غدًا الخميس 14 أغسطس 2014، تحل الذكرى الأولى لفض اعتصامي رابعة العدوية ونهضة مصر، وتجسد هذه الذكرى أمورًا شتى لها عديدٌ من الدلالات سواء بالنسبة للمصريين أو جماعة الإخوان المسلمين أو الدولة المصرية.. أمور لم يكن يتخيلها عاقلٌ أو حكيمٌ أن تحدث سواء في أثناء اعتصام رابعة أو بعد فضه بعامٍ كامل، أمور أودت بالجماعة ومؤيديها في الشارع السياسي، وأنهت به تاريخها على مدار 86 عامًا كاملة هى كل عمر الجماعة منذ أسسها حسن البنا وحتى يومنا هذا.
لم تدرك جماعة الإخوان المسلمين أن الشعب المصري شعب عاطفي تتغير حالته المزاجية من حين لآخر، وهو ما يُطلق عليه المزاج العام للشعوب، والذي يتبدل من حين إلى حين، إلا إنه في الحال المصرية كانت لهذه الظاهرة خصوصية شديدة تتمثل في سرعة تغيّر الحالة المزاجية العامة لأحد أمرين أو لكليهما معًا وهما: أن الشعب المصري يتسم بالعاطفية الشديدة على العكس من عديدٍ من الشعوب الأخرى، وثانيهما أن هذه الحال المزاجية المتقلبة تأتي بعد ثورة يجوز فيها اتخاذ الموقف ونقيضه في ظل ظروفٍ لم تكن مستقرة سياسيًا أو اقتصاديًا أو اجتماعيًا.
ولأن الإخوان كانوا طوال تاريخهم متقوقعين داخل "مُحارة" الجماعة، فإنهم لم يدركوا طبيعة الشعب المصري أو حالته المزاجية أو كونه شعبًا عاطفيًا، قد يكون اليوم معك، وقد ينقلب غدًا عليك، لم يدرك الإخوان أن الشعب الذي صوَتَ لهم في الاستفتاء على الإعلان الدستوري وفي الانتخابات البرلمانية والانتخابات الرئاسية وفي الاستفتاء على دستورهم، لم يدركوا أن هذا هو نفسه الشعب الذي انقلب عليهم، لأنهم لم يقرأوا تغيّر المزاج العام للمصريين، والذي جاء كنتيجة حتمية للفشل الإخواني الذريع في إدارة شئون البلاد لتحول من هذا البلد إلى جحيم يومي يكتوي بناره المواطن المصري الذي رأى أن الإخوان استأثروا بكل شيء بالوظائف والمناصب والسيارات الفارهة والعمارات الجديدة التي اشتراها الإخوة والأخوات الذين ظهرت عليهم أعراض الثراء فجأة، وكان عندما يعاتبهم أحد في الشارع أو المترو أو الأوتوبيس يردون بوقاحة منقطعة النظير: موتوا بغيظكم، غير مدركين أن الشعوب لا تموت، وأن جماعةً أيًا كانت لن تحكم شعبًا رغم إرادته، وكانوا يراهنون أن الثورات لا تحدث كل يوم، وأن هذا الشعب لن تقوم له قائمة مرة أخرى حتى حدث "زلزال 30 يونيو" الذي أطاح بالجماعة في الفراغ المطلق بعد أن ظن أهلها أنهم قادرون عليها!
لم يصدق الإخوان ما حدث في 30 يونيو ـ ولا زالوا ـ لأنهم لم يعتقدوا يومًا في تغيّر المزاج العام للمصريين بهذه السرعة، لم يقرأوا التدهور السريع في شعبيتهم من انتخابات مجلس الشعب إلى الشورى إلى الانتخابات الرئاسية، وحتى عندما انقلب عليهم الشعب في 30 يونيو لم يديروا الأزمة بحنكةٍ واقتدار؛ لم يخرج مرسي على الشعب ليعلن فشله الذريع هو والجماعة في إدارة شئون البلاد ويدعو الشعب المصري للاستفتاء على إكمال مدته الرئاسية من عدمه، أو يدعو إلى انتخابات رئاسية مبكرة، بل ظل متمسكًا بشرعيةٍ واهيةٍ أسقطتها الملايين ممن ثاروا عليه وعلى الجماعة في 30 يونيو.
ولم يكتفِ الرجل بهذا بل قام بتهديد المصريين على الهواء مباشرة في أسوأ عبارات يمكن أن يقولها رئيس على كوكب الأرض لشعبه والتي يُمكن أن يُفهم منها كلمتان اثنتان: أنا أو الدم!
من هنا.. أطلق الرئيس المخلوع لمؤيديه وجماعته ومناصريها من جماعات التكفير والإرهابيين إشارة البدء ليمارسوا الإرهاب ضد الشعب المصري في رابعة والنهضة وضد الجيش في واقعة الحرس الجمهوري وفي سيناء ضد كل ما يمثل الدولة المصرية، هذا عدا الخُطب العصماء التي تدخل موسوعة جينيس في أدبيات الإرهاب ضد شعبٍ من الشعوب المسالمة بطبيعتها، والتي تكره لون الدم ورائحته.
ورغم ذلك كله، أظهرت الدولة المصرية صبرًا غير مسبوق وتركت اعتصامي رابعة والنهضة لمدة 47 يومًا كاملة، وأتاحت كل الفرص لكل الوسطاء من مصر والدول العربية والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة للوساطة من أجل حلٍ سياسي للأزمة، إلا إن الإخوان رفضوا كلَ الحلول، وتمسكوا بعنادهم بعودة مرسي "المخلوع" وعودة الدستور الإخواني "المسلوق" وعودة مجلس الشورى "المنحل".
وبعد فض اعتصام رابعة، اكتوت مصر جيشًا وشرطةً وشعبًا بنار الإخوان في كل بقعة على الأرض المصرية لمدة عامٍ كامل، وقبيل أيام من الذكرى الأولى لفض الاعتصام كان الرئيس السيسي كل همه البناء من أجل الشعب المصري، حيث دشن مشروع حفر قناة السويس الجديدة، وسافر إلى السعودية ومن بعدها روسيا الاتحادية بحثًا عن كل ما يضيف لَبِنَةً في بناء الجمهورية الجديدة، في حين أن الإخوان كانوا يعدون العُدة لهدم الدولة المصرية من تفجيرات ومظاهرات واعتصامات، ويبشرون من يقف في وجه محاولاتهم لهدم الدولة في احتفالهم بذكراهم بدق عنقه.
ولازال الإخوان لا يخبرون الشعب المصري جيدًا، ولا يعلمون أنه لا يخشى أحدًا أيًا كان من بني البشر، لأنه شعبٌ متدين بطبعه ولا يخشى إلا الله، كما أنهم لا يعلمون أن الدولة المصرية الجديدة أصبحت فتيةً وعصيةً على مثل هذه المحاولات التي لا تعدو ضربًا من ضروب المراهقة السياسية لجماعةٍ أفلست بعدما أفرغت كل ما في جرابها، ولا تعلم الجماعة أن إرادة الشعوب في الحياة حتمًا ستنتصر على كل من يريد الموت والفناء لها.
إن رابعة لم تكن يومًا رمزًا للصمود، بل كانت رمزًا للجمود، ولم تكن يومًا جوه القلب، لأنها أثبتت أنها فعلاً بلا قلب، حيث ألقت الجماعة بمواطنين أبرياء صدقوها في أتون نارٍ لم ينطفئ لهيبها حتى الآن.