الخميس 30 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

طقوس قرية «بني سلامة» في عيد الأضحى

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تختلف طقوس ومظاهر الاحتفال بعيد الأضحى المبارك في مختلف المحافظات، من حيث العادات والتقاليد المتبعة والمتعارف عليها بين الأعراف، التي ما زالت تحتفظ بالكثير من المظاهر القديمة والتنوع الثقافي والامتداد إلى الجذور، ومن بين هذه المحافظات محافظة الجيزة خاصة قرية بني سلامة.

 

بني سلامة قرية يغلب عليها نمط ثقافة البدو المتريف

ويقول الدكتور محمد أمين عبد الصمد، المشرف على إدارة التراث الشعبي بالمركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية، إن قرية «بني سلامة» التي تقع في محافظة الجيزة، وتستند على فرع رشيد، تمتد أطرافها وجذعها في الصحراء الغربية المصرية، بعائلاتها وقبائلها، ويغلب على القرية نمط ثقافة البدو المتريف مما يجعلها سبيكة ثقافية متميزة تختلف عما يجاورها من قرى، وهو ما يعطي لها بعض التمايز في احتفالاتها الشعبية بالأعياد والمناسبات الاجتماعية؛ تبدأ ملامح الاحتفال في القرية قبل العيد بعشرة أيام على الأقل، بشراء الأُضحيات، وكل حسب مقدرته، من قِبَل المُربين والفلاحين، أو من سوق مخصص لبيع المواشي الذي يُقام نهار الثلاثاء من كل أسبوع في قرية أبو نشَّابة الواقعة شمال قرية بني سلامة، أو عن طريق سماسرة القرية، وتُستقبل الأضحية باحتفاء شديد من قِبَل أهل المنزل خاصة السيدات والأطفال، ويضعون على جبهتها حفنة من الدقيق تيمنًا واستبشارًا.
وواصل «عبد الصمد»، أن بعض بيوت القرية كانت منبرا لأغاني الحجيج التي تُسمى «التحنين»، وتؤديها السيدات ممن لهن شخص يؤدي فريضة الحج في هذا التوقيت، ومن أغاني التحنين التي تُغنى: «رايحة فين يا حاجة.. يا أم الشال قطيفة.. رايحة أزور النبي محمد.. والكعبة الشريفة»، وأخرى ترصد التغير في وسيلة الوصول إلى الحجاز لأداء مناسك الحج: «يا وابور النبي يا أحمر يا دومي.. من يوم ما هويت النبي صحاني من نومي» وغيرها ترصد بعض المخاوف، والاعتداءات التي كانت تنتاب الحجيج نتيجة لما كانوا يلاقونه من صعاب، وكذلك عودة الحجيج، وغيرها من أغاني التحنين التي تعكس تأثر القرية بفنون الفلاحين المحيطة بها وامتزاجها بأغانيهم.


تزيين المنازل وشراء الأقمشة

وأضاف عبدالصمد، أنه في ذات الوقت تُزين منازل القرية بالدهان لثلاثة أسباب الأول: يرتبط بمناسبة عودة الحاج من أداء الفريضة، دهان المنزل وحرص أهل الحاج على وجود رسوم للكعبة المشرفة باستارها السوداء الشهيرة، ورسم وسيلة السفر سواء كانت الإبل في مرحلة ما أو الباخرة، والطائرة مؤخرا، مع كتابة عبارات التهنئة النمطية مثل: «حج مبرور وذنب مغفور، وحمد لله على السلامة يا حاج فلان، ويا داخل هذا المكان صلي على النبي العدنان» وغيرها من الجمل الشهيرة والنمطية التي تنبئ بأن في هذا المنزل من قام بأداء فريضة الحج، ويقوم أهل المنزل بوضع راية بيضاء اللون أو خضراء مكتوب عليها «الله أكبر»؛ والثاني: يقوم الأهالي بدهان منازلهم استعدادًا للاحتفال بزواج أحد أبنائها، ويحرصون في هذه الحالة على رسم هودج العروس، ويسمونه «جِحْفِه»، وأيضا فرقة طبل بلدي وبعض جمهورها، مع جمل متعددة للتهنئة، ودرء الحسد؛ أما الثالث هو دهان المنزل بالجير والصبغات اللونية المبهجة لاستقبال العيد، وما كان يجعل هذه العملية سهلة قلة الكلفة، والرغبة في إشاعة البهجة والاحتفال بالعيد، ومشاركة الجميع في هذه الحالة المبهجة.
في حين يحرص أغلب الأسر على شراء الأقمشة من سوق الإثنين بالقرية اللازم لحياكة الملابس الجديدة لأبناء الأسرة، وكان حائكو الملابس يصنفون حسب النوع، فالحائك الرجل يقوم بحياكة الملابس للرجال، والشباب، والأطفال، والحائكة السيدة للسيدات، والبنات، وكان الجلباب البلدي هو زي الرجال والشباب فمن بلغ مبلغ الرجولة عليه الالتزام بارتدائه، وكان بعض المتعلمين الشباب يحيكون ملابسهم بنصف ياقة، وكانت علامة بشكل ما لزي المتعلمين وموظفي الحكومة، أما الموسرين يحيكون ملابسهم من قماش غالي الثمن مثل «الكشمير»، ومن يقوم بالحياكة يستخدم مهارته اليدوية في حياكة «القيطان» وهو شريط تتم خياطته بطرف الملابس والرقبة، لذلك كان أجر حياكة هذا النوع من الملابس أغلى من إستخدام ماكينة الخياطة فقط، وكان يلزم هذا الجلباب الملون الثقيل حياكة آخر من قماش «الدبلان الأبيض» وارتدائه بطانة للجلباب الأصلي ذي اللون الغامق، وحائك الملابس في القرية من غير أبنائها لفترة طويلة، وكانوا توطنوا القرية لافتقاد أبنائها تلك المهارة، ولم يمنع هذا بعض الموسرين من أهل القرية من الذهاب إلى حائكين بالقرى المجاورة، ممن يحوزون شهرة كبيرة لتميزهم سواء في قرى وردان أو الخطاطبة. 


إنهاء الخصومات والخلافات

لذلك يحرص أبناء القرية على إنهاء الخلافات العائلية والخصومات الشخصية، التي تولدت خلال فترة العام المنصرم، فيسعى بعض رجال القرية ممن اشتهروا بالسعي لإصلاح ذات البين إلى إنهاء تلك الخصومات والخلافات بين أبناء القرية، حتى يأتي العيد على الجميع وهم في حالة تصافٍ ووئام، حتى إن بعض تلك الجهود تسعى إلى إعادة الزوجات الغاضبات من بيوت أسرهن إلى بيوت أزواجهن، باعتبار أنه من غير اللائق أن يأتي العيد وإحدى السيدات خارج بيتها، كذلك عودة أبناء القرية من المغتربين سواء خارج مصر أو داخلها، ومن يتخلف عن العودة يحرص على إعادة أولاده للقرية قبل العيد؛ ليقضوا العيد مع أهلهم، وكانت حالة البهجة تتأكد باجتماع شمل الأسر والعائلات، وتأكيد انتماء المغترب للقرية ومحاولة لربط أولاده بقريتهم وأهلهم، وحتى لا يؤاخذ اجتماعيا أو تؤاخذ عائلته، ويكون حضور المغترب فرصة للتمهيد للزيجات بين أولاد أبناء القرية المقيمين والمغتربين ممن في سن الزواج، وذلك لحرصهم على الزواج من عائلاتهم وإن لم يكن فعلى الأقل من أبناء وفتيات قريتهم.
كما يفترش أبناء القرية الرمال البيضاء أمام منازلهم وفي الطرقات المؤدية لها، وكانت فرصة مكسب مالي كبير لكاتب هذه السطور مثل كل من يملكون جِمالا وكانت القرية مُقسمَّة على الجمَّالين، لكل صاحب جَمَل جزء مخصص له من بيوت القرية ليحضر لهم الرمال البيضاء من «العِلْوَاية»، وهي تبة رملية بجوار القرية، يتقاضون عليها أجرا سخيا، وكان على صاحب كل جمل إحضار دور أو دورين لبعض البيوت التي لا تستطيع دفع أجر الجمل والجمَّال، ويعتبر أن هذا زكاة عن نفسه وعن جمله وما ربحه في هذا اليوم، ومساهمة منه في إدخال الفرحة على قلوب تلك الأسر مثل غيرهم ممن يجاورهم، وكان على جمَّالي كل مربع في القرية إحضار بعض الأدوار من الرمال البيضاء ووضعها في الأماكن المنخفضة والحُفر الموجودة في الطرق، أو لتجفيف الحفر الممتلئة بالماء، التي تكون موجودة بطرقات القرية، إستعدادًا لليوم التالي «العيد» والتخلص من كل ما يعوق الناس أو يؤذيهم.


ذبح الأضحية

وأشار عبدالصمد، إلى يوم العيد قد يحرص الجميع أيضًا على ذبح الأضحية مع توضيح كيفية توزيعها لأبنائه أو من يرسلهم بالأنصبة لأصحابها ومستحقيها، وكان من أبناء القرية من يقوم بذبح الأضحية بنفسه، وإن كانوا في السنوات الأخيرة يعتمدون كلية على الجزارين سواء الدائمين أو المؤقتين، وللجزار أجر نقدي معلوم، وقد يأخذ نصيباً من اللحم، وكذلك فروة الذبيحة؛ ويذهب الرجال إلى صلاة العيد التي كانت تُقام سابقا في الخلاء في مساحة صحراوية على حافة القرية اسمها «العِلْوَاية»، وبعد التوسع العمراني للقرية، واختفاء كل المساحات الفضاء في القرية وما حولها، أصبح أبناء القرية يصلون صلاة العيد في مركز الشباب بالقرية، وتبادل المصلون التهاني بالعيد، وتوزع البيوت القريبة من المركز بعض الحلويات المغلفة على المصلين بعد انتهاء الصلاة كنوع من الاحتفاء بالعيد.
وينطلق المصلون إلى مقابر القرية في جماعات عائلية، مع الحرص الواضح على إبراز الطابع العائلي لإعطاء صورة للمجتمع تعكس ترابطهم وتماسكهم، وهو ما ينعكس على صورتهم الاجتماعية، والتحرك في جماعات ناحية المقابر، ويراعى فيها التراتب؛ فالأكبر سنا  يكون في مقدمة السير ويليه الأصغر، وكسر هذا التراتب العمري في حالة واحدة وهي أن يكون الأصغر أعلى في المرتبة القرابية؛ وتتبادل الجماعات مع الآخرين السلام والتحية وتبادل عبارات: «بعودة الأيام»، «وكل سنة وأنتم طيبين»، و«زي اليومين دول تكونوا على جبل عرفات» وغيرها، والانطلاق إلى أقرب منزل لعم لهم ويقومون بواجب المعايدة وتناول الإفطار، وفي هذا الأثناء يقومون بتحديد خط سير معايدتهم في القرية ومنهم من ينطلق بصحبة مجموعة أخرى للمعايدة على أقاربهم في القرى المجاورة وقد يتجه بعضهم خاصة الكبار إلى الذهاب لوادي النطرون أو عزبة بني سلامة والقرى المجاورة للمعايدة على أفرع عائلاتهم هناك، وعزبة بني سلامة قرية صغيرة تتبع وادي النطرون لها ذات اسم قرية بني سلامة وبها أفرع من أغلب العائلات الأم وكأنها صورة مصغرة منها.

العيدية والمعايدة

ويحرص أرباب الأسر على إرسال نصيب الابنة المتزوجة من الأضحية مع بعض الهدايا العينية أغلبها من المواد الغذائية، وزيارتها في أول يوم، وبذل «العيدية» بسخاء لأبنائها، بالإضافة إلى التواجد بمنزل المتوفى الذي أتى أول عيد على أولاده بعد فقده، فيحرصون على الذهاب للمعايدة على هذه الأسرة ومحاولة إخراجهم من أحزانهم، ويتركون الأقرب للمتوفى سواء من أخوته أو أخوة أرملته في المنزل لإستقبال المهنئين بالعيد، وذلك دعما للأسرة، وإعطائهم الإحساس بأنهم ليسوا وحدهم، ويقوم أيضا أحد أقارب الغائب لأداء فريضة الحج بالتواجد مع أسرته لاستقبال المهنئين بالعيد، وأيضا المعايدة على كل من في القرية، لاتساع القرية حاليا وكثرة عدد سكانها، وتعد من الواجبات الاجتماعية اللازمة، وكذلك زيارة نساء القرية للمقابر والمعايدة على ذويهم المتوفين بعد عصر اليوم الأول للعيد، ويذهبن في جماعات، ويحرصن على ري نباتات الصبار ومعاينتها لترميمها إن احتاجت.
كما يصبح العيد وأيامه فرصة كبيرة لإتمام الزيجات في القرية، خاصة وأن كل أبنائها متواجدين والأقارب المقيمين خارجها، لتكون الفرصة قائمة لاختيار الزوجات المستقبليات لأبناء القرية، ورغم تغير مظاهر الاحتفال بالعيد والتأثر بالتنويعات الثقافية المجاورة لقرية بني سلامة، إلا أن العيد فيها ما زال يحتفظ بالكثير من مظاهره القديمة، لأنهم يعتبرونها من العادات الملزمة لهم ويعيبون من يخرج عليها