بينما كنت أتابع أهم الأخبار على الشبكة العنكبوتيه، (الإنترنت) إذا بعينيَّ تقع على صفحة تحمل اسم"النداهه"..!
استوقفني هذا الاسم وشد انتباهي ووجدتني أبعث بطلب إضافة لهذه الصفحه كنوع من الفضول وحب الاطلاع حول ما تحمله هذه الصفحه وماتبثه من منشورات وأفكار ...
و ما هي غير دقائق معدوده حتى كنت بداخلها أتجول حول منشوراتها..
وبالفعل صدق هاجسي حين وجدت أن حديثها كله عن النداهة والمارد الطويل الذي هو أطول من النخيل والجن والعفاريت!
وجدت حكايات وحكايات وقصص من الأساطير وكأنها حكايات من ألف ليلة وليلة...
فتذكرت أحاديث جدتي في قديم الزمان حين كنا نلتف حولها في ليل الشتاء الطويل وهي تسرد لنا القصص عن الجن والعفاريت وعن النداهة التي كانت تنادي على الناس بداخل بيوتهم بعد منتصف الليل وويل من خرج معها سيرا حيث أنها تجئ له على شكل امرأة فائقة الحسن والجمال ثم فجأة تكشف له عن ساقيها اللذان هما ساقي ماعز!
بل وتقرر جدتي رحمها الله أنها كانت تسمع صوتها بل وتجزم تارة اخرى انها رأتها مرات ومرات!
بل كانت تحكي لنا عن العفريته التي كانت تجلس بجوار الحنفية العامة بالقرية تمشط رأس صغارها العفاريت!
ومع حكايات جدتي وتدفقها بصوت خافت كان احيانا ينقطع التيار الكهربائي فيعم الظلام المكان ومع ارتطام صوت المطر بالأرض ومع أصوات الرعد ووميض البرق كنا نبادر خوفًا ورعبا بالامساك بأطراف ثوب الجدة الحاكية لا سيما مع تردد صدى صوتها في سكون الليل البهيم!
بل لطالما كانت الأم تطلب من صغيرها الباكي أن يكف عن البكاء وإلا أحضرت له النداهة!
ذكريات شكلت جزء كبير من ثقافتنا ومن أفكارنا عن عالمنا الذي نعيشه وما يحيط به من عوالم أخرى خفية.
وإذا كان الإنسان وفي رحلته العابرة مطالب بالبحث عن المفيد والنافع والمعلوم لديه من فكر وعلم وعمل وليس مطالب بالوقوف على المجهول من حوله إلا أن طبيعةهذا الإنسان ذاته قد جبلت على الخيال الواسع والمتمدد بحثًا عن المجهول حتى وإن كان يفزعه ويؤرقه ويقض مضاجعه!
واذا كان للجن وللعفاريت الزرق عالمهم الآخر والذي له قوانينه وأحواله الخاصة إلا أن ذلك لم يمنع البعض من محاولة اقتحام هذا العالم وايهام العامة والخاصة بقدرتهم على السيطرة وتسخير الجن والعفاريت متحصلين جراء ذلك على الهدايا والأموال الطائلة التي قد تصل إلى ملايين الجنيهات!
كل هذا الموروث الثقافي والشعبي جعل المغرر بهم من الناس يعتقدون في السحرة وقدرتهم على زواج العانس وفك السحر ورد المطلقة وشفاء المريض والرزق الوفير!
وكلها أوهام وقع فريسة لها الأبرياء والضحايا ممن ساقتهم الظروف وضغوط الحياة إلى الدخول في هذا النفق المظلم.
أن أشد ما يواجه الأمم هو تجريف أفكارها وثقافتها ودغدغة مشاعرها ومن ثم القضاء على هويتها إلى الأبد.
واذا كانت صفحات الدجل والشعوذة تبث على الانترنت واذا كانت كتب السحر الأسود تباع على الأرصفة في الأحياء الشعبية والراقية فإن ذلك ناقوس خطر يجب مواجهته أمنيا وفكريا والضرب على يد هؤلاء السحرة بيد من حديد .
لا سيما وكم هتكت من أعراض وشردت من أسر وضاع شباب وفتيات جراء التغرير بهم!