلال عام ٢٠٢٠ مع حل أزمة الملاحة الدولية، وإمكانية تخفيض العقوبات على إيران مع اللجوء إلى الحوار بشأن الاتفاق النووي، فإنه من المتوقع أن يصل النمو الاقتصادى فى المنطقة إلى (٣٪)، لكن هذا الرقم مرتبط بحدوث حالة استقرار فى المنطقة.
وفى النهاية، يبدو أن مستقبل الاقتصاد العالمى محفوف بالمخاطر، وكأن العالم فى الوقت الحالى بحاجة إلى مزيد من «التعقل» والنظرة الأكثر شمولًا لمستقبل البشرية، لاسيما وأن قادة العالم قبل ٧٥ عامًا أدركوا هذا الأمر بعد – وليس قبل – الحروب والويلات التى شهدها العالم، لكننا فى الوقت الحالى نحتاج أن يحدث نفس الأمر ولكن بصورة معكوسة، بحيث يتخذ قادة العالم الإجراءات الصحيحة قبل – وليس بعد – أن تقع الحروب والويلات.