الثلاثاء 18 مارس 2025
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

مخاطر تصويت العسكريين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في لحظة فارقة في حياة الأمة المصرية، وفي مشهد سياسي متخبط، زاده حكم المحكمة الدستورية العليا بضرورة إعطاء حق التصويت للجيش المزيد من التعقيد والالتباس على مجريات العملية السياسية المتعثرة..
وعلى الرغم من أن رأي المحكمة بتصويت العسكريين جاء نتيجة طبيعية لعدم قيام مجلس الشورى بعرض المادة الأولى من قانون مباشرة الحقوق السياسية عليها؛ فإن المصريين – وكالعادة- انقسموا إلى فريقين، أحدهما مؤيد والآخر معارض. وقد تبارى كلا الفريقين في الإتيان بحجج مساندة لرأيه.
وعلى الرغم من قوة براهين الفريق المؤيد لرأي المحكمة، فإنني أنتمي إلى الفريق الثاني، الرافض لإعطاء العسكريين حق التصويت، على الأقل في هذه المرحلة، وذلك للأسباب التالية:
أولاً: إعطاء المؤسسة العسكرية حق التصويت سوف يساعد البعض على جرها إلى معترك الحياة السياسية، على الرغم من تأكيد قادتها بأنها مؤسسة احترافية وملك جميع المصريين.
وإن كان هذا قولاً حقًّا مائة بالمائة، إلا أن بعض الأحزاب السياسية سوف تطالب فيما بعد بحقها في إجراء عملية الدعاية الانتخابية داخل أروقة هذه المؤسسة العظيمة؛ تحت دعوى الوصول إلى أكبر قدر من الناخبين. وبصراحة شديدة سيكون حقها تمامًا، إذا أردنا تطبيق الشفافية في العملية الانتخابية.
ثانيًا: ستقدِّم مصر على طبق من ذهب قاعدة بيانات كل أسماء أعضاء المؤسسة العسكرية إلى من يريد، حتى ولو تم تأمين هذه القاعدة بكل الوسائل؛ فإن هناك من يتربص بنا ويهمه معرفة كل كبيرة وصغيرة عن الجيش المصري، وليس بالضرورة أن تكون إسرائيل فقط، فهناك دولة أخرى في المنطقة لا تقل خطورة على المصريين من إسرائيل.
ثالثًا: لا شك في أن أفراد القوات المسلحة ستكون قوة تصويتية كبيرة، وربما تكون متماسكة، مثلها مثل الجماعات ذات المرجعية الدينية؛ مما سيشجع بعض قادتها على التفكير جديًّا في الدخول إلى معترك الحياة السياسية في المستقبل عبر بوابة البرلمان؛ مما قد يفقد الجيش الكثير من قياداته أو خبرات عسكرية يصعب تعويضها في المستقبل.
رابعًا: ربما يكون إعطاء المؤسسة العسكرية حق التصويت جاء على هوى الحزب الحاكم الآن، والذي بدأ يتعامل مع الأمر وكأنه أمر حتمي، وربما وكأنه مدخل أو الباب الخلفي لما يطلق عليه “,”أخونة“,” الجيش بعدما استعصى عليه خلال العام المنصرم.
خامسًا: من الناحية العملية، بات الجيش لاعبًا أساسيًّا في العملية الانتخابية؛ من حيث تأمين المقار الانتخابية، وحماية البلاد من الخارجين على القانون والبلطجة أثناء العملية الانتخابية، وقد شجع ذلك على خروج المزيد من الناخبين.
وإذا أضيف للجيش مهمة التصويت فإنه سوف يقع تحت مرمى نيران بعض القوى السياسية، التي سوف تشكك في نتائج العملية الانتخابية، فإذا شارك مصوت وحدث نوع من التلاعب في الانتخابات فسوف يتحمل الجيش العبء الوحيد والأكبر في ذلك
-كما كانت وزارة الداخلية- وسوف يتهم من قبل البعض بأنه موالٍ لأحد الأطراف على حساب باقي أطراف العملية الانتخابية الأخرى.
سادسًا: ستحاول بعض الأحزاب السياسية خلق قوى مؤيدة لها داخل أروقة المؤسسة العسكرية؛ ومن ثم سيتم العمل على تحزب هذه المؤسسة العريقة، سواء أكان ذلك بقصد أو بدون قصد، ولكن المؤكد أن جميع القوى الحزبية سوف تعمل -لا محالة- على تجنيد أعضاء جدد لها داخل هذه المؤسسة العريقة أو العكس.
ويترتب على كل ما سبق إضعاف المؤسسة العسكرية والتقليل من احترافيتها وتحزبها، بدلاً من العمل على تقويتها والحفاظ على حيادها لكي تستمر صمام الأمان لعموم المصريين، خاصة أن مصر تمر في مرحلة مخاض صعبة للغاية على الصعيد السياسي والأمني.
وأعتقد أننا جميعًا بحاجة إلى جهود المؤسسة العسكرية، ليس فقط لاستعادة الأمن على أراضينا في سيناء ووسط وقلب الدلتا وعلى الحدود الغربية والجنوبية، ولكن أيضًا لقيامها بالعديد من المشروعات القومية المهمة التي يجب عدم تركها للقطاع الخاص.
وأخيرًا، قبل بدء إعطاء الضوء الأخضر لتصويت العسكريين يجب أولاً وضع مجموعة من الشروط المقيدة لممارسة أية أنشطة دعائية داخل أروقة هذه المؤسسة، وحظر ممارسة أية أعمال سياسية وحزبية على رجال القوات المسلحة، وتغليظ العقوبة على من يخالف ذلك، والعمل على إنهاء حالة الاستقطاب الحادة في المجتمع، وجعل المصلحة العليا الوطنية أمام نصب أعيننا جميعًا، والتخلي عن الذاتية والشرنقة الضيقة التي تحمل في طياتها الهلاك للجميع.