فشلت الأمم المتحدة في تحقيق أهدافها التي أنشئت من أجلها وهى نزع فتيل الأزمات إذ أن العالم أصبح يعج بالمشكلات والأزمات، وأكبر دليل على ذلك الحرب الروسية الأوكرانية، والعدوان على غزة، والحرب الأهلية التي تدور رحاها في السودان، التي بدأت في 15 أبريل 2023، وما زالت دائرة حتى الآن ويدفع ثمنها الشعب السوداني الشقيق، في الوقت الذي كان فيه السودان ماضيا إلى نهاية فترة انتقالية وبداية حكم مدني ديمقراطي يقود إلى استقرار سياسي واقتصادي يعوض السودانيين عن ثلاثة عقود قضوها تحت ظل النظام السابق، ثم تبعتها فوضى الفترة الانتقالية، لكن الحرب انفجرت لتشكل "صدمة" وحدثاً ضخماً لم يكن متوقع الحدوث.
فحتى اللحظة التي أعلنت فيها الحرب بين الجيش السوداني و"قوات الدعم السريع"، كان الطرفان مرتبطين معاً بمصلحة مشتركة تتعلق بتقاسم السلطة على رغم الخلافات الدفينة بين قائديهما، وقد تبدى لكل منهما أنه بحاجة إلى القوى المدنية لاكتساب شرعية شعبية، وعلى لسانيهما صيغت خطابات ورغبات بعض القوى الحزبية وفرضت شروطا لاستمرارهما معاً، كان أبرزها الخلاف حول دمج "قوات الدعم السريع" في الجيش، الذي كان أحد بنود "الاتفاق الإطاري" الذي وقعه المكون العسكري في مجلس السيادة الحاكم في السودان و"قوى إعلان الحرية والتغيير - المجلس المركزي" ومجموعات متحالفة معها في 5 ديسمبر 2022، تمهيداً لنقل السلطة للمدنيين، لينهي حالة الفوضى التي شهدتها البلاد منذ
سقوط نظام عمر البشير عام 2019 فترة من الاضطرابات السياسية، شملت انقلابًا عسكريًا في عام 2021، وأدى ذلك إلى صعوبة عمل الأمم المتحدة مع حكومة فعالة وموثوقة.
كما تواجه الأمم المتحدة صعوبة في التوفيق بين مختلف الفصائل السودانية، والتي لديها مصالح متباينة وأهداف متضاربة.
بينما لم تتمكن الأمم المتحدة من إشراك الشعب السوداني بشكل كافٍ في جهودها، مما أدى إلى شعور بالاستياء والتهميش.
كما تعاني الأمم المتحدة من نقص التمويل لعملياتها في السودان، مما يعيق قدرتها على تنفيذ برامجها وتحقيق أهدافها، إذ تعتمد الأمم المتحدة بشكل كبير على الدول المانحة، مثل الولايات المتحدة ودول الخليج، لتمويل عملياتها، يُمكن لهذه الدول التأثير على أجندة الأمم المتحدة وسياساتها، مما قد يُعيق قدرتها على العمل بشكل محايد ومستقل.
كما تواجه الأمم المتحدة صعوبة في الوصول إلى بعض المناطق في السودان، خاصةً في دارفور وجنوب كردفان، بسبب انعدام الأمن والبنية التحتية الضعيفة، وتفتقر الأمم المتحدة إلى الموارد البشرية الكافية لتنفيذ برامجها على نطاق واسع في السودان.
لا يمكن تجاهل دور القوى الخارجية في تأجيج الصراع داخل السودان، إذ لم يعد خافياً على أحد أن دولاً بعينها تدعم أطرافاً داخل السودان سواء على المستوى السياسي أو العسكري أو اللوجستي مما يساهم في استمرار الحرب ويعيق جهود السلام، ولعل آخر تجليات هذا المشهد تلك الشكوى التي قدمتها بعثة السودان في الأمم المتحدة ضد أحدى الدول.
هنا تجدر الإشارة إلى تصريحات تيغيري شاغوتا، مدير المكتب الإقليمي لشرق وجنوب أفريقيا في منظمة العفو الدولية التي أكد فيها على تعرّض الشعب السوداني للإهمال والتجاهل على مدار عام كامل، إذ تحمل وطأة الاشتباكات العنيفة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، بعد أن أخفقت الجهود الدبلوماسية حتى الآن في وضع حدّ للانتهاكات، أو توفير الحماية للمدنيين، أو تقديم المساعدات الإنسانية الكافية، أو محاسبة مرتكبي جرائم الحرب.
كما استغرق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ما يقرب من عام لتبني قرار بشأن السودان يدعو إلى الوقف الفوري للأعمال العدائية، ووصول المساعدات الإنسانية دون عوائق. ولكن على الرغم من القرار، لا يزال القتال مستمرًا في جميع أنحاء البلاد، مع عدم وجود تدابير لحماية المدنيين من التعرض للأذى.
في أكتوبر 2023، أنشأ مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بعثة دولية مستقلة لتقصي الحقائق في السودان، مفوضة بالتحقيق والتثبت من الوقائع والأسباب الجذرية لانتهاكات حقوق الإنسان والتجاوزات المرتكبة في النزاع.
يجب على الدول الأعضاء ضمان توفير الموارد اللازمة والدعم السياسي الكامل لبعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في السودان.
في حين قالت أميمة غوتابي، المديرة التنفيذية للمجموعة السودانية للديمقراطية أولًا: “على الرغم من دورها الهام المحتمل في تعزيز المساءلة عن الفظائع المرتكبة في السودان، فإن بعثة تقصي الحقائق غير قادرة حاليًا على أداء مهامها بصورة مجدية، لأنها لم تحصل بعد على العدد الكامل من الموظفين أو التمويل الكافي بسبب تجميد عملية التوظيف في الأمم المتحدة، ولا يستطيع العالم تحمل تبعات مواصلة تجاهله للأمر، ويجب على الدول الأعضاء ضمان توفير الموارد اللازمة والدعم السياسي الكامل لبعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في السودان، وإبقاء حقوق الإنسان في السودان على رأس جدول أعمال مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وهيئات الأمم المتحدة الأخرى”.
يذكر أنه قتل الكثيرين من أبناء الشعب السوداني، ونزح ما يقرب من 10.7 مليون شخص بسبب النزاع، ما جعله أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم، ويحتاج ما لا يقل عن 14 مليون طفل، أي نصف أطفال البلاد، إلى المساعدة الإنسانية.
كما حذّر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة من أن الاستجابة الإنسانية الدولية للسودان لا تزال تعاني من نقص التمويل بشكل حاد، على الرغم من تحذير المنظمات الإنسانية من المجاعة. وحتى نهاية فبراير، لم يتم تلبية التماس الأمم المتحدة للتمويل إلا بنسبة 5% فقط، الأمر الذي يقوّض بشكل خطير عملية إيصال المساعدات والخدمات الطارئة الحيوية.