حالة من الغضب انتابت العديد من رواد التواصل الاجتماعي والمهتمين بالثقافة والفنون في أعقاب أعمال ترميم تماثيل أسود قصر النيل، والتي تضمنت العديد من الأخطاء المهنية التي كشفتها نقابة التشكيليين.
وأصدرت نقابة التشكيليين بيانا عبرت فيه عن تخوفها من حدوث خطأ كبير ومخالف للقواعد العلمية والفنية لأعمال صيانة أسود قصر النيل ضمن خطة لصيانة ٢١ تمثالا بالميادين العامة بالقاهرة.
وقالت النقابة في بيانها الصادر مساء الاثنين، إنه: "بدأ الشروع بتنفيذ أعمال الصيانة بدهان أسود كوبرى قصر النيل، والتي لوحظ فيها استخدام (الرولة) في دهان التماثيل البرونز، وهو ما يعد خطأ كبيرا ومخالفا للقواعد العلمية والفنية لأعمال الصيانة ما أفقد التماثيل قيمتها الفنية وطمس (الباتينا) اللونية الأصلية لخامة البرونز لأعمال ذات قيمة فنية وتاريخية كبيرة وصيانتها لا تتم بالطرق التقليدية، إنما تتم بطرق أكثر دقة لإزالة الأتربة الملتصقة فقط دون استعمال ورنيشات ومواد ملمعة أفسدت العمل على المستوى البصرى والتقنى.. لذا وجب التنبيه والإشارة للإنقاذ".
أسود قصر النيل "ليست في عداد الآثار المُسجلة"
وعلى الرغم من قيمتها الكبيرة إلا أن تماثيل الأسود "السباع الأربعة" المميزة لكوبري قصل النيل ليست في عداد الآثار المُسجلة، بحسب ما أكده الدكتور جمال مصطفى، رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية بالمجلس الأعلى للآثار، ويرجع عدم تسجيل تماثيل أسود قصر النيل إلى قرار الدكتور خالد العناني، وزير السياحة والآثار الأسبق، الذي رفض تسجيل الأسود وكوبري قصر النيل ضمن الآثار الإسلامية، مشيرًا إلى أن تسجيل الكوبري سيتم فقط حال تحويله لكوبري مشاه.
وبرر العناني عدم تسجيل الأسود الأربعة بضرورة تحويل الكوبري إلى "كوبري مشاه"، حيث قال في تصريحات سابقة، أثناء توليه حقيبة السياحة والآثار، إنه يرفض تسجيل الأسود حتى لا يتعرض الأفراد الذين قد يحاولون تسلق الأسود أو كتابة عبارات على التماثيل للذكرى من التعرض لعقوبات صارمة، وكذلك أولئك الذين قد يتعرضون لحوادث سير على الكوبري، من الوقوع تحت طائلة القانون بتهم إتلاف أثر.
وبحسب قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته، فإنه يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة، وغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه ولا تزيد على 500 ألف جنيه، أو إحدى هاتين العقوبتين، لكل من وضع إعلانات أو لوحات للدعاية، أو كتب أو نقش على الأثر، أو وضع دهانات عليه.
وتعقيبا على بيان التشكيليين والغضب الذي اجتاح مواقع التواصل، قال وزير السياحة والآثار، شريف فتحي، إن ما أثير حول تماثيل أسود كوبري قصر النيل شائعات تم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي، مشيرا إلى أن أعمال التنظيف والصيانة التي تتم لتماثيل أسود كوبري قصر النيل تأتي في إطار التعاون مع محافظة القاهرة ورغبتها في الاستعانة بالخبرات الموجودة بالمجلس الأعلى للآثار في مجال الترميم، مُضيفًا أن تلك الأعمال التي يقوم بها فريق العمل من مرممي المجلس الأعلى للآثار لتماثيل أسود كوبري قصر النيل تتم بدقة وحرص شديد، ووفقًا للقواعد العلمية والفنية المتبعة والمتعارف عليها.
وأوضح الوزير أن أعمال تنظيف تماثيل أسود قصر النيل اقتصرت على إزالة الأتربة والاتساخات الملتصقة وغازات التلوث الجوي فقط، بالإضافة إلى وضع طبقة عزل شفافة لحماية التماثيل من العوامل الجوية.
القصة الكاملة لرحلة "السباع الأربعة" من حراسة حديقة الحيوان إلى تزيين قلب القاهرة
وقد لا يعلم الكثيرون منا أن الأسود الأربعة التي تزين كوبري قصر النيل كانت بالأساس مصنعة لتكون حارسة على أبوا حديقة الحيوان بالجيزة، إلا أنه نظرا للدقة والفخامة في تصميمها وتنفيذها على أعلى مستوى من قبل الفرنسي الشهير "هنري جاكمار"، دفعت بالخديوي توفيق بتحويل مسار التماثيل الأربعة في موقعها الحالي بدلا من حديقة الحيوان التي زينت فيما بعد عند افتتاحها عام 1891، بلوحات مجسمة على المدخل تصور مختلف حيوانات الغابة، واستقرت الأسود الأربعة على كوبري قصر النيل منذ ذلك الحين.
وكانت "السباع الأربعة" قد كلفت مصر198 ألف فرنك لصناعتها بأعلى جودة ممكنة، حيث كان الخديوي إسماعيل في رحلة لأوروبا وانبهر بالتماثيل التي تميز ميادينها المختلفة وشرع إلى محاكاة هذه الفنون ونقل التجربة على مصر، لذا أصدر مرسوما ملكيا عام 1871، لتصنيع التماثيل الأربعة، حيث صُنعت خصيصا من البرونز الفاخر في فرنسا قبل أن يتم نقلها إلى القاهرة عبر الإسكندرية.