الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

فاتورة براءة مبارك.. من يدفعها؟!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تغافل كل من كتبوا عن براءة مبارك ورموز نظامه عن فاتورة أحكام البراءة التي نالها هؤلاء، ليس تعليقاً على هذه الأحكام ولكن حساباً لتكلفة اقتصادية ضخمة لم يلتفت إليها أحد، أو بعبارة أخرى هناك فاتورة ضخمة لبراءة مبارك ورموز نظامه لا نعلم من سيدفعها حتى اللحظة.
فمبارك عندما أعلن تنحيه عن رئاسة الدولة في 11 فبراير 2011، عومل كرئيس جمهورية سواء في الإقامة في المقر الرئاسي بشرم الشيخ هو وأسرته وفريقه الرئاسي أو في عمليات التأمين أو في عدم تصدير إحساس أنه أصبح رئيساً سابقاً إليه بعد أن ثار عليه الشعب في ثورة شعبية عارمة لم تشهدها مصر منذ ثورة 1919 ضد الاحتلال البريطاني.
وحتى عندما تم الرضوخ للثوار بتوجيه النيابة العامة الاتهامات لمبارك، عومل بشياكة منقطعة النظير، حيث تم إيداعه مستشفى شرم الشيخ ثم المركز الطبي العالمي وأخيراً مستشفى المعادي العسكري، وكلها أماكن مكلفة للغاية إذا حسبنا أن الرئيس السابق أمضى في تنقله بين هذه المستشفيات ما يزيد عن ثلاث سنوات كاملة، علماً بأن المواطن العادي ميسور الحال لا يجرؤ أن يقضي أسبوعاً كاملاً في إحداها، فما بالنا بمعدمي هذا الشعب الذين نُطلق عليهم "محدودي الدخل".
ولا ننسى في غمرة ذلك كله مشهد الطائرة الهليكوبتر اللي جايبة مبارك لحضور جلسات المحاكمة، والطائرة نفسها التي تظل في انتظاره حتى الانتهاء من جلسات المحاكمة في مشهد عبثي استمر عشرات المرات على شاشات التليفزيون بدعوى أن حالة الرئيس (السابق) الصحية لا تحتمل نقله بسيارة طبية مجهزة من المعادي إلى أكاديمية الشرطة في القاهرة الجديدة، هذا كله إلى جانب نقل ولديه علاء وجمال ورموز نظامه وعلى رأسهم حبيب العادلي ومساعديه في أرتال من المصفحات وقوات التأمين طوال جلسات المحاكمات في القضايا المختلفة، وهى كلفة باهظة يقدرها البعض بما يزيد على نصف مليار جنيه.
وعلاوة على ذلك، لا يمكن أن ننسى تكاليف عملية التقاضي نفسها التي تم إهدار آلاف الساعات فيها في محاكمة مبارك ورموز نظامه وضباط وأمناء الشرطة الذين اتُهموا بقتل المتظاهرين أثناء ثورة يناير، بما في ذلك من رواتب ومكافآت القضاة وأتعاب المحامين، وشغل قاعات المحاكم، ويجب ألا نغفل كذلك عن آلاف الساعات وعشرات الآلاف من الصفحات التي تم إنفاقها في التغطية الإعلامية لهذه المحاكمات، والتي كانت تبشرنا دوماً بأن أدلة اتهام مبارك ونظامه أدلة دامغة وستودي به موارد الهلاك، بل إن هذا الإعلام قام بركوب الموجة عندما تظاهر الملايين في ميدان التحرير لحصول مبارك على حكم مخفف بالأشغال الشاقة المؤبدة!.
وتتحمل خزانة الدولة المصرية الآن معاشات استثنائية لأسر شهداء ثورة يناير ومصابي الثورة، كما تعهدت الدولة بتخصيص شقق سكنية للمصابين بالعجز الكلي جراء المشاركة في الثورة، ووفقاً لحيثيات الحكم أعلن الرئيس السيسي صرف تعويضات إضافية لشهداء ومصابي الثورة كحل اقتصادي بحت لتعويضهم عما لحق بهم، وهو ما يفاقم فاتورة براءة مبارك ورموز نظامه، وهى الفاتورة التي لم تكن لتشهد هذا التضخم إذا استطاع القضاء أن يقتص لهؤلاء الشهداء والمصابين من قاتليهم وجلاديهم.
وفي زمرة هذا كله، فإن أحكام البراءة لمبارك وصحبه قد أسقطت حق الدولة المصرية في المطالبة بأموال الفساد المجمدة في البنوك الأوروبية والأمريكية، والتي يستحيل ردها دون أن يُحكم بإدانة الأشخاص الذين أودعوها في الخارج من خلال أحكام قضائية نافذة وفقاً لقوانين هذه البلدان، لينعم مبارك ورفاقه بهذه الأموال التي تم اقتطاعها من قوت المصريين ومقدرات الدولة طوال ثلاثين عاما، ولينعم هؤلاء أيضاً بالرشاوي والمخصصات من القصور والفيلات وآراضي الدولة بحجة مضي عشر سنوات على الحصول عليها وفقاً لقانوان الإجراءات الجنائية المعيب.
ومن هنا، فإن السؤال الذي يطرح نفسه: من يدفع فاتورة براءة مبارك ورموز نظامه؟!، وهو سؤال محير وصادم في ظل ضخامة هذه الفاتورة لرئيسٍ سابق ثار عليه الشعب لأنه لا يريده في سُدة الحكم لأسباب كثيرة ليس هذا وقت ذكرها، وبالتالي من غير المقبول أن يتحمل الشعب المصري هذه الفاتورة في ظل ظروف اقتصادية طاحنة، وحالة معيشية غاية في الصعوبة كانت تقابلها "هدهدة" و"دلع" لرئيس سابق وحاشيته.
هل يدفع فاتورة براءة مبارك دول الخليج التي وقف مبارك معها في أزماتها ولعل أبرزها حرب تحرير الكويت كرد لجميل الرجل، وابتهاجاً بالحكم ببرائته، وخاصة أن هذه الدول لم تكن راضية مطلقاً عن محاكمته، أم هل يدفع هذه الفاتورة حسين سالم الصديق الصدوق لمبارك وصاحب عقد الغاز الشهير لدولة إسرائيل الذي عرض على الدولة المصرية بعد الحكم ببرائته من قضية الغاز دفع ثلاثة مليارات جنيه (400 مليون دولار) مقابل التنازل عن كل القضايا المرفوعة ضده لكي يعود إلى وطنه لكي يُدفن فيه إلى جوار صديقه حسني مبارك؟!.
خُلاصة القول إن مبارك قد أعيانا عندما كان رئيساً مستبداً، وأعيانا عندما صار رئيساً مخلوعاً، وأعيانا عندما أصبح متهماً، وأعيانا أيضاً عندما أصبح بريئاً على الأقل من وجهة نظر القانون الذي قال القاضي إنه معيب!.