الإثنين 21 أكتوبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

قناة السويس الجديدة: نموذج لثقافة الأمل والعمل

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يشكل المشروع الجديد لتنمية قناة السويس، الذي اطلقه مؤخرا الرئيس عبد الفتاح السيسي نموذجا لثقافة الأمل والعمل والتفاعل مع الفكر الانساني الخلاق بقدر مايستنفر الوطنية المصرية وقيمة الانتماء في لحظات تليق بالمصريين.
وتنطلق فلسفة هذا المشروع العملاق من حقيقة كشفت عنها دراسات متعددة وأكدت على ضرورة تحويل قناة السويس من مجرد معبر بحري تجاري الى مركز للتنمية المتعددة الجوانب عبر انشطة صناعية وتجارية ولوجستية تتكامل مع خدمات للامداد والتموين وتجسد فكرة "القيمة المضافة".
ولعل المشروع بطابعه التنموي الشامل وتفاعله مع مستجدات الفكر العالمي يعكس حقيقة التحولات والحقائق المصرية الجديدة بعد ثورة 25 يناير-30 يونيو والاجابة عن الاسئلة الكبرى وتلبية ضروراتها ومن بينها تمويل عملية تنفيذ اهداف الثورة في العيش بكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية.
فقناة السويس دون تنمية تحيطها بسياج من الضمانات الاقتصادية محكوم عليها ان تخضع لقانون "الغلة المتناقصة" الذي يستمد احكامه من بقاء القناة كمجرد ممر بحري يعتمد على احد مكونات النقل الدولي المتعدد الوسائط وهي السفن.
ويعلي المشروع الجديد بصورة لافتة وجديرة بالتقدير من فكرة المشاركة الشعبية في تمويل هذا المشروع العملاق وتعظيم القدرة الجماعية في صناعة الأمل وصنع الغد الأفضل وتوظيف الطاقات الابداعية من أجل التقدم والانتقال للحداثة المصرية المأمولة بدلا من الاستسلام لمشاعر اليأس والاحباط والسقوط في هوة العدمية.
واذا كان طول قناة السويس الأصلية 190 كيلومترا فإن طول القناة الجديدة والموازية كما يتضمنها المشروع الجديد يبلغ 72 كيلومترا فيما يطمح المشروع لتنمية 76 الف كيلومتر على جانبي القناة واستصلاح نحو اربعة ملايين فدان وتوفير مايزيد على مليون فرصة عمل جديدة.
فالصراع الآن بلغة الحداثة تحدده القدرة الفاعلة على استثمار الامكانات القائمة والكامنة فيما باتت ثورة النقل المتعدد الوسائط ضمن المفردات الحيوية للقوة الاقتصادية وهذه الثورة تعني ضمن ماتعنيه ان السفن مجرد وسيلة قد تتقدم عليها وسائل اخرى وتلحق بها وسائل اخرى..ذلك ان المحيطات الأرضية والجوية والقنوات الجافة البرية والحديدية وخطوط الأنابيب هي الى جانب السفن ابجديات النقل المتكاملة.
وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد طلب ان تكون مدة تنفيذ هذا المشروع العملاق سنة واحدة بدلا من 3 سنوات فيما يجسد المشروع فكرة عبقرية المكان لمصر وعبقرية الموقع الذي يصل بين البحرين الأبيض والأحمر.
وفيما تواصل الصحف ووسائل الاعلام تناول الرؤية الاستراتيجية للمشروع الخليق بتوافق وطني مع مخططه المتكامل كمحور تنموي ومايتضمنه من انشطة لوجستية وصناعية وخدمات بحرية والحفاظ على الأمن القومي لمصر واستقلالها الوطني عبر الحضور الفاعل للقوات المسلحة فإن عبق التاريخ مازال يحمل تضحيات المصريين لشق قناة السويس وارتباطها بكرامتهم كما تجلى في حرب 1956.
والانتصار المصري في سياق حرب العدوان الثلاثي عام 1956 كان يجسد لحظة توحد من اعلى لحظات الانصهار الوطني في تاريخ المصريين كشعب لايساوم في كرامته او يقبل ان تكسر ارادته.
وحسبما أعلنه الفريق مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس فان المشروع الجديد الذي تقدر تكاليفه بنحو اربعة مليارات دولار سيقلل ساعات الانتظار للسفن الراغبة في عبور القناة من 11 ساعة الى 3 ساعات كما سيقلل زمن رحلة العبور للسفينة الواحدة من 20 ساعة الى 11 ساعة وسيؤدي لزيادة ايرادات القناة بنسبة 259 في المائة.
ويتضمن المشروع اقامة 6 انفاق جديدة بالاسماعيلية وبور سعيد وهي انفاق للسيارات والسكك الحديدية لزيادة ربط سيناء بوادي النيل فضلا عن اقامة 5 مناطق سياحية وسكنية جديدة فيما يمتد التطوير لميناء العريش في اطار ربط الكيانات الاقتصادية باقليمي القناة وسيناء.
واتفق العديد من المعلقين على ان الاعلان عن تدشين هذا المشروع القومي هو "البداية الحقيقية للمضي قدما في تحقيق الحلم المصري في التنمية الشاملة في ربوع مصر" وحتى يشعر ابناء هذا الشعب بثمار الثورة عبر عملية تنموية شاملة لمنطقة القناة وسيناء" من خلال خلق كيانات صناعية ولوجيستية ".
ومن منظور تاريخي فقناة السويس منذ نشأتها تشكل طاقة استثمارية ضخمة فقد نتج من شقها مدينتين مهمتين هما الاسماعيلية وبور سعيد وولدت انشطة تجارية وخدمية استوعبت رؤوس اموال ضخمة وفتحت فرص عمل بأعداد كبيرة كما ان شق ترعة الاسماعيلية ادى لتوسيع الرقعة الزراعية المصرية.
ويرى خبراء اقتصاديون ان تصميمات الطرق والوسائط الجديدة والنظم التقنية والالكترونية والقدرات البشرية والأفكار الجديدة هي التي تميز بين مرحلة واخرى او بين فترة لاحقة واخرى سابقة فيما ادى مفهوم فلسفة عولمة الانتاج والنقل والتوزيع وتطورها الى التأثير في اقتصاديات النقل البحري.
فقد نتج عن العولمة بمفهومها الواسع تغيرات جذرية على الطلب للنقل والخدمات المتصلة به وفرض على شركات النقل ان تعيد هيكلة خدماتها التي تقدمها للدوائر الاقتصادية بما يتجاوب مع المتغيرات في نوعيات الطلب واتجاهاته.
ولعل المثير للتفاؤل في هذا المشروع التنموي الجديد انه يعالج بصورة جذرية اشكالية الاعتماد على محور احادي البعد الاقتصادي والانتاجي فضلا عن قضية التعامل مع معظم وسائل النقل الحديثة المتعددة الوسائط.
كما ان هذه العملية التنموية ستتم عبر " تطوير الموانيء بالمنطقة المحيطة وتحديث المناطق الصناعية القائمة وجذب رؤوس الأموال الوطنية والعربية والأجنبية مما سيؤدي لتوفير فرص العمل للشباب والارتقاء بمستوى المعيشة لشعب مصر ".
وتعد الثورة التقنية والمعلوماتية عنصرا مرجحا في مجالات التفوق في ظل عولمة الانتاج والأسواق ووسائط النقل فيما تثبت التحليلات الاقتصادية-التاريخية ان "شركة قناة السويس العالمية" كانت من اكبر الشركات الرأسمالية المتعددة الجنسيات التي اسست في بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
فقد اقيمت هذه الشركة اصلا على اسس من استراتيجية الاقتصاد السياسي وكانت سببا كافيا لنقل الصراعات المحتدمة مابين مجموعة الدول الأوروبية البحرية وخاصة فرنسا وبريطانيا من المحيط الهندي الى البحرين الأحمر والمتوسط بعد ان حولتهما قناة السويس الى ممرين حيويين لحركة التجارة العالمية بقدر ماادخلت القناة مصر في عصر اقتصادي جديد حوصرت فيه بصراعات سياسية.
والحيز الجغرافي المقترح للمشروع يتضمن ميناء شرق بورسعيد وظهيره الجغرافي وميناء غرب بورسعيد وميناء بور سعيد ووادي التكنولوجيا بشرق الاسماعيلية والمنطقة الصناعية بشمال غرب خليج السويس وميناء السخنة وميناء الأدبية بالسويس كما ان ميناء العريش يدخل في هذا المشروع.
وفي دراسة مستفيضة بعنوان "قناة السويس في مواجهة النقل المتعدد الوسائط" قال الباحث الاقتصادي سمير معوض ان العالم الصناعي والتجاري "لم يعد يفكر بمنطق حسابات المسافات الجغرافية البحتة" .
بل صار العالم مهتما بصورة مكثفة-حسب قوله- بحسابات المسافات الاقتصادية "التي تعني ان التطورات التكنولوجية البحرية تغلبت على عوائق الجعرافيا ومشكلاتها وان الوفورات الاقتصادية في ظل ادارة الجودة الشاملة هي التي تحدد الخيارات والقرارات الاستثمارية والانتاجية فيما يتعلق باختيار خطوط النقل البحري-البري ومحطات موانيء الخدمة".
وثمة فلسفة جديدة لدى دوائر النقل البحري مؤداها ان صناعة النقل البحري لم يعد مجالها الحيوي هو الطرق الملاحية وساحات الحاويات والموانيء فحسب , فهذه المحاور كلها-كما يقول سمير معوض-لاتمثل سوى حلقة في سلسلة ممتدة من عمليات النقل والتداول المتكاملة .
وبقدر مايمكن وصف قناة السويس الجديدة بأنها "مشروع لمصر المستقبل" بقدر ما يراعي المشروع ابعاد الأمن القومي المصري.
فالفارق كبير بين الرؤية الوطنية التي تتجاوب من منظور المصالح المصرية مع معطيات العولمة ومتطلبات الاستثمار وبين الرؤية الاستعمارية التي كانت تنطلق منها شركة قناة السويس عند تأسيسها بحيث لاتقتصر على ادارة شؤون المجرى المائي وانما تكون قاعدة ومنطقة استثمارية تمتد مجالات انشطتها واستثماراتها الى بناء تحالفات اقتصادية دولية لكنها غير معنية بهموم المصريين وتلبية احتياجاتهم الانسانية.
ولفت الباحث الاقتصادي سمير معوض الى ان مصر والدول العربية الآخرى كانت تعاني خللا هيكليا متزايدا في صناعة النقل البحري فيما تسارع اطراف غير عربية في المنطقة لتنشيط ابنيتها الهيكلية والتقنية في مجالات هذه الصناعة وتحديثها.
و كان محللون ومعلقون في صحف ووسائل اعلام مصرية قد اعربوا في مطلع العام الحالي عن القلق حيال التحرك الاسرائيلي لشق قناة تصل بين البحر الأحمر والبحر الميت وقال الدكتور سليمان عبد المنعم الأمين العام لمؤسسة الفكر العربي ان هذا المشروع سيتيح لاسرائيل اقامة تجمعات سكانية تستهدف جذب مليون مهاجر لمنطقة النقب القريبة من حدودنا.
و فيما اكد على اهمية وحدة الصف المصري لمواجهة المخططات المعادية لمصر والمصريين- ذهب سليمان عبد المنعم الى ان هذا المشروع سيتيح لاسرائيل استغلال مياه البحر الأحمر في تبريد مفاعلين نوويين اضافيين مما يزيد بالتأكيد في قدرتها النووية.
وحتى الاقتصاد يختلط احيانا بالاعتقادات الأسطورية على حد قول الباحث سمير معوض الذي فند مقولة ان الفراغ التنموي في منطقة الشرق الأوسط يبحث عن راع يقوده لاكتساب القدرة على تحقيق المعجزات وان العناية الالهية قد اختارت اسرائيل لهذا الدور!.
ووصف معلقون هذا المشروع الذي تقوده اسرائيل بتمويل من البنك الدولي بأنه ينطوي على "تحرش بقناة السويس" فيما حذر خبراء في مجال حماية البيئة من تأثيراته البيئية الضارة على خليج العقبة.
وفي هذا السياق قال الدكتور احمد عبد الوهاب استاذ علوم البيئة ان الاتفاق الذي وقع مؤخرا في واشنطن لنقل مياه البحر الأحمر الى البحر الميت بكميات ضخمة لاتقل عن مائة مليون متر مكعب سنويا يشكل اخطارا على مصر وعلى رأسها مشروع قناة السويس.
ولاحظ الباحث سمير معوض ان اسرائيل خططت منذ وقت مبكر لانشاء بنية تحتية متتابعة المراحل للتأهل للدخول في عصر النقل البحري العالمي المتداخل الوسائط ابتداء من الطرق البرية ومرورا بخطوط انبيب الغاز والنفط وخطوط السكك الحديدية وانتهاء بالمطارات الدولية وكلها تمثل البنى الارتكازية للدخول في مجال صناعة خدمات النقل المتكامل المراحل والوسائط.
اما مشروع حفر قناة موازية لقناة السويس تمر من خليج العقبة الى البحر المتوسط عبر صحراء النقب فيقول عنها سمير معوض انها ليست بالفكرة المستحدثة التي اقتضتها عوامل المنافسة الاقتصادية البحتة وانما تعود الى ماهو ابعد من ذلك وتتصل على نحو وثيق باستراتيجية المجال الحيوي الاسرائيلي الذي يتمدد للاحتواء فالهيمنة فالسيطرة الاقتصادية والسياسية.
ولكن اذا كان النقل الدولي المتعدد الوسائط سلسلة مترابطة الحلقات مابين منظومات النقل البحرية ومنظومات النقل البرية والجوية التي تتفاعل وتتكافل في اتساق مكاني وزماني لاتعيقه الفجوات الجغرافية او الفواصل الزمنية فان مصر بجغرافيتها الاقتصادية وعبقرية المكان تشكل حالة مثالية.
ونوه الباحث سمير معوض في دراسته بأن مصر بحكم الموقع الذي من دلالاته المهمة عبقرية المكان تمنحها اطلالتها البحرية قوة جيو استراتيجية تتجلى في منظومة بحرية تجارية مهيأة للثراء الاقتصادي ويجعل منها قوة اقتصادات بحرية-تجارية من الطراز الأول .
فهذا المشروع سيفتح افاقا هائلة لتقدم مصر ولكن ذلك "سيتطلب الجهد والعرق من اجل البناء" والالتزام بثقافة الأمل والعمل واذا كانت قناة السويس قد بدلت من قبل موازين الاستراتيجيات البحرية والتجارية العالمية فيبدو ان مصر على موعد جديد مع المجد بهذا المشروع الجديد الذي يجسد العديد من القيم الايجابية والتفاعل مع الفكر الانساني الخلاق.
عندما ضغط الرئيس عبد الفتاح السيسي على الزر يوم الخامس من اغسطس الحالي ايذانا ببدء اعمال الحفر فانه كان يعلي بحق من ثقافة العمل والأمل..نعم انها لحظات تاريخية وساعة للعمل..ساعة للوطن.