السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الإسلاميون ورمضان.. الحصاد المُر(3)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قبيل حلول شهر رمضان المبارك، اشتعلت الأوضاع المتأزمة في العراق لأسباب كثيرة، منها التشظي العِرقي وكثرة القوميات، ودخول الدولة طرفاً في الصراع الطائفي والمذهبي والعِرقي، وانسحاب القوات الأمريكية دون وجود جيش وطني قوي يسيطر على الأوضاع على الأرض، علاوة على تحول العراق مسرحاً عبثياً للتدخل السافر والمستتر في شئونه من قوى إقليمية ودولية وعربية بأجندات متضاربة.
في ظل هذا الوضع المتأزم استطاع ما يُطلق عليه تنظيم جيش العراق والشام (داعش) أن يسيطر على الموصل وأجزاءٍ أخرى بعد انسحابٍ مخزٍ من عناصر الجيش العراقي هي الأكثر عُدة وعتاداً، ويبدو أن الأمر كان أشبه بمؤامرة دبرتها قوى خارجية مع قادة الجيش في الموصل، وهو ما أدى إلى معاقبة هؤلاء القادة من الرئيس العراقي، ويبدو أن المؤمرات لم تبرح أرض العراق منذ أن تم التآمر على الإمام الحسين بن علي في موقعة كربلاء، وحتى التآمر على صدام حسين وتسليمه إلى الأعداء.
وفي أول يوم من أيام شهر رمضان، أعلن أبوبكر البغدادي زعيم تنظيم داعش نفسه خليفةً للمسلمين، وكأن المسلمين ناقصينه هو كمان، مش كفاية المصائب التي تحيط بهم من كل مكان؟! ورغم هزلية الأمر، إلا أن الرجل بايعه أتباعه، وطالبوا المسلمين كافة بمبايعته بما فيهم أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة الذي يعتنق "داعش" أفكاره، بدعوى أن داعش تطبق شرع الله في المناطق التي تسيطر عليها، وهو ما لايفعله تنظيم القاعدة.
وتباين موقف جماعة الإخوان المسلمين من دولة الخلافة الجديدة التي منحت لنفسها الحق في إعلان خريطة جديدة لدولة الخلافة ألغت فيها اسم مصر ومحت فيها دول الخليج من الوجود، فالتنظيم الدولي للإخوان أرسل رسالة تأييد ومبايعة للخليفة الجديد، في حين أن الجماعة في مصر اعترضت على الأمر وليس على الفكرة!! حيث ذكرت الجماعة في بيانٍ لها أنها لا تعلم خلفية الخليفة الجديد وتعليمه ونسبه، علاوة أن الأمور لم تكن مهيأة لهذه البيعة نظراً لانصراف العالم أجمع والعرب والمسلمين إلى متابعة كأس العالم بالبرازيل، مما أدى إلى عدم تسليط الضوء على إعلان
دولة الخلافة!!.
من الواضح من خلال هذه الأسباب التافهة التي ساقتها الجماعة أنها لم تكن معترضة على الفكرة بل كانت مختلفة على شخص الخليفة، لأن تأسيس حسن البنا لجماعة الإخوان المسلمين عام 1928 لم يكن سوى رِدة فعل لانهيار الخلافة العثمانية ومحاولة إحيائها من جديد، وواضح لو أن الإخوان في داعش كانوا بايعوا أحد إرهابيي الجماعة خليفةً للمسلمين لكانت الجماعة قد وافقت على الفور.
المصيبة أن حكاية "الخلافة" دي ما "بتزبطش" مع المسلمين عموماً والعرب خصوصاً، لأن المسلمين في صدر الإسلام اختلفوا على اختيار خليفة لرسول الله، وكان الخلاف حاداً بين المهاجرين والأنصار ورسول الله لم يسجَ ولم يُدفن بعد، كما أن الصراع معروف بين علي ومعاوية، وهو الصراع الذي أدى إلى مقتل الأول وتأسيس الثاني للخلافة الوراثية التي أتت بابنه يزيد السكير العربيد خليفةً للمسلمين، وفي فترة من فترات التاريخ الإسلامي كان هناك ثلاثة أشقاء يعملون "كخلفاء" في ثلاث دول للخلافة في آنٍ واحد، حتى جاءت الخلافة العثمانية التي ملأت الأرض جهلاً.
وتخلفاً وجموداً، وهي الخلافة التي كان يتباكى عليها حسن البنا وإخوانه الذين كانوا يحلمون بتأسيس دولة الخلافة في عهدهم البائد والبائس، وكانوا يحلمون بالسيطرة على منابع البترول بالخليج لأن موارد مصر لن تمكنهم من تأسيس خلافة مستقرة اقتصادياً، ولذلك كانوا يديرون تنظيمات موالية لهم بدول الخليج تمهيداً لضم هذه الدول لدولة الخلافة.
والمصيبة الأكبر هو ما فعلته دولة الخِلافة الجديدة بالإسلام والمسلمين، فقد رسخت هذه الخلافة كل الأفكار المغلوطة عن الإسلام بأنه دين العنف والإرهاب من خلال رؤوس القتلى المفصولة عن أجساهم والمعلقة جنباً إلى جنب على أسوار المنازل، وهو أمر مباح لإرهاب أعداء الله –رغم أن القتلى مسلمون- ويدفعون بأن خالد بن الوليد ذبح أحد أعدائه وطبخ رأسه وأكل منها، وإذا صحت الرواية فإنني أعتقد أن خالداً لو كان حياً لفعل الأمر نفسه مع رأس الخليفة الجديد أبو بكر البغدادي الذي أساء للإسلام عندما أهان النصارى بوضع دائرة داخلها حرف (ن) على واجهة كل منزل يسكنه نصارى لتمييزهم، وهو ما يضاهي ما فعله هتلر باليهود في ألمانيا حيث ألزمهم بوضع رباط أصفر حول معصم يدهم اليسرى لتمييزهم!! أين سماحة الإسلام في التعامل مع أهل الكتاب؟ ولكن "الخِلافة" في عهد أبو بكر البغدادي أصبحت مشتقة من "التخلف" الذي سيورد الأمة الإسلامية موارد الهلاك.
إن تنظيم "داعش" - أياً ما كان يموله ويحركه- قد خرج عن السيطرة، والدليل على ذلك تلك الإجراءات المشددة على الحدود العراقية السعودية خوفاً من اقتحام داعش للأراضي السعودية، إن خطورة داعش كمنظمة إرهابية تتخفى تحت اسم الدين أنها قامت بتأسيس دولة خلافة لها ظهير نفطي (العراق) وتسعى للسيطرة على الدول النفطية المجاورة، وبالتالي لا يعوزها التمويل الذي كانت تتلقاه في بدايات عملها في سوريا والعراق.
إن "داعش" وجبهة النُصرة والجيش الحر والإخوان المسلمين وأنصار بيت المقدس وجند الله وأنصار الشرعية وطلاب الشريعة كلها تنظيمات يجب إنهاؤها والتخلص منها للأبد دون تهاون لأنها تنخر في جسد الأمة كما ينخر السوس الخشب.
إذا سقطت بغداد في أيدي هؤلاء التتار الجُدد، فلا تلوموا إلا أنفسكم، ولا نريد أن نراكم تبكون كالنساء، على مُلكٍ لم تحافظوا عليه كالرجال!.