الثلاثاء 05 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الثانوية العامة.. كابوس حان وقت زواله

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لا يخلو بيتٌ فيه طالب أو طالبة في مرحلة الثانوية العامة من كابوس تتمنى الأسرة عن بَكرة أبيها أن تستيقظ وقد ارتفع هذا الحمل عن كاهلهم بلا رجعة. فترى الأب يبحث عن مصدر دخل جديد لا ليعيش حياة الرفاهية أو للاستمتاع بملاذ الحياة ومُتعِها، لكنه يفعل ذلك من أجل الوفاء بمصروفات فلذة كبده الذي أصبح في مرحلة فارقة من حياته، وترى الأم تُعلن حالة الطوارئ العامة في البيت حتى توفر الهدوء والسَّكينة لطالبنا العزيز، أما الإخوة فيعيشون حالة من القلق والحرمان إن صح التعبير، تحيطهم قائمة ممنوعات لا ينبغي لهم المطالبة بها، فهم ممنوعون من زيادة المصروف، وممنوعون من شراء ملابس جديدة هذا العام، وممنوعون من أي شيء تراه الأسرة نوعًا من الرفاهية التي يمكن تأجيلها حتى نطمئن على النتيجة. 

نتيجة الثانوية العامة.. أفراح وأتراح

يوم النتيجة هو يوم فرح وسرور في بيت الناجحين، وحزن وحُبور على مَن لم يحققوا ما يتمنون. درجة واحدة أو اثنتان قد تكون كفيلة بإقامة سرادق عزاء داخل بيت يَسكنه طالب أو طالبة ثانوية عامة، فإذا ظهرت النتيجة وتحقَّق المُراد ارتفعت الزغاريد وأخذ الأهل يتزاورون للمباركة والتهنئة على النجاح وتحقيق أعلى الدرجات، أما إذا كانت النتيجة غير مُرضِية فترى الأهل والأصدقاء يُسارعون إلى التعزية والمواساة، فالفقيد هنا هو طالب ثانوية عامة لم يُحقق ما تمنى رغم أن الأماني ما زالت ممكنة.

الثانوية العامة وحلم الثراء والاستقرار

يحلُم كل طالب وطالبة نَشأ في أسرة فقيرة أو محدودة الدخل بالتخلص من هذا الوضع الخانق؛ إذ يرى أن حصوله على أعلى الدرجات هو السبيل الوحيد لدخول عالم الثراء والاستقرار، يتمنى أن يلتحق بإحدى كليات القمة، لتكون فرصته أكبر في الحصول على وظيفة مناسبة بأجر يظنه كبيرًا، ومن ثَمَّ الحصول على الاستقرار وتكوين أسرة، والعيش في هدوء.

الثانوية العامة وطبقة الأغنياء

لا يعبأ أبناءُ الأغنياء بتلك المرحلة المرهقة، ولا تُمثل لهم كابوسًا كأبناء الطبقة المتوسطة، فهم قادرون على مراجعة دروسهم مع كبار المعلمين، وحتى إن لم يحصلوا على الدرجات المطلوبة، فأمنياتهم وطموحاتهم مختلِفة، هم بالفعل يعيشون حالة من الاستقرار الاجتماعي، لكن قد يحتاجون إلى بعض الوجاهة الاجتماعية.. شهادة فقط، مجرد شهادة حتى لا ينظر إليهم البعض نظرة ازدراء، فبإمكانهم الالتحاق بأي كلية يشيرون إليها، وباستطاعتهم السفر إلى الخارج والحصول على المؤهل الذي يريدون بلا مشقة أو قلق، مؤمنين بما لا يدع مجالا للشك بأن «كابوس الثانوية العامة لا يزعج إلا الفقراء».   

كابوس الثانوية العامة.. كيف يزول؟

لعل الواقع الذي نحياه خير برهان على أننا نُحمِّل الأمور أكثر من حجمها الطبيعي؛ إذ نقصر التفوق والنجاح في الحياة على مجرد التفوق في مرحلة دراسية معينة، وهذا فهم جِدُّ ضيِّق، فمجتمعنا يزخر بالناجحين عمليًّا في مجالات عديدة دون الالتحاق بإحدى «كليات القمة» كما يسميها البعضُ مع تحفظي على هذا المصطلح، فها هو عالمنا الكبير أحمد زويل لم يلتحق بإحدى كليات القمة كما يحلو للبعض تسميتها مع تقديري البالغ لكلية العلوم، لكنه فاقَ الكثيرين، وحصل على جائزة نوبل في الكيمياء، وها هو عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين درس في كلية الآداب ولم يكن من خريجي الطب أو الهندسة، وكاتبنا الكبير عباس محمود العقاد لم يلتحق بأي جامعة رغم زيادة مؤلفاته عن مائة مؤلَّف، وكثير من رجال الأعمال بدأوا رحلة نجاحهم وكفاحهم من نقطة الصفر حتى حققوا أحلامهم دون أن يلتحقوا بتلك الكليات التي يسيل لها لُعاب أبنائنا ويُشار إليها بالبَنان.
اقرأ أيضًا:

إن أردتم الإصلاح.. فالمعلم أولًا
الألعاب الإلكترونية.. السارق الخفي
أحمد حسن يكتب: الحاجة سندس التونسية
 

ختامًا: ليس النجاح والتقدم في الحياة مرتبطًا بالتفوق في الثانوية العامة والحصول على أعلى الدرجات والالتحاق بإحدى الكليات ذات السُّمعة والصيت الرائج. هي مرحلة مهمة لا شك في ذلك، لكن عدم تحقيق المراد فيها ليس نهاية المطاف؛ فللنجاح طرق عديدة، فهَوِّنوا على أنفسكم، وتخلَّصوا من هذا البُعبع الوهمي واقضوا على هذا القلق الزائف، وليعمل كلُّ منا ما يحب ويهوى لا ما يحب الآخرون.