لقد تناولنا في المقال السابق كيف استطاعت جبهة الإنقاذ أن تخرج من معركة الاستفتاء على الدستور رابحة وأكثر قوة من السلطة التي قامت بتمرير الدستور بعدد قليل من المواطنين، وأنها تمثل بارقة أمل لعموم المصريين؛ حتى لا ينفرد فصيل واحد مرة أخرى بالحكم ويتحكم في مصير الجميع، وذلك من أجل الحفاظ على الوسطية، السياسية والاجتماعية والدينية، المصرية. كما تناولنا الأسباب والمعوقات التي ربما تقف حائلاً أمام استمرار الجبهة في التوحد. وسوف نتناول في هذا المقال مستقبل جبهة الإنقاد.
جاء تشكيل جبهة الإنقاذ من رموز وطنية كبيرة، مثل الدكتور البرادعي وعمرو موسى وصباحي وعبد الغفار شكر وجورج إسحق، وهو ما يمثل عاملاً مهمًّا في قوتها وضعفها في ذات الوقت. فهو عامل قوة؛ لأن هذه الرموز لها مصداقية لدى قطاع واسع في الشارع المصري، ولكنه عامل ضعف؛ لأن تشكيلها جاء بسرعة، ومن ثم تحمل في طياتها الكثير من الأحزاب المتناقضة أيديولوجيًّا مع بعضها البعض، وبدون وضع ضواط ومعايير لتسوية الخلافات بينها، هذا بالإضافة إلى انشغال هذه الرموز بقضايا هي أكثر من قضايا الجبهة، حيث توجد اهتمامات دولية لبعضهم، وانتخابية للبعض الآخر. وإن لم يدرك القائمون عليها ذلك، ومع احترامنا الشديد لهذه القامات الكبيرة، فإنها مهددة بأن تلقى نفس مصير التحالفات واللجان التنسيقة الحزبية السابقة.
ومن الأهمية الإشارة إلى مجموعة من العوامل والمحددات التي ستوقف عليها سيناريوهات مستقبل الجبهة، وهي كما يلي:
أولاً: مأسسة الجبهة: بمعنى مدى قدرة الجبهة على تشكل “,”هيئة عليا“,” لها ممثلة لجميع الأحزاب والقوى الثورية، وليكن اسمها «المجلس الأعلى للجبهة»، ويتمثل دورها في وضع الخطوط العامة، ورسم السياسات التي يجب تنفيذها خلال المرحلة المقبلة، ومن خلال الأحزاب والقوى المكونة لها.
ثانيًا: مركزية التنظيم ولامركزية القرار: بمعنى أن يترك لكل حزب سياسي الحرية التامة في اتخاذ مواقفه الخاصة به بما يتماشى مع مبادئه وأهدافه ورغبات كوادره، على ألا يتناقض ذلك مع سياسة وموقف الجبهة، أو حتى الخطوط العامة لها.
ثالثًا: تصعيد الصف الثاني من الشباب في الجبهة للرأي العام والإعلام: واعتبار الرموز الوطنية الكبيرة هم “,”المجلس الأعلى للجبهة“,”، حتى يتحمل الشباب، ليس فقط مسئولية استمرار الجبهة، ولكن ترك مساحة أكبر لبناء كوادر جديدة قادرة على العطاء في المرحلة المقبلة.
رابعًا: تعامل السلطة مع الجبهة: وهنا ربما يتكرر المشهد الذي كان يحدث في عهد الرئيس مبارك من اختراق للجبهة، واتباع السلطة سياسة “,”فرقة تسد“,”، وذلك عن طريق استمالة بعض الأحزاب المكونة لها بالوعود ببعض مقاعد البرلمان أو الحكومة، أو أن الحكومة ستقوم بتنفيذ سياسات معينة لصالح الشعب، وتعبر عن رغبات المعارضة. وأعتقد أن جماعة الإخوان تمتلك، مثل الحزب الوطني، الكثير من الأدوات التي تستطيع عن طريقها اختراق المعارضة.
وبناء على العوامل الأربعة السابقة، فيمكن التحدث عن ثلاث سيناريوهات لمستقبل جبهة الإنقاذ:
السيناريو الأول: الانهيار: وأن تعود القوى والأحزاب المكونة لها إلى طبيعتها الأولى، حيث التشتت والتشرزم في المعارضة وعدم القدرة على التأثير في المشهد العام، واللهث وراء المصالح الشخصية في كل حزب؛ ومن ثم الانشقاقات والصراعات الحزبية.
السيناريو الثاني: الاستمرار بدون فاعلية: حيث بدأت المؤشرات على الانقسام في الجبهة بالفعل، برغبة عدد من أحزابها بخوض الانتخابات القادمة بقوائم منفردة بها؛ ومن ثم سيكون هناك تنافس انتخابي، ليس فقط بين مكوناتها ولكن مع أحزاب وقوى أكثر تأثيرًا وتنظيمًا في الشارع، وتجيد عملية حشد وشحن المصريين أمام صناديق الاقتراع.
السيناريو الثالث: الاستمرار بفاعلية سياسية: حيث ستخرج الجبهة بعدد من مقاعد مجلس النواب، بعد صراع انتخابي شرس بين أحزابها والأحزاب ذات المرجعية الدينية؛ ومن ثم لن تجد بديلاً عن الاستمرار في التنسيق السياسي بين مكوناتها.
والخلاصة، فإن السناريوهات الثلاثة مرتبطة بعضها ببعض، وتقع على خط مستقيم واحد، وأعتقد بأن السيناريو الثالث هو الأقرب إلى الواقع الفعلي.