في إحدى الليالي القاتمة من شهر سبتمبر، تعكرت السماء فوق حي الوراق في الجيزة بضباب من الألم والفقد، كانت فاطمة، التي بلغ عمرها الأربعين، تمثل بالنسبة للكثيرين لغزاً مؤلماً، كانت تعيش في شقة صغيرة مع ابنها الوحيد، إسلام، الذي لم يتجاوز بعد العشرين من عمره، عانت فاطمة لسنوات من إدمان المخدرات، مما أدى إلى تغييرات جذرية في حياتها، وحياة ابنها الشاب.
ابن تكبله مسؤوليات أكبر من عمره
إسلام، الشاب اليافع الذي وجد نفسه مضطراً إلى تولي مسؤوليات أكبر من عمره، كبر في ظل أم تكافح للتعامل مع الإدمان لم تكن طفولته كباقي الأطفال، إذ كان عليه أن يكون الرجل الصغير في المنزل، بينما كانت أمه تعاني من سطوة المخدرات، كان يرى والدته تذبل يومًا بعد يوم، تتراجع من تلك الأم المحبة التي كانت تضحك معه وتشعره بالأمان إلى شخص غريب عنها، شخص يلهث خلف شيء يدمرها ببطء.
معركة يومية مع الإدمان
حاول إسلام، بكل طاقته، إنقاذ أمه من قبضة الإدمان. كان يراقبها بعينيه الممتلئتين بالخوف والحزن، ويمنعها من مغادرة المنزل كلما اشتد عليها شوقها للمخدرات، لم يكن الشاب الصغير يملك الوسائل أو الدعم اللازم للتعامل مع هذا الوضع، كل ما كان لديه هو خوفه عليها وحبه لها، وحلمه بأن تعود أمه التي يعرفها وتحبها، سليمة مرة أخرى.
من الحب والخوف إلى اليأس والغضب
مع مرور الوقت، تحول الحب والخوف إلى إحباط وغضب، كان كل يوم معركة، معركة بين رغبته في إنقاذها وبين شعوره باليأس العميق الذي بدأ ينمو داخله، كان يرى أمه تتآكل أمامه، ولا يستطيع فعل شيء، بدأ يشعر وكأنه يحارب طواحين الهواء، بلا أمل في النصر.
اللحظة المأساوية.. عندما تحولت يد الابن إلى أداة للعنف
وفي تلك الليلة المظلمة، وصل إسلام إلى نقطة الانهيار، كانت فاطمة تلوح أمامه مرة أخرى، تطلب منه المال لشراء المخدرات، وهو يصرخ في وجهها، رافضاً أن يسمح لها بمزيد من التدمير لنفسها ولعائلتها الصغيرة، كان العنف يملأ عينيه، وأمه تنظر إليه بعينين خاليتين من الحياة، وكأنها بالفعل لم تعد هي، بين صرخات الألم والدموع المتساقطة، تحولت يده المرتجفة إلى أداة للعنف، وهي اللحظة التي لم يكن يدرك أنه لن يستطيع أن يتراجع عنها أبدًا.
ضربها مراراً بعصا خشبية، وكانت كل ضربة تحمل في طياتها كل الألم والغضب والإحباط الذي تملكه لم يكن يعرف أنه في كل مرة يرفع فيها العصا، كان يقتل ليس فقط جسد أمه، بل جزءًا من روحه أيضًا عندما توقفت فاطمة عن الحركة، كان الصمت الثقيل يغطي الغرفة، ولم يبقَ شيء سوى صدى صراخ داخلي في قلب إسلام.
ندم لا ينتهي
حينما أدرك ما فعله، لم يكن هناك رجوع. انهار على الأرض بجانب جثة والدته، يبكي بحرقة كان ذلك البكاء ليس فقط على ما فعله للتو، ولكن على السنوات الضائعة، على الألم الذي لا شفاء منه، على الحياة التي كانت ستختلف تمامًا لو لم تدخل المخدرات إلى حياتهم.
8. *الحياة بعد الفقد.. خلف القضبان وعبء الندم
ألقى القبض على إسلام ، واعترف بكل شيء دون مقاومة لم يكن لديه شيء ليخفيه، فقد كان عبء هذا الجرم أكبر من أن يتحمله وحده، نقلت جثة فاطمة إلى مشرحة زينهم، بينما بقيت شقتها مظلمة وخالية، شاهدة على مأساة لم يكن من الممكن تفاديها.
كانت تلك النهاية لحياة مليئة بالمعاناة، ولكنها أيضاً بداية لحياة جديدة مليئة بالندم والذكريات المؤلمة لإسلام، هذا الشاب الذي أصبح في يوم وليلة مجرماً في نظر القانون والمجتمع، سيعيش بقية حياته يحمل ثقل ذلك اليوم، ذلك القرار، وتلك اللحظة التي فقد فيها كل شيء، بما في ذلك نفسه.
تفاصيل الجريمة المأساوية
تلقى المقدم محمد طارق عبد العظيم رئيس مباحث قسم شرطة الوراق بمديرية أمن الجيزة، إشارة من المستشفى يفيد باستقبال سيدة في عقدها الرابع بها آثار كدمات وسحجات متفرقة وادعاء تعدي آخر ولقيت مصرعها خلال محاولات إسعافها ومقيمة بدائرة القسم.
وعلى الفور انتقلت الأجهزة الأمنية إلى محل البلاغ، وبالفحص وعمل التحريات تبين أن وراء ارتكاب الواقعة نجل المجني عليها، حيث قام بالتعدي عليها بالضرب بعصا لإدمانها المواد المخدرة، جرى التحفظ على الجثة تحت تصرف النيابة العامة.
وعقب تقنين الإجراءات واستصدار إذن مسبق من النيابة العامة أمكن ضبط المتهم واقتياده إلى ديوان القسم، وبمواجهته اعترف بارتكابه الواقعة بقصد تأديب والدته وأنه اعتاد ضربها لإدمانها المواد المخدرة، وتم اتخاذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة حيال الواقعة وتولت النيابة العامة مباشرة التحقيقات.