شوادر مزخرفة ومكبرات للصوت ورائحة الأضاحي تملأ الأرجاء مع سماعك وترديدك لتكبيرات العيد دون أن تشعر، هنا في مصر ترى مظاهر البهجة والاحتفال متأصلة في كل شيء حولك، فالمصريون يقتنصون الفرص لإسعاد أنفسهم وترى البهجة واضحة قبل "الموسم" بعدة أيام قد تصل إلى شهر كامل، وتقترن فرحة العيد وانتظاره بيوميات حياتهم فتتأجل معظم الزيارات والمواعيد «لبعد العيد إن شاء الله»، ويُجافي النوم أعين الأغلبية ويراقبون بشغف الضوء الأزرق الخافت الذي ينبعث منه نور الفجر للخروج لأداء صلاة العيد، حيث يبتهج المصلون خلال الصلاة الجماعية التي تقام في المساجد الكبيرة والمساحات الواسعة لتستوعب أكبر عدد من المصلين.
يوافق عيد الأضحى المبارك، اليوم العاشر من شهر ذي الحجة وذلك بعد يوم واحد من وقوف الحجاج على جبل عرفة وينتهي اليوم الثالث عشر من الشهر نفسه، ولعل أهم مظاهر الاحتفال بالعيد هو ذبح الأضاحي وتوزيعها على الفقراء والمحتاجين وهنا يتجلى في عيد الأضحى المبارك فعل العطاء والبذل والتضحية، ويتم تبادل التهاني بالمصافحة والتقبيل بين المصلين عقب أداء صلاة العيد، وتقديم العيدية للصغار والنساء وتبادل زيارات الأقارب.
يلتزم المسلمون بترديد تكبيرات العيد بعد أداء صلاة العيد ويتجهون لذبح الأضحية التي يجوز ذبحها من بعد صلاة العيد وحتى اليوم الرابع، وتُقسم إلى ثلاثة أجزاء، الأول لأهل البيت، والثلث الثاني للفقراء والمحتاجين ليشاركوا القادرين في الاحتفال بالعيد، والثلث الثالث يُوزع على الأهل والأقارب والأصدقاء حتى وإن كانوا قادرين، وتستمر الزيارات والتهاني لأربعة أيام متتالية.
«الكشاد والفتة والترمس».. سبب التسمية واختلاف مظاهر الاحتفال فى محافظات مصر
ترجع تسمية عيد الأضحى بهذا الاسم لأن المسلمين يقومون بالتضحية كسُنة يحيون بها ذكرى قصة سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل - عليهما السلام، وكان قد رأى سيدنا إبراهيم فى منامه أن الله تعالى يأمره بذبح ابنه إسماعيل، وقد كان الله تعالى يختبر قوة إيمانه، وصدق سيدنا إبراهيم رؤياه عندما رآها ثلاث مرات فى ثلاث ليالي متتالية، وعندما حان وقت تنفيذ أمر الله تجهز سيدنا إبراهيم بالسكين ليذبح ابنه إسماعيل بموافقة من ابنه، فناداه من السماء ملك يعلمه بأن امتحان الله لقوة إيمانه قد انتهى، وأن الله تعالى فدى إسماعيل بذبح عظيم.
وفى كل عام تتجدد المشاعر القيمة والنبيلة للقصة وترويها النساء على مسامع صغارهن ويعظم شيوخ المساجد العبر والدروس المستفادة أمام حشود المصلين، وتختلف مظاهر الاحتفال من محافظة إلى أخرى داخل الجمهورية، ففى محافظة "سوهاج" يقوم الناس بوضع الزينة على رأس الخروف قبل ذبحه، ووضع الحناء على جبهته، وتلوين بعض أجزاء جسمه، كذلك يقومون بالسير به فى الشوارع القريبة من المنزل ويغنون ويحتفلون، كما يقوم بعض الناس بوضع أيديهم فى دماء الأضحية بعد ذبحها، والختم بها على الحوائط والأبواب للذكرى وفى بعض الثقافات الشعبية يقال إنها تمنع الحسد عن أهل البيت.
وفى محافظة القليوبية تعد «الفتة» هى الراعى الرسمى للعيد إن صح التعبير، ويتم طهي اللحوم وتوزيعها مع أطباق الفتة و«الممبار»، وفى بعض القرى يتم إعداد مائدة أمام المنزل، ويعد الترمس والكحك والفول السوداني المملح أطباق رئيسية أمام الضيوف.
وفي النوبة تعتبر وجبة «الكشاد» من أشهر وجبات إفطار عيد الأضحى، والتى تتكون من الكبد والفشة والممبار ويتم طهيها فى «حوش البيت» على الفحم أو الحطب لتعزيز مظاهر الاحتفال، أما وجبة الغداء فتكون من نفس المكونات مضاف إليها الأزر والفتة ولحم الأضحية.
جزار لحوم جملي: بناكل الجمال المستوردة «مرعى بلدى» لمدة ٤ أشهر
قال محمد علام - جزار للحوم الجملي- إنه يعانى من ضعف الإقبال هذا العام على شراء اللحوم بسبب الارتفاع الباهظ فى أسعارها، مشيرا إلى أنه كل عام يقوم بنصب شادر أمام محل الجزارة وتباع الجمال بالكامل ويتم عرض غيرهم من المزرعة وذلك خلال شهر كامل قبل عيد الأضحى.
وأضاف «علام»، أنه يتم استيراد الجمال من السودان قبل العيد بأربعة أشهر حتى تأكل من «المرعى البلدى»، لأن طبيعة الأكل فى السودان تختلف عن هنا مما يؤثر على طعم اللحوم، لذلك يتم وضع «القش والبرسيم والضرورة والعليقة» حتى تتجدد ماء ولحوم الجمال لتصبح مثل طعم الجمال البلدى تماما.
وأشار «علام»، أن الجمل الواحد يحتاج حوالى ١٠٠ جنيه طعاما فى اليوم بخلاف عمالته، وأرجع ذلك إلى زيادة أسعار الأعلاف بشكل متضخم وصل إلى ٣٠٠٪، فكان طن الأعلاف العام الماضى يصل إلى ٥ آلاف وبحلول عيد الأضحى الفائت وصل إلى ٧ آلاف، أما الآن فقدأصبح بـ ٢٢ ألف جنيه، مؤكدا أن الإقبال ضعيف بنسبة ٨٠٪ عن العام الماضى، حيث كان يبيع كافة الجمال المعروضة قبل العيد بحوالي أسبوعين.
وأضاف أن كيلو لحوم «العجول الصاحية» وصل إلى ١٣٠ و١٤٠ جنيها فى بعض المناطق، وأن الجمل لا يتم تقديره بالكيلو بل «يباع صاحى على بعضه» وتتراوح أسعاره ما بين ٣٠ ألفا للجمل الواحد وقد يصل إلى ١٥٠ ألف جنيه.
وأكد أن فكرة أسهم الأضحية قد انتشرت بشكل كبير هذا العام قائلا: «حتى الجمل بقوا يتشاركوا فيه بالاتنين والتلاتة»، مضيفا أنه تم غلق عدة جزارات لضعف حركة البيع والشراء وهناك جزارون أصبحوا لا يذبحون فى المحل مثل السابق، بل يقوم بشراء «قطعة لحمة» تكون عبارة عن ربع العجل أو نصفه وبيعها بالكيلو.
وأشار إلى أن الغنى والفقير كان يأكل اللحوم فى العيد، ولكن مظاهر الاحتفال بالعيد مختلفة هذا العام، قائلا: «الناس نسيت شكل وطعم اللحمة بقالها مدة»، وهناك العديد من الناس تسأل عن أسعار الأضاحى ثم تهم بالانصراف ولسان حالهم يقول «بلاها لحمة فى عيد اللحمة».
مصارعة الأضاحي وتكحيل الخروف.. أغرب «تقاليع» الاحتفال حول العالم
لكل شعب موروثاته الثقافية وطريقته فى الاحتفال، فتختلف التحضيرات حسب العادات والتقاليد المتبعة، ففي الجزائر يتم وضع «الحناء» على جبهة الأضحية يوم الوقفة وتربط لها شريطة زهرية لتزيينها، كما تنظم «مصارعة الأضاحى» ويكون هناك «كبش» فائز بها، وفى ليبيا يتم «تكحيل» عين الخروف كما يتم تسميتها بأسماء أشخاص على قيد الحياة أو قد فارقوها بالفعل، اعتقادا منهم أن هذا الخروف سوف يمتطيه صاحب الاسم ويأخذه إلى الجنة يوم القيامة، وتنتشر فى اليمن حلقات الرقص بالخناجر كما يخرجون للصيد فى العيد كطقس أساسي ويدربون الأطفال على التصويب وضبط «نيشان» البندقية، ويحرص العراقيون على الإفطار الجماعى بـ«المطبك» وهوعبارة عن أرز ولحم.
أما فى الدول غير العربية، فهناك عادات غريبة مرتبطة بالمنشأ والبيئة المحيطة ويتم المبالغة فى إظهار البهجة، ففى باكستان لا يأكلون الحلوى مطلقا خلال أيام العيد ويقومون بتزيين "الأضحية" قبل شهر كامل مع الاحتفال والرقص يوميا وتوضع أكاليل الورود فوق رأسها وتلوين جسدها بالكامل.
ويشتهر مسلمو الصين بممارسة لعبة «خطف الخروف»، وتقوم هذه المسابقة على قيام أكثر من رجل بامتطاء ظهر الحصان والتوجه لمنطقة الهدف وتكون خروف العيد، وفى النهاية يتم إعلان فوز الرجل الذى استغرق أقصر مدة زمنية للهدف وتقديم الهدايا و«العيدية» له.
ويعد الشعب السعودى الأكثر بالمناسك الدينية المفروضة الخاصة بالعيد، فيتطيب الرجال بالعود ويلبسون الثياب البيضاء ويذهبون لصلاة العيد، أما الأطفال فيحملون سلال الحلوى والتمر لتوزيعها على المصلين، ويتبادلون تهاني العيد بقولهم «عساكم من عوادة».
جزار لحوم عجالى: «كنا بنشتغل فى موسم عيد الأضحى ليلا ونهارا»
قال عصام داوود، جزار للحوم العجالى، إنه رغم ارتفاع الأسعار هناك حركة مستمرة للبيع والشراء خلال أسابيع العيد أو الموسم، قائلا: «ده عيد اللحمة»، مضيفا أنه وصل سعر الكيلو إلى ٣٣٠ و٣٥٠ فى بعض المناطق وسعر الكيلو الصاحى إلى ١٣٠ و١٤٠ جنيها وكان بـ ٤٥جنيها العام الماضى.
وأضاف أنه كان يقوم بعمل شادر مزخرف ضخم أمام محل الجزارة قبل عيد الأضحى بشهر كامل وقد يزيد ويعرض به العجول والخراف والجمال، مشيرا إلى أنه فى بعض الجزارات كان العمال يأكلون الثلاث وجبات فى المحل، قائلا: «كنا بنشتغل فى موسم العيد ليل ونهار».
وأوضح داوود، أن قشرة اللوح فى الكتف الأمامى يستغلها أصحاب النفوس المريضة لكتابة الطلاسم والتعويذات وأذية الغير، مؤكدا أنه منذ بدايتها يقوم بكسرها قبل رميها، لأنه حتى تفى بهذا الغرض لا بد من استخدامها سليمة بدون أى كسور أو شروخ.
حج مبرور.. «جداريات الحج» وزفة الخروج بملابس الإحرام
يبدع المصريون فى مظاهر الاحتفال وخاصة المتعلقة بالمناسبات الدينية، فيعتبر المصريون أن الحج هو رحلة تطهير من الذنوب بمثابة ولادة جديدة، ويعد منزل الذاهب إلى الحج قبلة للزوار من الأقارب والجيران ويمتلئ البيت بالمهنئين وتقام على شرف الحاج الاحتفالات وهو يرتدي الزي الأبيض.
وفى بعض القرى والمناطق الشعبية يقوم الأهالى برسم جداريات الحج وتعد طقسا لا غنى عنه، وتكون رسومات بسيطة تعبر عن مناسك الحج كالكعبة ووسيلة السفر مع كتابة كلمات تعبيرية مثل «حج مبرور وذنب مغفور».
ويتجلى فن التعبير الشعبى المصرى فى تلك الجداريات، فتراها تعبيرا ومحاكاة عن نزعة المصرى القديم فى النقش والرسم على جدران المعابد، كما يتطور الأمر فى بعض القرى إلى تخصيص «زفة بلدى» للذاهبين إلى الحج وخاصة فى صعيد مصر، وتتنوع الأغنيات بين توديع الحجاج من منازلهم وأخرى لاستقبالهم بعد العودة، وثالثة كان الحجاج يتسلون بها فى طريق الرحلة، ومن التراث الشعبى أغنية«حاجة يا أم الشال قطيفة» و«بعيدة يا بلاد الرسول.. بعيدة يا بلاد النبى».
تقام للحاج مراسم كالأعراس عند عودته لمنزله سالما من رحلته المباركة، فترى الحاج بطلا لليلة تقام فيها الموائد لإطعام الفقراء ويتم طلاء المنازل من الخارج بالكامل مع وجود جداريات الحج بشكل لا غنى عنه، ويطل «الحاج» بالرداء الأبيض ويخرج الأهل والجيران لاستقباله بالغناء والزغاريد على أنغام الطبل والمزمار.