تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
يخيفوننا بهم. يرفعونهم سيفًا على الرقاب، وجرسًا رنانًا فوق الرءوس لا يتوقف. يصمونهم بالقسوة ويصفونهم بالخشونة ويرمونهم بكل قمع وقهر وظلم.
إنهم “,”العسكر“,”.. مصطلح يثير الخوف، ويبعث على القلق، وتتداوله الألسن وذاكرتها على الجنرالات القتلة؛ من الشيلي بينوشيت، والمغربي محمد أوفقير، وحتى الإفريقي عيدي أمين. يرهبوننا بظلمهم وقهرهم ووحشيتهم ولاإنسانيتهم وجهلهم بالثقافة والحضارة وعدائهم مع الفن والإبداع.
يظنون بهتافهم بسقوط “,”العسكر“,” يكسبون تعاطفًا وتأييدًا وانحيازًا ضد مؤسسة الوطنية ليسقطوها كما أسقطوا غيرها في براثن طاعتهم. بعد الثورة انطلق الرصاص بعشوائية على المؤسسة الأكثر وطنية. صب المرجفون غضبهم واتهاماتهم ومزاعمهم على الجيش الوطني صبًّا.
تلوا التراتيل خلف التراتيل منادين بالمدنية، ومهينين لخير أجناد الأرض، ومستعينين بالخارج لخلع المجلس العسكري سريعًا دون تنظيم حقيقي للحياة السياسية. وخلفهم -بقصد وبعمى- سرنا مخدَّرين هاتفين بسقوط العسكر، ولم نكن ندرك أننا نحفر قبورًا جماعية لوسطية مصر وهويتها وكرامتها وعظمتها. كانت المقارنة البسيطة بين تصريحات غير مسئولة لقادة الإخوان تتضمن استهانة بحدود مصر وأرضها تثير في النفس حسرات على عساكر شرفاء قدموا حياتهم فداء لحبة رمل.
إن العسكرية المصرية مختلفة تمامًا عن الأنظمة العسكرية الغربية أو الإفريقية أو غيرها من الأنظمة؛ لذا فلم يحدث يومًا أن انطلق رصاصها نحو بني الوطن مهما كانت الظروف. وحتى عندما قام أفراد في المؤسسة العسكرية بانقلاب واضح في 23 يوليو عام 1952 كان انقلابًا سلميًّا لم يعدم فيه سياسي أو يقتل فيه ضحايا، وهو ما جعل فصيلاً كبيرًا من الشعب يؤيده ويحوله إلى ثورة حقيقية.
إن العسكرية في الميديا الغربية قسوة، وقمع، ووحشية، لكنها لدينا حضن، وأمان، واستقرار.
لكل هذا أجد نفسي متضائلاً وأنا أراجع تاريخنا العسكري بنجومه ومقاتليه وفدائييه؛ ولذلك أعشق البذلة الخضراء، وأرى فيها جلال الإرادة وروعة النصر وفخر الكرامة الوطنية.
“,”العسكر.. العسكر“,”.. أجمل الناس وأحبهم وأكثرهم فداء. أتذكرهم كلما غصت في أسفار التاريخ باحثًا عن لحظات كبرياء وبصيص مجد، بقاماتهم الممشوقة وعيونهم المتيقظة ودمائهم المسبحة بحب مصر.
من أحمد عرابي لصالح سرية، لعزيز المصري، لأحمد عبد العزيز، ليوسف صديق، لسعد الشاذلي، يرفرف قلبي فخورًا بوطن أنجب عظماء وفدائيين وعباقرة خلدوا مصر فخلدتهم، ووهبوها أعمارهم فما بخلت عليهم بالذكر ومحبة المعاصرين واللاحقين.
“,”العسكر العسكر“,”.. زخَّات مطر صيفية، وحصون أمان وطمأنينة. في سيناء يقاتلون بصلابة دفاعًا عن شرف مصر الذي حاول التكفيريون انتهاكه بينما نحن قابعون في بيوتنا ننهل الدعة ونحظى بالفرجة. يحرسون في سبيل الله، وهم عرضة دائمة لرصاص الغدر وقنص الخيانة، بينما نحن نهنأ بليل هادئ بين أطفالنا.
“,”العسكر العسكر“,”.. خوذة مصر، وقميصها الواقي، وعينها التي لم تغمض، وشاربها الذي لم ينثنِ لأسفل. يقينًا هم الأجمل والأروع والأنقى في سماوات القبح التي تغطينا. والله أعلم.