الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

إعلاميون ... والله أعلم !!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news


شاهدت قبل سنوات، تتجاوز العشر سنوات أو يزيد، فيلماً تاه من ذاكرتى، إسمه، ربما فى برنامج نادى السنيما المبدع الذى كانت تعده وتقدمه الدكتورة درية شرف الدين، تلتف حوله الأسرة لتلقى جرعة تنويرية بطعم الفن، سواء فى شريط الفيلم، أو فى التحليل الذى  يعقب العرض بهدوء وثقة وعمق ومهنية وشياكة، كان الفيلم يحكى عن مجموعة أرادت أن تسيطر على بلد ما، فأجبرت سكانها على تركيب جهاز استقبال بث تلفزيونى "ايريال"  يستقبل إرسالاً محدداً، وعبر تقنية حديثة يتم التحكم عبر أجهزة الإستقبال، التلفزيونات، على عقول المتلقى وتوجيهها باتجاه رؤية هذه الجماعة حتى صارت البلدة كلها تحت سيطرتها، فى تطوير لفكرة السيطرة بالتنويم المغناطيسى التى تناولتها أفلامنا فى ستينيات القرن الماضى، موزعة بين اسماعيل يس وعبد السلام النابلسى وغيرهم، لكن الذى اضافه هذا الفيلم أن هذه الجماعة كانت تجوب المديتة ليلاً لتقبض على اصحاب المنازل التى لا يعلوها هذا لنوع من أجهزة تلقى اشارات البث هذه، وامعنت فى التعقب لتضبط من لا يشاهد يثهم، وكانت العقوبات صارمة، لمن يخالف هذه التعليمات، واللافت أن برنامج نادى السنيما، قد تم وقفه وحذفه نهائياً من خريطة برامج التلفزيون المصرى فى مارس 2009، ضمن خطة "تطوير الإعلام"، يبدو أن مسئولى الإعلام أدركوا ـ بمفهوم المخالفة ـ ما يمكن ان يذهب اليه شحن التنوير الذى يمارسه البرنامج، فى اضاءة المناطق المعتمة فى ذهنية المتلقين، بنعومة تتغلغل وتتسرب لتصنع رأياً عاماً يثور لحقوقه، ويقاوم فسادا كاد يبتلع المدينة.

لا أتذكر كيف عالج الفيلم سعى السيطرة وإيلام إنتهى، هل نجحت المقاومة فى كسر هذا الإجبار أم استسلمت المدينة؟!. لكننى لا استبعد ان تكون اطروحات هذا البرنامج واحدة من محفزات ما حدث بعد أقل من عامين فى 25 يناير 2011.

تختفى من المشهد الإعلامى درية شرف الدين، وأمانى ناشد، ومحمود سلطان، وليلى رستم، وجانيت فرج، وأحمد سمير، وسهير الأتربى، وسمير صبرى، وملك اسماعيل، وهمت مصطفى، وفريال صالح، ونجوى ابراهيم، وتختفى من الخريطة معهم برامج شكلت الوجدان والعقل المصرى، ولم تكن التقنيات متقدمة كما هو الحال اليوم، ولا الإبهار الساحر الذى يصنعه عالم الألوان، ولا ساعات البث، التى صارت تغطى اليوم بكامله نهاراً وليلاً، ولم تكن الفضائيات قد اقتحمتنا بعد، والتى لا نعلم عمن يقف خلفها الكثير، وبعضها بدون عنوان أو تتصدره وجوه تعمل بالوكالة.

تتقدم الأدوات وتتراجع الأداءات، يسيطر الإعلان ويخضع الإعلام، تقفز الصراعات السياسية وكثيرها يلعب خارج ملعب الوطن، وتنزوى الثقافة ومعها التنوير الفكرى والوجدانى والمجتمعى فى ركن قصى.

الإعلاميون الجدد ـ مجازاً ـ يدركون مضمون فيلم نادى السنيما هذا، ولا يضيعون فرصة لإقتناص عقل المشاهد، يجرفونه عمداً لحساب التصحر، إلى حد البلاهة، وإذ فجأة تتحول برامج التوك شو ـ إلا قليلاً ـ إلى دكاكين تنافس دكاكين حقوق الإنسان التى زحفت حتى إلى الأحياء العشوائية بحثا عن مقر غير مكلف، حتى تستكمل أوراق التأسيس والإشهار، بينما يديرون ندواتهم فى افخم الفنادق والقاعات، وعيونهم على التمويل، والمأساة لا تتوقف عند محتوى هذه البرامج والمفرغ من المضمون وقد طالت اداءات اصحاب الإمتياز الحصرى، من مقدمى البرامج، فتحولوا الى كائنات تصرخ طول الوقت، وبعضهم تحولوا إلى منظرين، ومحللين يطاردون المتلقى، ويهددونه بالويل والثبور وعظائم الأمور إن لم يتبع تعليماتهم، ويتبنى رؤيتهم، ويحيلون ليله وغده الى ساعات قاتمة لا تفسح ثانية لبارقة أمل، أو لترتيب فكر، أو دعم لإيجابية، وتقفز مرتباتهم الى خانة الملايين، وفق توازنات وقواعد غول الإعلانات.

هل نحن بحاجة إلى ان نطلق جرس إنذار يصل إلى الحاكم والحكومة ومسئولى منظومة الإعلام أن الخطر قائم يتهدد دولة 30 يونيو وما تم من انجازات وحرات تغيير على الأرض بعد 3 يوليو؟.

هل يستقيم الأمر مع بقاء جماعة التجريف الإعلامى، هذه، فى ضوء التراجع الحزبى، وبطء تشكل التنظيم السياسى المؤسسى الذى يتبنى مبادئ وتطلعات الثورة وينشرها بين الناس، فى الشارع والمدرسة والمصنع؟.

هل يمكن أن نبنى دولة القانون والحريات، بينما هذه الكائنات تتحرك بعيداً عن قواعد المهنية وبعيداً عن اهداف البناء السوى لمجتمع جديد؟.

هل يمكن التغافل عن حراك فلول النظامين الساعين للقفز مجدداً على انجازات الثورة فى طوريها، ويجدون نوافذ يطلون منها على الشعب عبر هذه البرامج؟.

وعلى هامش الأسئلة يبقى سؤال حتى متى يدار التلفزيون القومى الرسمى بأدوات البيروقراطية، حتى كاد يتحول الى "قلم عموم الإعلام" ، تحكمه لوائح جامدة وتعليمات مرتجفة وقيود تمنعه من القيام بدوره الذى كان له قبلاً، واختلت فيه موازين الإدارة، ليتحول الى عبء بلا مردود على الموازنة العامة للدولة، وصار فى مقابل كل عنصر فنى أمام وخلف الكاميرات ما يقرب من 15 موظف ادارى، بالمخالفة لكل القواعد المهنية المعروفة، ثم يصرخون من الخسائر التى يتكبدها اتحاد الإذاعة والتلفزيون، ويروجون لخصخصة الإعلام ليسقط الحصن الأخير فى حماية العقل الجمعى، ويتحول الى حصان طروادة لحساب المتربصين بالوطن؟!!.

يوماً قال القائد البريطانى ونستون تشرشل (1874 ـ 1965) "أعطونى التلفزيون ستة اشهر اعطيكم شعباً مختلفاً" وكان محقاً، هل وصلت رسالته؟.