في لعبة التحالفات والمصالح السياسية يميل «التاجر اليهودي» إلى الترقب والحذر مقارنة بـ «الكاوبوى الأمريكي».. رغم أن المؤسسات السياسية والإعلامية في أمريكا لا تجد سوى التهكم كلما واجهتها الحقائق والأدلة المصورة عن تكرار مغامرة استحضار «العفريت» لخدمة مصالحها في منطقة ما، والتي قد تكون مبررة وفق نظريات «مكيافيللي»، إلا أنها حتما تفتقد كل مقومات الضمان على الصعيد الأمنى بدليل انفجار هذا «العفريت» في وجه الأمن الأمريكى عدة مرات.
حسابات المكسب والخسارة قد تدفع «التاجر اليهودي» إلى التخلى عن بعض قيود الحذر الأمنى ليبدأ صفقته الخاصة عبر فتح قنوات المفاوضات السرية مع تنظيمات سبق للمجتمع الدولى وصفها بالإرهابية وعلى رأسها حركة حماس. المعروف أن التنظيمات التي تنتمى عقائديا إلى جماعة الإخوان لا تؤمن واقعيا بأى اعتبارات وطنية حتى إن صدعت رأس العالم بكل الشعارات التي تتخفى وراءها.. بالتالى هي لن تُرهِق أعصاب المفاوض الإسرائيلى بشروط اعتبار القدس الشرقية عاصمة فلسطين، ووقف الاستيطان أو حق العودة للاجئين.. إلى آخر هذه الثوابت الوطنية. التفاف إسرائيل على فكرة عقد اتفاقية سلام مع السلطة الفلسطينية وإعادة ترتيب الوضع الأمنى على حدودها دون أن تتحمل تضحيات سياسية كبيرة دفع إسرائيل إلى إغراء حماس بدور «الحارس» القابع في غزة وتحويلها إلى منطقة عازلة. إعطاء الحركة مساحة لإقامة مشروعات إعمارية محدودة وميناء عائم مع رفع جزئى للحصار.. تكاليف قليلة تدفعها إسرائيل مقابل ضمان تعهد «الحارس الحمساوي» منع كل مغامرات التنظيمات الجهادية على حدود إسرائيل.
الرغبة الإسرائيلية في التهدئة يقابلها من جانب حماس التي لا تعتبر استثناء عن الحركات التابعة لجماعة الإخوان نهم إلى السلطة وتطويع المصالح المتبادلة في دعم اواصر حكمها على غزة خصوصا أن الخلافات بين السلطة الفلسطينية في رام الله وحماس في غزة هي ورقة يسعى كلا الطرفين (إسرائيل-حماس) إلى توظيفها لصالحه. إسرائيل ترى في فتح قنوات اتصال مع حماس في ظل الانقسام الفلسطينى فرصة تمنحها هدنة طويلة الأمد تنعم خلالها بالهدوء والأمان.. في المقابل تطرح حماس نفسها بديلا عن السلطة الفلسطينية لترسيخ اعتراف الشرعية الدولية بحكمها على غزة لكن دون تكبيد إسرائيل تضحيات وثوابت فرضتها العقيدة الوطنية عبر تاريخ قضية فلسطين إذ لا تدخل هذه الشروط ضمن عقيدة حماس أو أجندتها السياسية.
الاتفاق النووى الأمريكى مع إيران واكبته «سحابة» ثقة مفقودة بين أمريكا وإسرائيل لم تنجح حزمة التطمينات التي قدمتها إدارة أوباما إلى إسرائيل في تبديدها وفق تصريحات نتنياهو النارية عن وصف الاتفاق «بالخطأ التاريخي» مؤكدا عدم التزام حكومته بهذا الاتفاق.. لكن بعيدا عن المواقف المعلنة فتح قنوات التفاوض مع حماس بالتأكيد سيكون له مردود على العلاقات الإسرائيلية- الإيرانية بحكم الروابط الوطيدة بين حماس وإيران.
الضمانات الأمنية لا تتوقف طويلا أمام تكرار الأخطاء الكلاسيكية عن استحضار «عفريت» الإرهاب.. ولأن حماس وحدها التي تستطيع ضمان الالتزام بوقف إطلاق الصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية هي أيضا قد تنجح - وفق حسابات «التاجر اليهودي» في خلق نوع من التوازن في سيناء والحرب الدائرة ضد التنظيمات الإرهابية على أرضها.. عبر ترويج الدوائر الأمنية في إسرائيل أن احتواء جزئى لحركة حماس وإعطائها مساحة محدودة لترميم قدراتها العسكرية التي تضررت خلال مواجهاتها مع إسرائيل هو أمنيا أفضل لإسرائيل من انهيار حركة حماس مما قد يدفعها إلى استئناف الكفاح المسلح ضد إسرائيل أو الأسوأ يؤدى إلى صعود فصائل إسلامية تتبنى الإرهاب منهجا لها. بل تذهب إسرائيل أبعد من ذلك في اعتبار أن تقديم هذه الفرصة قد تحول طاقات حماس القتالية نحو مقاومة تنظيمات جهادية - أنصار بيت المقدس أو داعش- خصوصا أن الحركة لا تريد منافسة هذه التنظيمات لها في السيطرة على غزة كما يمثل وجودها في القطاع خطرا على جميع الأطراف.
في نفس الوقت «غض البصر» الإسرائيلى عن تحالفات حماس مع هذه التنظيمات داخل سيناء قد يبتعد عن الحل الأمنى النموذجى الذي تنشده إسرائيل.. فـ«التاجر» الذكى يتعلم من حسابات الذين سبقوه.. والسيطرة على «عفريت» الإرهاب القابع على الحدود هي «مغامرة» أكثر مما هي قدرة على «التطويع».. رغم هذا يبدو الطرف الإسرائيلى راغبا في خوض «المغامرة» خصوصا أن فشل حماس فرض التهدئة سيمنح إسرائيل مكسبا سياسيا على الساحة الدولية فيما يتعلق بفرض الحصار الإسرائيلى على قطاع غزة.