الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

هل من الضروري الكشف عن الماضي؟.. ننشر فصلا من رواية "الرغبة الأخيرة"

الرواية صادرة حديثا عن الأوكرانية عن "صفصافة" للنشر

غلاف الرواية
غلاف الرواية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تنشر "البوابة نيوز" فصلا من الترجمة العربية لرواية "الرغبة الأخيرة"، للكاتبة يفهينيا كونونينكو، والتي صدرت حديثا عن اللغة الأوكرانية عن دار "صفصافة" للنشر.

في الرواية الواقعة في 220 صفحة، والتي ترجمها عن لغتها الأصلية عماد الدين رائف؛ تحاول الكاتبة الإجابة على سؤال: هل من الضروري الكشف عن أسرار الماضي؟ وهل ذلك ممكن؟ وترى أنه، على الأقل، ينبغي أن نسعى جاهدين لمعرفة الحقيقة، لأن المعرفة الواعية تمنحنا الحرية "تلك الحرية التي من دونها تستحيل ولادة شخص واعٍ ينظر إلى المستقبل، ليكون مالك مصيره مهما كانت الظروف". 

 

والآن.. إلى السيرة الذاتية

"كل شخص يستطيع أن يكتب كتابًا واحدًا جيدًا في حياته، وليس عليه بالضرورة أن يكون كاتبًا محترفًا. إنه كتاب حياته. ولكن إذا كنت تكتب كتابًا عن حياتك من الناحية النظرية، وليس عن ذكريات عن مرحلة معيَّنة منها، فأنت بحاجة إلى انتقاء الإنجازات بعناية فائقة، وليس كل ما مرَّ بك. وإذا كنتَ تريد أن تذكر بعض الأشخاص في قصة حياتك، فيجب أن يكونوا أولئك الذين كانت في أيديهم مفاتيح مصيرك"، كما قال فاسيلي جوخوف في محاضرة ضمن دورة "نظرية السيرة الذاتية"، وقد كانت من ضمن الدورات الأدبية العليا في عاصمة بلاد السوفيات، إلى حيث أرسلني اتحاد الكتاب في أوائل السبعينيات.

"يمكن لأي شخص أن يكتب كتابًا جيدًا عن حياته إذا تمكَّن من اختيار الحقائق الضرورية بلا رحمة! إذا كان من الصدق بمكان أن أكتب أن الشخص الحقيقي هو مقاتل من أجل المثل العليا لبلاد السوفيات!"، كما قال فاسيلي برافدا، معلِّمي الأول في الحرفة الأدبية، الذي كان رئيسَ الورشة الأدبية المغلقة "المستقبل المشرق"، التي التحقتُ بها في الخمسينيات، وهي ورشة مُغلَقة لجنود الجبهة الخفيَّة، التي ظهرت فيها مواهبهم الأدبية فجأة. رفع رئيس الورشة الأدبية المغلقة صوته، موضِّحًا أن اسمه الأدبي تكريم لاسم صحيفة "برافدا"( )، الصادرة عن جهاز النشر المركزي في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي البلشفي لعموم الاتحاد السوفياتي، والتي تقرؤها كل الإنسانية التقدمية، وليس تكريمًا لمفهوم "الحقيقة" المجرد، الذي أصبح أقلَّ وضوحًا، ويجب أن نفكر فيه بعناية أكبر.

"عندما تجلس يومًا لتكتب سيرتك الذاتية، ستشعر أن ذكرياتك تقودك إلى بعض العوالم السريالية، حتى لو كنتَ واقعيًّا واثقًا. في مرحلة ما، سوف يتحكم بك الماضي، ولن تكون متحكِّمًا به. لهذا السبب عليك أن تختار بعناية ما تكتب عنه وما لا تكتب. سيحكم عليك الأحفاد من خلال سيرتك الذاتية، إذا تمكَّنتَ بالطبع من إكمالها.

لكن علينا أولًا أن نكتب عن هذه الحقبة المضطربة التي نحن جميعًا محظوظون بأن نعيش فيها! عن بناء المستقبل المشرق، الذي يعيق تحقيقَه ألدُّ الأعداء. وعندها فقط نكتب عن يدَيْ الأم الدافئتين، عن صوت الوالد اللطيف!" -رفع فاسيلي برافدا صوته- "لا تَخَف من أن تغطي في سيرتك الذاتية ما كنتَ تخاف منه من قبل! فإذا كانت لديك حاجة إلى سيرة ذاتية، فهذا يعني أنك أصبحت بالفعل شخصًا حكيمًا تغلَّب على كل مخاوفه، أليس كذلك؟" - طرح فاسيلي جوخوف سؤالاً بلاغيًّا على الجمهور.

لقد تلقَّيتُ إرشادات حول كيفية كتابة كتاب حياتي قبل مدة طويلة من جلوسي لكتابته، ومنها أن أختار بلا رحمة وبلا خوف تلك الوقائعَ من حياتي التي تركَّزَت فيها حقيقة الأحداث التي عشتها. وأن أتحدث عن أي شخص في حياتي، عن زوجتي، أو عن أولئك الذين كانت في أيديهم المفاتيح بشكل دقيق للغاية... والمفاتيح تفتح أبوابًا تبدأ خلفها تقلُّبات القدر، وهي ليست ممرَّات أو أنفاقًا مستقيمة، بل منعطفات غير متوقعة أو سلالم قادتني صعودًا أو هبوطًا.

من الصعب جدًّا أن أكتب عن نفسي بعد تجربتي الحالية، بعدما كتبت العديد من الأعمال، ومنها الروايات والقصص والقصص القصيرة. لم أكتب قطُّ بضمير المتكلم؛ لذلك لن أكتب به في عملي الأخير عن نفسي.

لا أستطيع تغيير أي شيء في حياة ذلك الرجل الذي عاش تلك الحياة، ولا تغيير الحقيقة التي أعرفها بكل تفاصيلها، وإن غادرتُ لن يعرف أحد بها. فمن حقِّ أي شخص يقرأ سيرتي الذاتية ألَّا يصدق كلمة واحدة أو أن يصدق بعض الكلمات دون غيرها. لا يسعني إلا أن أحاول أن أقول الحقيقة عن حياة إيفان إيفاك. إذا بقيت على قيد الحياة خلال كتابة هذه السيرة. لكنني أكتب من أجل الرحيل، وليس من أجل البقاء.

أجلس في مكتبي أثناء العمل في إحدى دور النشر، حيث أعمل منذ ما يقرب من ثلاثين عامًا. أنا الموظف الأقدم في هذه المؤسسة التي كانت محترمةً ثم باتت بائسةً في هذا العصر. في المنزل، يبدو أن مكتبي أفضل بكثير، حيث تصطفُّ خلف أبواب الخزائن الزجاجية كتبٌ مختلفة، من بينها كتب لمؤلفين رائعين حقًّا. وخلف مكتبي الضخم المصنوع من خشب الماهوجوني، على كرسي بذراعين ومقعد جلديٍّ وظهر مستقيم ومرتفع، لا أستطيع إلا أن أكتب روائع أدبية. ولكن هناك الآن كمبيوتر حفيدي ميخاس على طاولة المكتب، فلأدعه ينهي واجبه المنزلي بشكل جيد، وهذا واجب الجدِّ تجاه حفيد في مثل عمره. ساعدني ميخاس في سحب الفونوغراف القديم ووضعه على المكتب أيضًا، وهو يصدر صفيرًا وتنهُّدًا، لكنه لا يزال يعزف الموسيقى؛ لذا وضعت أسطوانة ميلفا( ) الحبيبة تحت إبرته، وفتحت الدفتر الكبير على الصفحة الأولى.

أستدعي الآن -بلُطفٍ- أولئك الأشخاص الذين يملكون المفاتيح التي ستفتح الغرف الضرورية في مبنى حياتي. غرفة المعيشة حيث تتدلَّى الصور العائلية الاحتفالية، ويتلألأ الكريستال السوفياتي في الخزانة الجانبية، ويسخر منه الزملاء الأدباء الأصغر سنًّا كرمز للطبقة اليائسة... والمكتب حيث توجد في خزائن الكتب الجيدة وغير الجيدة، وجوائز الدولة الموجودة في أدراج المكاتب، والتي تمنح بشكل رئيس لقاء مختلف الأفعال السيئة... وغرفة النوم، أوه، هذا هو الشيء الأكثر إثارة للاهتمام، ولكن حتى هناك لا توجد الحقيقة الكاملة... والمطبخ، بالطبع... والأمر المهم هو أن هذه المفاتيح تفتح جميع غرف التخزين المظلمة في العُلِّيَّة وفي الطابق السفلي... وحتى المرحاض... على الرغم من أن فاسيلي برافدا لم ينصح بالسماح لقرَّاء المستقبل بالدخول إلى الحمام: "لن تخبر أحفادك كيف ذهبتَ إلى المرحاض!"، كما قال المرشد الذي انجذب للتفلسف في موضوع نظرية السيرة الذاتية. بدأ أعضاء الورشة بالضحك بطريقة ودية. تذكَّر إيفان إيفاك النقش الموجود على جدار المبنى الخارجي: 

"ستموت الآن موتًا رهيبًا!"

كان هذا النقش على جدار مرحاض متصدِّع في الفناء الخلفي لمنزل فقير في الضواحي. كان موجودًا بالفعل لبعض الوقت، أقول هذا بذهنٍ صافٍ وذاكرة قوية. لذلك، يحدث أن المرحاض قد يركِّز على حقيقة العصر. ثم أصبح إيفان إيفاك مهتمًّا على الفور بهوية الشخص الذي تجرَّأ على كتابة هذا النقش على الجدار في سنوات ما بعد الحرب، في الأربعينيات وليس الخمسينات. مَن أمكَنَه كتابة شيء كهذا؟ وكيف يمكن أن يخاطر بنفسه وعلى الملأ بهذه الطريقة؟

ربما، لم تكتب هذه العبارة مالِكةُ المنزل ليودميلا أولاسيفنا، أرملة مدرِّس "اللغة الأم" ميخايلو ميخايلوفيتش، الذي اعتقله الألمان أثناء الحرب، لأن أحدهم أبلغ الجستابو أن العجوز كان عضوًا في الحزب الشيوعي لعموم الاتحاد (البلاشفة). تردَّد الناس على المرأة العجوز ولم ينسوها، كذلك فعل إيفان حين كان يزور والدته. وقد أعطت إيفان شمعةً كي يذهب إلى بيت الخلاء مرة، لكنه ما أن رأى ذلك النقش حتى أصابته نوبة من الرعب لدرجة أنه لم يستطع أن يفعل ما ذهب لفعله. كان آنذاك يخدم بالفعل في القوات الخاصة التابعة للمفوضية الشعبية للشؤون الداخلية، وكان عليه أن يبلغ على الفور عن النقش المناهض للسوفيات. لكن إيفاك لم يفعل ذلك على أمل ألَّا يراه أحد ذاهبًا إلى المرحاض حاملًا شمعة. من حين لآخر، كان إيفان يزور والدته وأخاه الأصغر ليسيك( ) الذي أنجبته خلال الحرب، ولم يعُد يزور أرملة ميخ ميخ( )، وكان يسرع الخطى بالقرب من منزلها. ولم يعبر إيفان عتبة ذاك المنزل البائس إلا عندما حضر جنازتها. لكن كان ذلك في عصر مختلف، حين لم تعُد الكتابة على جدران المراحيض تدعو إلى القلق.

جاء ميخ ميخ إلى صفحات هذه السيرة الذاتية بشكل غير مُخطَّط له. كان من المخطَّط أن يُستدعَى بطريقة حكيمة، فقد علمنا دائمًا أن نرسم الخطوط العريضة لما سنكتبه. وقال ميخ ميخ إننا إذا أردنا أن نكتب شيئًا، فيجب أن نأخذ في الاعتبار: ما الفائدة ممَّا سنكتبه للمستقبل. كي يقول لنا أحدهم، بعد قراءة ما كتبناه: شكرًا لكم. يبدو أن المعلم السوفياتي لم يكن على درايةٍ بنظريات التحليل النفسي للكتابة من أجل تهدئة الروح.

ترون الآن أنني أرتدُّ عن محاضرات أستاذ العاصمة في الدورات الأدبية العليا وعن أفكار قادة الورشة الأدبية، إلى ما كان درَّسه لنا معلِّمٌ مَدرسيٌّ قبل الحرب.

يبلغ عمر ابني الآن نحو خمسين عامًا، وأنا بِتُّ في السبعين من عمري. أصبح حفيدي بافلو الآن أكبر سنًّا ممَّا كنت عليه عندما عِشتُ مع امرأتي الأولى. حدث هذا لي مبكِّرًا جدًّا لأنه كان في زمن الحرب. ومع ذلك، هي ليست مسألة حرب. أصبح بافلو أيضًا رجلًا في وقت مبكِّر جدًّا. لقد كتبت بالفعل عن هذا ولن أكتب مرة أخرى. وحده بافلو يستطيع أن يخبر المزيد عن نفسه إذا شعر أنه سيموت إن لم يخبر، أو مثلي ألَّا يموت من دون أن يخبر. لكنني لا أتمنى أن تسري تجربتي على حفيدي.

بما أنني ذكرت امرأتي الأولى التي يصعب وصفها بأنها امرأة، فقد كانت صغيرة جدًّا، سيكون من المنطقي للغاية أن أبدأ قصة حياة إيفان إيفاك معها. علاوة على ذلك، بين يدي ماريا كالاماتنا مجموعة كاملة من المفاتيح للعديد من الغرف المهمة في مبنى حياتي الأخرق ذي المصير الرهيب. كان إيفان إيفاك القاصر على علاقة حب فعلية مع القاصر ماشا( ) كالاماتنا في كييف المحتلة، كما سمَّاها المواطنون العاديون آنذاك، أمَّا بلغة صحيفة "برافدا" فكان يطلق عليها "الأراضي التي احتلَّها الغزاة النازيون مؤقتًا". من قصة فانيا( ) إيفاك وماشا كالاماتنا نفسها، يمكن اليوم أن نكتب رواية جيدة. لن تكون قصة حب. ستكون قصة عن فوضى الحرب في الشوارع، في البيوت، في الأسِرَّة، وفي النفوس. بعد سنوات عديدة، سيقول الشقيق الأكبر إيليا، أحد المشاركين في الأعمال الحربية، وهو يرفع نَخبًا: "الشاب الأكثر رفاهية مع امرأة أثناء الحرب". لقد اختبر إيفان في كييف المحتلَّة الوصفَ الذي عبَّر عنه إيليا بشكل كامل. لكنني لن أكتب رواية عن رومانسية أطفال الحرب القاصرين متعمدًا، لأن الذكريات المظلمة ستجرُّني إلى زاوية في المكان الخطأ ولن تسمح لي بكتابة قصة حياة إيفان إيفاك. وهذا مُتوقَّع مني.

لذا، سأعود إلى ماريا لاحقًا.

في هذه الأثناء، سأسرد كلمات عن مشاهد من بداية حياة إيفان التي تحتفظ بها ذاكرتي، وتصبح أكثر وضوحًا كلما ابتعدت. ولتوضيح ما نتحدث عنه، فقط البيانات الشخصية لإيفان إيفاك الابن الثاني في عائلة زاخار وغالينا إيفاك، سمَّياه إيفان على الرغم من أن البِكر يحمل عادة اسم إيفان. وُلِد في ضاحية قرب المدينة تقع في وادٍ لم يبقَ منها بيت واحد اليوم. نادرًا ما تحتوي سلوبودا( ) على منازل ذات قيمة معمارية. وكانت بائسةً بشكل خاص. لم تكن هناك حدائق بالقرب من المنازل، كما هي الحال بالقرب من تاتارتسي، حيث كانت شجيرات الورد المورقة تُطِلُّ من خلف كل سياج خلال الربيع. لم يكن في الوادي بيتٌ حجريٌّ واحد، ولم تكن فيه حتى منازل خشبية كاملة. الله وحده يعلم مِمَّ بُنِيَت جدران الأكواخ، ولم يكن من الممكن فتح نوافذها المشوَّهة. عندما سار إيفان عبر ذلك الوادي، كان يلاحظ أن معظم الأكواخ ذات ستائر أنيقة من التُّول( ). ولم تكن تلك الستائر لحماية الخصوصية، فلحماية الخصوصية كان من الأفضل تعليق أي قماش من دون ثقوب. كانت ستائر الضواحي تلك في غير مكانها... مثل خطوط العنق العميقة على فساتين النساء العجائز. قام أحد المحرِّرين ذات مرة بحذف هذه الاستعارة من إحدى قصصي القديمة؛ لذا أعيد تدوينها هنا.

كل مشاكل إيفان إيفاك وأفراحه ارتبَطَت بهذه المدينة. بقدر ما يستطيع أن يتذكر، كان يركض من الوادي، أحيانًا مع أطفال آخرين، وأحيانًا بمفرده، ويتسلَّق التَّلَّ إلى شوارع المدينة، يفعل ذلك بتَوْقٍ، ناسيًا نفسه. منذ أن كان في الخامسة من عمره تقريبًا، كان يحب الوقوف أمام المنازل الحجرية الجميلة ويحلم بأنه سيعيش يومًا ما في أحدها. الأهم من ذلك كله أنه أحبَّ شارع أوفروتشسكا. في كثير من الأحيان كان يحلم بالعيش في منزل من طبقة واحدة، مُزيَّن بتمثال لرأس امرأة تعتمر تاجًا وعليها قلادة، فوق الباب الأمامي، ونوافذه مُزيَّنة بالورود.

لعل الذكرى الأكثر وضوحًا من الطفولة المبكرة حين تمكَّن من استراق النظر عبر فتحة في سياج يحيط بحديقة المنزل، فوق الوادي مباشرة، فرأى ذلك القصر الجميل المذهل. قبل الحرب، كان المنزل مقرَّ مُفوَّض الشعب الذي نُقِل فيما بعد. تذكَّر إيفان المحادثات حوله في الوادي، فقد عاش المفوض مثل سيد أرستقراطي وحصل على ما يستحق. وفي كييف ما بعد الحرب، بات القصر منزل خروتشوف الشهير في تلك المنطقة. في نهاية السبعينيات، هدم السياج وتحوَّل المبنى إلى مستشفى، وفي ذلك الحين سارت النساء هناك بأرديتهنَّ المتَّسخة بين أكوام الصناديق بالقرب من القفص الكبير، حيث عاشت طيور التَّدرُج( ) في السابق. أنجبت إيروتشكا ميخاس في ذلك المستشفى. حملنا أنا وزوجها ميكولا أغراضًا إليها، وأخبرتُه كيف نظر إيفان إيفاك البالغ من العمر نحو أربع سنوات بذهولٍ إلى هذا المنزل من خلال ثقب في السياج، ثم عاد إلى الوادي البائس.

لم يمثِّل المسكن السيِّئُ الكارثةَ الرئيسية لدى عائلة إيفاك في الوادي، ففي النهاية، كان مبنى لودميلا أولاسيفنا وميخايلو ميخايلوفيتش بائسًا أيضًا. لكن كان هناك شيء جذاب فيه، على الرغم من ستائره القبيحة. في شقة عائلة إيفاك، لم تكن يد الأم دافئةً ولا صوت الأب هادئًا. الأب لم يصمت، كان يصرخ دائمًا ويقطع حديثه ولا يكمل جُمَلَه. ولم يكن من الممكن أبدًا أن فهم سبب عدم رضاه. كان غاضبًا على الجميع كما يبدو. وكانت الأم تصرخ أيضًا. لكن الآباء الذين كانوا يضربون أطفالهم، بكل ما طالته أيديهم، تعرَّضوا للترهيب الشديد من قِبَل النظام السوفياتي. كذلك الأبناء الذين تعلَّموا الدفاع عن أنفسهم مبكرًا تعودوا على استخدام هذه الخصوصية.