أشرقت بروحها القوية وإرادتها الفولاذية من أعماق الظلام، ومن بستان الطفولة البريئة، خرجت ملك إلى ماراثون الحياة المعقدة، حيث الجري وراء لقمة العيش، وهي تحمل على كتفيها علقم الجوع واليتم العنيد، وتحتضن ظلام الفقر المجهول عازمة على تحقيق المستحيل، تعمل بجد ولا تمد يدها إلا بكرامة القلب الطيب، الذي يسعى فقط لراحة أمها وتأمين بيت آمن يضمهم.
ملك، البالغة من العمر عشر سنوات، هي صاحبة أصغر مشروع في مصر، ابنة الفقر وظلم الأيام ووحشة السنين، بدأت قصتها عندما كانت في المرحلة الابتدائية، حين توفي والدها الذي كان يعمل موظفًا في إحدى الشركات، فانقطع دخل الأسرة ومرضت والدتها، ما جعل حركتها بطيئة وتراكمت الديون عليهم.
كونها الكبرى بين إخوتها، قررت ملك ألا تستسلم للظروف الصعبة، بدأت فكرة عمل أطباق الأرز باللبن تتبلور في ذهنها بإرشاد من والدتها وتوجيهها، خاصة أنها تعلمت صنعه من خالتها، اقترحت على والدتها أن تصنع الأرز باللبن وتبيعه، ووجدت دعمًا من جاراتها اللاتي ساعدنها في شراء المستلزمات.
بين الدراسة وصنع الأرز باللبن، أبدعت ملك في تنفيذ فكرتها وبدأت ببيع الأطباق للجيران والمعارف، استطاعت بفضل الله أن تسدد الديون وتدفع الإيجار وتوفر العلاج لوالدتها، بالإضافة إلى شراء كتب دراستها، وأصبحت لها زبائن ينتظرون منتجاتها بشغف.
واجهت ملك صعوبات عديدة، منها التوفيق بين الدراسة وبيع الأرز باللبن، لكنها تغلبت على ذلك بتنظيم وقتها بين المذاكرة والعمل، كما تعرضت لمخاطر الليل، لكن حماية الله لها وشفقة البعض عليها كانت درعها الواقي، رغم صغر سنها، تعلمت كيف تدافع عن نفسها وكيفية التعامل مع التحديات.
تحلم ملك بأن تصبح طبيبة، لتوفر العلاج لأمها وتعلم إخوتها، وتؤمن بأن العمل عبادة، وأن الاعتماد على النفس أفضل من مد اليد بالسؤال، تحب الله وأمها وإخوتها، وتطمح لأن تكون طبيبة تعالج الناس دون أن تمد يدها لأحد.