الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

زيادة الإنتاج.. كيف ولماذا؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
زيادة الإنتاج مطلب الجميع، فعن طريقها يمكننا التغلب على العديد من المشكلات التى نعانى منها، ولا شك أن هناك معوقات كثيرة تحول دون تحقيق هذا الهدف النبيل، منها ما يتعلق بسوء الإدارة، ومنها ما يتعلق بعدم توافر النقد الأجنبى اللازم لتمويل المشروعات الإنتاجية. وإذا واصلنا رصد هذه المعوقات فسوف تطول القائمة، ولكننى سوف أقتصر على تناول جانب واحد منها، وهو الجانب المتعلق بالإنسان المصرى بوصفه أحد العناصر التى تدخل ضمن مكونات العملية الإنتاجية.
من المسلم به أن الإنسان هو العنصر الأهم فى أية عملية إنتاجية. صحيح أن هناك عوامل أخرى لا بد من توافرها لنجاح عملية الإنتاج، ورغم الأهمية البالغة لهذه العوامل؛ فإن غياب العنصر البشرى كفيل بإضعاف- إن لم يكن هدم- أى اتجاه نحو زيادة الإنتاج، وهذا هو الواقع المؤلم الذى نعانى منه فى مصر. 
غياب العنصر البشرى لا نعنى به على الإطلاق قلة الأيدى العاملة، أو نقص أصحاب الخبرة، وإنما نعنى به شيئًا آخر لا يقل خطورة، وهو ما سيتضح خلال السطور التالية. إن الإنسان المصرى لا تنقصه العزيمة والقدرة، كما لا تنقصه المهارة والخبرة فى إنجاز ما يُسْنَد إليه من أعمال، مهما عظم شأنها؛ يشهد على ذلك ما يحققه المصرى من نجاح خارج حدود وطنه، فهو يبذل كل ما فى وسعه لتحقيق أقصى قدر من الإنجاز عندما يلتحق بعمل بأحد البلاد العربية أو غيرها من بلاد العالَم. 
وإذا كان هذا هو حال الإنسان المصرى خارج وطنه. فلا بد أن نتوقع من هذا الإنسان- المعروف بحبه الشديد وانتمائه العميق لبلده- أن يقدم جهدًا أكبر فى مجالات العمل داخل مصر. ولكن واقع الحال يقول عكس ذلك، إذ نجد التكاسـل والإسراف فى تبديد الوقت والعزوف عن العمل، هى سمات عدد كبير من المصريين. 
كان الأجدر بأولئك الذين يعزفون ليل نهار على نغمة المطالبة بزيادة الإنتاج، أن ينتبهوا إلى هذه الظاهرة الغريبة فيقفوا أمامها بالدراسة والتحليل. ويمكن صياغة هذه الظاهرة فى صورة سؤال، وذلك على النحو الآتى:
«لماذا يتقاعس الإنسان المصرى عن بذل كل جهده من أجل زيادة الإنتاج؟».
إن أية دعوة إلى زيادة الإنتاج تحاول القفز من فوق هذا السؤال هى دعوة عقيمة لا معنى لها، وهى أشبه بمضغ الهواء، إن كل من يطالب الشعب المصرى بزيادة الإنتاج دون محاولة البحث عن إجابة حقيقية للسؤال السابق، هو أشبه بمن يحاول أن يفتل من الرمال حبالًا. 
إن ظاهرة تقاعس الإنسان المصرى عن بذل كل جهد من أجل زيادة الإنتاج إنما ترتبط بواقع الإنسان المصرى بكل أبعاده: السياسية والاقتصادية والثقافية. ومن ثمَّ فإن الواجب يحتم مساهمة كل أصحاب العقول المستنيرة فى دراسة وتحليل الواقع المصرى، من أجل معرفة عوامل الإحباط التى حالت بين الإنسان فى بلادنا والعمل على زيادة الإنتاج. ولا جدال فى أن الشعور بالإحباط هو شعور مدمر للقدرة على الإنتاج فى أى مجال من مجالات العمل، وهناك أسباب كثيرة تؤدى إلى الشعور بالإحباط، منها «إنصاف القوى وقهر الضعيف».. إن الجاه والمال أو الاثنان معًا هما مصدر قوة الإنسان، أما مصدرا ضعفه فهما الفقر وتواضع المكانة الاجتماعية أو الاثنان معًا. ولا شك أن النتيجة الطبيعية لأية مواجهة بين القوى والضعيف هى لصالح القوى، وعلى ذلك؛ فإن وقوف الحكومة موقف الحياد تجاه الصراع بين الأقوياء والضعفاء، إنما يتم تفسيره على أنه «إنصاف للقوى وقهر للضعيف»، ومن هنا يأتى الشعور بالإحباط. فهل يُرْجَى ممن يتملكه مثل هذا الشعور أن يعمل على زيادة الإنتاج؟!
ومما يرتبط أيضًا بظاهرة «إنصاف القوى وقهر الضعيف» ما يشعر به الإنسان المصرى من إحباط نتيجة لعدم ردع بعض الفاسدين الأقوياء ردعًا كافيًا يتناسب مع ما يرتكبونه من آثام، فى حين تتم محاسبة العامل البسيط محاسبة عسيرة، وينال عقوبة رادعة إذا ما أخطأ عن قصد أو دون قصد. هنا ينتاب الغالبية الكادحة إحساس بالغبن والاغتراب، فيشعرون بأن البلد ليس ملكًا لهم، بل هو ملك الأقوياء وحدهم. فهل يُرْجَى ممن يتملكهم مثل هذا الشعور أن يعملوا على زيادة الإنتاج؟!
يتعلق بالنقطة السابقة أن الإنسان المصرى يشعر فى أحيان كثيرة أن ثمرة جهده وعرقه إنما تدخل فى نهاية الأمر فى جيب فئة من الأقوياء، ولا يتبقى له سوى أقل القليل، ولأنه يعتقد أن لا سبيل أمامه لقهر هذه الفئة، بل يجدها تنمو ويستفحل أمرها يومًا بعد يوم، فإنه يلجأ فى محاربته لها إلى ما يشبه «المقاومة السلبية» المتمثلة فى التقاعس عن العمل على زيادة الإنتاج. فلماذا ينتج وهو يعلم أنه لن يتمتع فى نهاية الأمر بثمرة عمله؟!
إن ظاهرة «إنصاف القوى وقهر الضعيف» تلخصها الحكمة الشعبية التى يعبر عنها المثل الدارج «من له ظهر لا يُضْرَب على بطنه». 
فى الواقع أن التحليل السابق يكشف عن ضرورة إعادة ثقة الإنسان المصرى فى ذاته، وذلك عن طريق تأكيد مبدأ أنه لا فضل لمصرى على مصرى إلا بالعمل المثمر والمسلك الشريف، وإن هذا البلد ملك لكل المصريين لا لأصحاب النفوذ والمال وحدهم. لا بد من غرس هذه المبادئ فى النفوس، لا عن طريق الخطب والعبارات الرنانة، وإنما عن طريق القدوة الحسنة والفعل الحقيقى الملموس، حينئذ يتبدد الشعور بالإحباط، وتتحفز الهمم والعزائم للعمل والإنتاج.