توقفت فى المقال السابق عندما وافق الأستاذ "محمد حسنين هيكل" على شروط عالم الطبيعيات الأكبر وصاحب نظرية النسبية 'آينشتين " على أن تكون مقابلته اثناء رياضته بالمشى فى الغابات المحيطة بجامعة "برنستون " والا يزيد وقت اللقاء معه عن ربع ساعة أو على الأكثر نصف الساعة...!
وقال إنه ذهب إلى بيته لاستكشافه لكى يكون أمامه - على النقطة- كما يقولون وفى موعده المحدد بحيث لا تفوته ثانية واحدة من الوقت المخصص للحوار فلقد أصبح متشوقا لاستطلاع أمر هذا البروفيسور مع شعور غريب بالتمرد عليه لشروطه التي فرضها من أجل إجراء الحوار...
وقال إنه من المصادفات الغريبة انه عندما فرغ من تناوله الغداء وتهيأ للموعد فوجئ بصديقه الناقد الأدبى الكبير الدكتور" لويس عوض" والذى كان متواجدا أيضا بمطعم جامعة "برنستون" وكان يومها يقيم في الجامعة لمناقشة دراسة الأدب الانجليزي وعندما عرف بالمقابلة قال بحماس:
-نعم... "آينشتين" هو الخالد الأكبر من أهل هذا الزمان الذي نعيش فيه.
بالفعل ذهب فى الموعد المحدد بالضبط ووصف منزله بانه أقرب ما يكون إلى الكوخ الريفي...جميل في بساطتة وعندما ضغط على الجرس وفتح الباب لم يجد امامه "آينشتين" انما وجد سيدة عجوزا ولم تنتظر حتى يسألها وانما قالت على الفور:
-ان "البروفيسور"قادم... أنا "شقيقته..."
بعدها اختفت وراء سلم يدور فى صالة البيت ليصعد إلى الدور الثاني ووجد نفسه وحيدا في قاعة الاستقبال فراح يتأمل ما حوله ويصفه...
قاعه كبيرة وراء المدخل... تفضي إلى باب مغلق على كل ناحية... والقاعة الكبيرة تسبح في الضوء يصلها من الحديقة المحيطة بالبيت عبر جدران من النوافذ...
الحوائط الأخرى كلها كتب... مائده عريضة في طرف القاعة عليها اناء عتيق من المعدن تملؤه مجموعة زهور برية صغيرة متنوعه الألوان...
ساعة قديمة كبيرة تقف في جانب آخر من الغرفة بجوارها مقعد عليه آلة كمان،وبجوار المقعد حامل عليه دفتر نوتة موسيقية...
أقترب الاستاذ "هيكل" أكثر من رفوف الكتب ولفت نظره أن معظمها باللغة الالمانية وحاول أن يَسْتَطْلِعَ عناوين بعضها،ولكنه لم يكد يفعل حتى سمع صوتا خافتا من خلفه يسأله
-هل تعرف "الألمانية"...؟
واستدار بسرعة فوجد "آينشتين"أمامه...الرجل الذي أعطى الدنيا -بنظرية النسبية- مفتاحا جديدا لفهم الكون وفتح الباب لعصر جديد هو العصر النووي... اذن فهذا هو "أعظم الاحياء في عصرنا "طبقا لتعبير شيخ الدبلوماسين " محمود عزمي" و"الخالد الأكبر من اهل هذا الزمان "طبقا لتعبير الناقد الأدبي "لويس عوض"...!
وقال إنه لم يكن في شكله -على الفور- ما يوحي بشيء من هذا كله... كان أكثر أقصر مما تصور وأنحف أيضا...
ملامحه كانت كما يعرفها من الصور... شاربه المتهدل أكبر... ملابسه لا علاقة لها بجسمه كأنها صنعت منذ عشرات السنين لرجل غيره ثم اختلفت مقاييسها مع الزمن عن حجم لابسها الآن...
كان صوته خفيضا ونبرته غريبة عندما راح يتحدث بانجليزية ملكونة...
وقال انه كان يفضل اللغة الالمانية وظل يختار الكلام والكتابه بها كلما أمكن حتى نهاية حياته...
وسأله "آينشتين" بابتسامة فيها كثير من التردد والحياء
- "هل انت على استعداد للمشي"...؟
"الأسبوع القادم باذن الله أكمل حوار الأستاذ "محمد حسنين هيكل" مع "آينشتين" عالم الطبيعيات الأكبر وصاحب نظرية النسبية".