هل يمكن أن يغضب روائي متفرد فى إبداعه من بطلة روايته وهو الذى رسم ملامحها وشخصيتها بل وسلوكها بدقة وحدد مفردات حياتها فى إطار طبيعتها المتمردة، فيقرر أن يتخلص منها بإلقائها بَغْتَة فى جحيم علاقة غريبة بينها وبين سيدة أيرلندية التقت بها مرة واحدة في لقاء عابر وهى زوجة مأمور الواحة.
فى الرواية الشيقة والممتعة "واحة الغروب" للروائي المبدع" بهاء طاهر " عندما قرأتها وجدته وكأنه يكاد يكون اتخذ موقفًا حادًا ضد بطلة روايته "مليكة"، وخاصة بعد أن مات زوجها الفانى والعاجز وكأنه ملّ منها ومن شكواها بأنها ما زالت عذراء رغم زواجها وتَأَفَّفه من سلوكها فتخلص من هذه الفاتنة بسرعة رغم أنه فى بداية الرواية كان متعاطفا معها وواقفا يدافع عن حرمانها ويشير إلى تَأَلُّمها وتَوَجُّعها من زوجها العجوز العاجز وجعل كل من يعرف عذابها يتوقع نهاية أخرى غير التى اختارها لها.
لقد جعلها المؤلف تعلن عن تمردها وتخرج بعد موت زوجها لتصبح "الغولة" -حسب اعتقاد اهل الواحة لكل سيدة تخرج من حجرتها قبل انتهاء عدتها - وقرر أن يجعلها متحررة مهما حدث من تداعيات لكن الكاتب غير سير الأحداث وجعل "مليكة" تزور بدون سابق معرفة "كاثرين"زوجة مأمور الواحة وكتب ببراعة لحظة فتح بابها لها وخفق قلبها فرحا حين رأت وجهها الجميل بعد أن نزعت لثامها ودفع بالصغيرة "مليكة" لتتقدم بارتباك نحوها وتشير إليها وإلى نفسها وقد أخرجت تمثالين حجرين صغيرين لامرأتين من لفافة قماش مطوية وقدمتهما لها وهي تبتسم.
وأشارت إلى رأس التمثالين إذ أحدهما ملامح وجهه كوجهها والآخر ملامحها هى، ثم أمسكت بهما وراحت تقرب الواحد منهما من الآخر وقاربت بينهما كأنهما يتعانقان!
هكذا تصرفت بدون أي أسباب وهذا التصرف -للحق غير مبرر - ثم اقترابها بعد ذلك من كاثرين السيدة الأيرلندية لتحضنها برقة مما جعلها تبادلها الأحضان لكنها صرخت بعد أن أبعدتها ودفعتها بعيدا معلنة أنها ليست "سافو"!
"ما معنى أنها ليست سافو؟" أى أنها ليست مثل "سافو " الشاعرة التي تعد في مصاف الشعراء الإغريق وهى العاشقة لتلميذاتها وقامت ببناء مدرسة خاصة بها لتعليم الفتيات الشعر ودارت حول هذه المدرسة شائعة كبيرة، وهى أن هذه المدرسة كان يمارس فيها الشذوذ...!
وبعد أن ابتعدت مليكة عن زوجة المأمور ظلت تنظر لها بنظرة جريحة
والدموع تتجمع فى عيناها لكنها اقتربت منها مرة ثانية ثم ركعت على الأرض واحتضنت ساقها بأصابع متشنجة وهى تبكى بكاء خافتا بعدها اختطفت زوجة المأمور جريدة نخل لتضربها ولكى تثبت لها أن هذا الاغواء لا يمكن أن يلمسها...!
فى هذا التوقيت كان "محمود عبد الظاهر" مأمور الواحة وزوج
" كاثرين" يقترب من منزله وسمع صرخة زوجته من داخل بيته فاخرج مسدسة واقتحم منزله فوجد زوجته ممسكة بجريدة نخل بيدها وتضم بيدها الأخرى أزرار قميصها الممزق فصوب مسدسة نحو الفتاة وضغط على الزناد إلا أن جريدة النخل التى تمسك بها زوجته كادت أن تصيب يده فطاشت الرصاصة فى الصالة لكنه هجم بعدها على "مليكة"مما جعلها تهرول للخارج بعد نشبت معركة بين الثلاثة...مأمور الواحة وزوجته ومليكة...
وانتهت حياة الفتاة الصغيرة جميلة الجميلات-وهذا هو ما اختاره المؤلف لها- بغرس سكين فى صدرها ولم يجزم الكاتب هل قتلتها أمها لتستريح من جنونها أم هى التى انتحرت...!
وهكذا تخلص الروائى المبدع من البطلة التى جعلها طوال الرواية ضحية وفى نفس الوقت
جانية بجمالها وحسنها الطاغى...!
الأسبوع القادم بإذن الله نعيش سويا مع رواية جديدة وهي"موت صغير" الفائزة أيضا بالجائزة العالمية للرواية العربية "البوكر " للروائى المتألق محمد حسن علوان.