الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

جاك لانج عاشق الوطن العربى: معهد العالم العربى جسر تواصل بين الشرق والغرب

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 

يوسف شاهين أول من زارنى بعد ساعات من استلامى عملى وزيرًا للثقافة.. والمخرج الكبير وراء مشاركة فرنسا فى إنتاج الأفلام فى مصر والمغرب العربى وأفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى وأماكن أخرى

أعشق اللغة العربية ويجب على العرب أن يفخروا بها.. إنها لغة جميلة فيها نغمة ممتعة من الناحية الموسيقية.. ورسوم حروفها فن جميل وثرية فى مفرداتها المذهلة.. وبفضلها عرفنا فى الغرب عظماء الفلاسفة والرياضيين وكبار العلماء العرب

ننظم أسبوعيًا ندوة للفلسفة العربية والكثير يأتون كل ثلاثاء وأتمنى أن نعمم المبادرة فى جميع أنحاء العالم حتى يتمكن الناس من معرفة كنوز الأفكار العربية وتأثيرها الإيجابى على الثقافة الغربية.. وأناشد الدول العربية إعطاء الفلسفة العربية مكانة أكثر أهمية فى المجتمعات الحالية

نظمنا معارض كبرى تميزت بالخيال منها مسيحيو الشرق ويهود الشرق وقناة السويس والمغرب المعاصر والآثار المهددة بالانقراض

الذين يحاربون تعليم اللغة العربية فى بلادنا متعصبون للغاية.. أفضل طريقة لمحاربة الأصولية والتطرف تكون بالثقافة والعلم.. ومعرفة لغات العالم تمثل الطريق نحو صنع السلام فى كوكبنا

ميتران صاحب فكرة المعهد.. وديستان أول من وضعه حيز التنفيذ لتخفيف التوترات بعد أول أزمة نفطية شهدها العالم

استضفنا ياسر عرفات فى لقاء تاريخى عام 1989 بناء على طلب ميتران ودار حوار مع المثقفين الفرنسيين والعرب

رئيس معهد العالم العربى فى باريس منذ 25 يناير 2013.. جاك لانج الذى لا يكل ولا يمل هو رجل ثقافة بامتياز. لديه رؤية سياسية وثقافية متكاملة. كان وزيرًا عدة مرات فى الحكومات اليسارية، كان وزيرًا لامعًا للثقافة من 1981 إلى 1986، ثم من 1988 إلى 1993، وكان أيضًا وزيرًا للتربية الوطنية من 2000 إلى 2002  فضلًا عن تولى منصب المتحدث باسم الحكومة. على وجه الخصوص، أطلق يوم عيد الموسيقى الذى تحتفل به فرنسا كل عام حتى اليوم.

أحد المخلصين للزعيم الاشتراكى فرانسوا ميتران. فى عام 2013 عين من قبل الرئيس فرانسوا هولاند لرئاسة معهد العالم العربى فى باريس. أصبح معهد العالم العربى تحت قيادته، جسرًا بين الشرق والغرب. ولد جاك لانج عام 1939، وتخرج فى معهد الدراسات السياسية فى باريس، حاصل على دكتوراه فى القانون العام وفى العلوم السياسية، وكان أستاذًا للقانون العام وعميدًا لكلية الحقوق فى جامعة نانسى. فى عام 1963، أنشأ مهرجان جامعة نانسى الدولى للمسرح قبل أن يتولى إدارة المسرح الوطنى  Théâtre National de  فى عام 1972. بدأ حياته السياسية فى عام 1977 بصفته مستشارًا لبلدية باريس. ثم عمدة بلوا من 1989 إلى 2000، وكان أيضًا نائبًا لأكثر من 20 عامًا.

فى عام 1997، أصبح رئيس لجنة الشؤون الخارجية فى الجمعية الوطنية (البرلمان). وتولى أيضًا منصب رئيس لجنة التحكيم فى مهرجان برلين السينمائى وتولى إدارة مسرح بيكولو تياترو فى ميلانو.

من عام 2000 إلى عام 2002، انضم إلى حكومة رئيس الوزراء ليونيل جوسبان وزيرًا للتربية الوطنية. كان جاك لانج أيضًا المستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، بان كى مون، بشأن قضية القرصنة الدولية. فى عام 2013، عينه الرئيس فرانسوا هولاند لرئاسة معهد العالم العربي. وهو مؤلف للعديد من الكتب والمقالات المرجعية. التقى موقع "لو ديالوج" بهذا الرمز الثقافى الفرنسى والصديق الكبير للعرب فى مكتبه، فكان هذا الحوار.

لو ديالوج: هل لك أن تخبرنا عن علاقتك بمعهد العالم العربي؟

جاك لانج: أولًا، أنا مرتبط عاطفيًا بمعهد العالم العربى، بل أقول وجدانيًا بهذا البيت، لماذا؟.. بداية، لقد أحببت العالم العربى دائمًا، ولدت بوعى مسالم، فمنذ كنت فى المدرسة الثانوية كنت ملتزمًا مع كفاح البلدان التى كانت تناضل من أجل استقلالها، تونس والجزائر والمغرب. ثم أعطتنى الحياة فرصة التعرف على أصدقاء من العالم العربى، من كتاب، وصانعى أفلام، وموسيقيين وطلاب أيضًا لأننى بصفتى أستاذًا فى القانون، أشرفت على أطروحات العديد من الطلاب من بلدان المغرب العربى بشكل خاص. وكان أول زائر لى عندما وصلت إلى وزارة الثقافة هو المخرج يوسف شاهين، وقد اتصل بى فى مكتبى بعد ساعات قليلة من استلامى لعملى، وأخبرنى قائلا وبلا مقدمات كعادته: جاك، أود أن أراك الآن

لو ديالوج: هل كنتم تعرفون بعضكما من قبل؟

جاك لانج: نعم، لقد عرفنا بعضنا البعض قبل ذلك بسنوات، قلت له بالطبع تعالى الآن، ولما جاء أقنعنى يوسف باقتراح سياسة دعم لصانعى الأفلام فى دول الجنوب، وهو ما فعلناه معًا، وهذا ما سمح بعد ذلك إنتاج الكثير من الأفلام فى مصر والمغرب العربى، وفى أفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى وفى أماكن أخرى.

وعندما عيّننى الرئيس فرانسوا ميتران وزيرًا للثقافة، كانت إحدى مبادراتى الأولى المعهد، قلت له: سيادة الرئيس، تم إنشاء معهد العالم العربى على الورق ولكن ليس له مقر، أقترح بناء بيت للثقافة العربية. قال: نعم إنها فكرة جيدة جدا.
 

لو ديالوج:  إذن،  لم تكن فكرة معهد العالم العربى تعود لميتران؟

جاك لانج: بالطبع كانت فكرته، فقد جعلها حقيقة، لكن فى الواقع، كان فاليرى جيسكار ديستان أول من تصور الهيكل من أجل تخفيف التوترات فى ذلك الوقت والسماح بالتعاون والإبداع بعد أول أزمة نفطية شهدها العالم. وبسرعة كبيرة، فى خريف عام ١٩٨١، قام الرئيس فرانسوا ميتران بزيادة حجم المشروع وصقله بشكل كبير من خلال ضمان تخصيص مكان له على ضفاف نهر السين وكانت قطعة أرض تابعة لجامعة بيير ومارى كورى للعلوم بباريس وحتى ذلك الحين كانت غير مستخدمة. لقد استشارنى وفكرت كثيرًا ثم طرحت مسابقة بين المواهب الشابة لتصميم مكان استثنائى فى قلب الحى اللاتيني، وكان ذلك بمجرد وصولى للوزارة فى مايو ويونيو ١٩٨١. قمت بإجراء مسابقة صغيرة للمهندسين المعماريين الشباب فقط، وأردت تشجيع الشباب، جان نوفيل، وبيير سوريا، وجيلبرت ليزين، ومهندسين من استوديو الهندسة المعمارية وتم استشارة المهندس المعمارى السعودى زياد زيدان. كان جان نوفيل هو من لفت انتباهنا.. لقد اخترته، وكانت لديه موهبة، فقد أحببت عمله كونه صمم رمزًا معماريًا حديثًا يجسد الحوار بين الثقافة الغربية والعالم العربى، ويطل على ضفاف نهر السين بباريس. أصبح المعهد بسرعة كبيرة جزءًا من المشهد الثقافى الباريسى وشاهدا جديدًا على الثقافة العربية فى فرنسا وأوروبا. لم يكن جان نوفيل معروفًا، وبفضل عمله الرائع أصبح نجمًا عالميًا. كان جان نوفيل مهندسًا معماريًا شابًا وكان يبلغ من العمر ٢٦ عامًا.

 

لو ديالوج: من زار المعهد من رؤساء فرنسا ومن الزعماء العرب؟

جاك لانج: ما يسعدنى الآن، أنه منذ تعيينى رئيسًا لمعهد العالم العربى، جاء الرئيس فرانسوا هولاند ٤ مرات إلى المعهد، والرئيس نيكولا ساركوزى مرتين، والرئيس إيمانويل ماكرون ٨ مرات، بالإضافة إلى الملوك والأمراء والوزراء العرب والأوروبيين وكذلك ملوك وأمراء ورؤساء العالم.. قبل ذلك لم يكن يزور المعهد أى حاكم، لذلك فأنا مرتبطً بهذا البيت العربى منذ اليوم الأول، إنه نوعا ما بمثابة طفلى، صحيح أنه تم إنشاؤه بواسطة دول عربية وفرنسا، لكن هذا المكان اعتبره إبنى فأنا الذى كنت وراء إنشائه، لقد تابعت الحياة الثقافية بل وحتى السياسية باستمرار فى هذا المعهد.

لو ديالوج: سياسية؟

جاك لانج: نعم سياسية كذلك، على سبيل المثال، كان هناك لقاء تاريخى، طلب منى الرئيس ميتران تنظيمه هنا مع ياسر عرفات فى عام ١٩٨٩، فى الوقت الذى تم رفضه من قبل الجميع، استقبلته فى معهد العالم العربى مع المثقفين، وهناك لقاءات مهمة وندوات سياسية تعقد أيضًا.

لو ديالوج: فرانسوا هولاند أراد فقط أن يختارك فى موقع قانونى، فما الذى حدث آنذاك؟

جاك لانج: عندما سألنى الرئيس هولاند بعد انتخابه ماذا أريد أن أفعل، وعما إذا كنت أريد أن أذهب إلى المجلس الدستورى!.. أجبته: "فرانسوا، صحيح أنا أستاذ قانون.. ولكن فى الوقت الحالى، ما زلت أرغب فى النضال وتحقيق الإنجازات"، وقلت له: "لعلك تعلم أن معهد العالم العربى يواجه صعوبة كبيرة، ويعانى عجزًا فى قلة المشاريع"، وأخبرته أنه مؤسسة رائعة ولكنها منسية، ما يهمنى فى الحياة هو القيام بأشياء صعبة وخاصةً عندما يتعلق الأمر ببيت كهذا، فقلت له: إجعلنى على رئاسة المعهد بالاتفاق مع الدول العربية وسنحارب معًا حتى يصبح أخيرًا مؤسسة متألقة ومنارة فى فرنسا وفى العالم العربي.

لو ديالوج: بمجرد أن أصبحت رئيسًا للمعهد العالم العربى فى عام ٢٠١٣، شاركت فى تعميق العلاقات الفرنسية العربية، ما هى أفضل الإنجازات التى حققتها؟

جاك لانج: كما تعلم، أعتقد أنه للقيام بالأعمال الصحيحة، ليس فقط هنا ولكن فى الحياة أيضًا، فأنت تحتاج أولًا إلى الشغف وحب الآخرين والفضول الفكرى والعزيمة والإصرار والمثابرة، لا أقول إننى أمتلك فقط الصفات الحسنة، بل لدى أيضًا قليل من العيوب، لكن لم أجد صعوبة كبيرة فى تحقيق الأشياء الجيدة، لأن النخب المثقفة، والمثقفين فى العالم العربى كانوا يأملون أن يصبح هذا المعهد يومًا ما مؤسسة حية مرة أخرى، لذلك حدثت الأمور بشكل طبيعى، وقبل كل شيء نحن نظمنا معارض كبرى، تميزت بالخيال، منها مسيحيو الشرق، والحج إلى مكة، ويهود الشرق، وقناة السويس، والمغرب المعاصر، والآثار المهددة بالانقراض، ونظمنا فعاليات ثقافية رئيسية. تسمح معارضنا لعامة معهد بمواجهة هذا العالم الفريد من نوعه كل يوم. لقد نظمنا معارض رئيسية حققت نجاحات كبيرة مثل تلك التى حظيت باهتمام كبير مثل مسيحيى الشرق أو مثل الحج إلى مكة الذى بينا فيه أن للحج جذورًا تعود إلى فترة ما قبل الإسلام.. منذ ظهور الإسلام، أى لما يقرب من خمسة عشر قرنًا، لم يكن الحج فرصة للقاء دينى، ولكن كان أيضًا اجتماعيًا وثقافيًا، لملايين المسلمين والأجانب من جميع الأصول العرقية والجغرافية.

لهذا السبب دعوت رجال الدين والعلماء والفنانين والمستثمرين والسياسيين وحتى المؤمنين البسطاء، الذين رأوا مكة، لبضعة أيام، عالمًا مصغرًا دوليًا. أردت من خلال معرض الحج أن أعرض الحج إلى مكة بأبعادها المختلفة ومن خلال تطورها التاريخي. التجربة الصوفية الفريدة، فالتأمل الدينى، مصدر الإلهام الفنى والتبادلات بين الثقافات، يتم تقديم هذه الأوجه المتعددة للحج للجمهور من خلال القطع الفنية والمخطوطات والإضاءة والأقمشة والعروض الاحتفالية فى العصور الوسطى. البعد المعاصر كان حاضرًا إلى حد كبير، مع نظرة الفنانين السعوديين إلى الحج، والعديد من المشاريع المعمارية لتطوير الأماكن المقدسة وأقوال الحجاج. النظرة الغربية لم تُنس: نظرة الرسامين المستشرقين والرحالة والمؤرخين عن هذا الحدث المركزى فى الإسلام، متجاوزين موضوعات مشتركة بين الحضارتين العالميتين، وشخصية النبى إبراهيم، والعلاقة مع الآخر. لقد كان أحد النجاحات العظيمة التى حققتها معارضنا التى نُظمت أحيانًا بالشراكة مع الدول العربية، وأقيمت العديد من الأنشطة الأخرى فى المعهد وفى المكتبة الكبيرة، وكذلك اقيمت حفلات موسيقية، ومؤتمرات، وعروض، ومهرجانات. حيث يهدف هذا المعهد إلى زيادة المعرفة ومدى تأثير ثقافة العالم العربى فى باريس. تم إثراء متاحفنا من خلال تبرع ١٥٠٠ عملًا لفنانين معاصرين مثل متحف اللبنانى كلود ليماند، مما جعله أكبر متحف فنى فى العالم العربى فى أوروبا. وكان هناك العديد من الفعاليات التى نظمتها بما فى ذلك مهرجان الفيلم العربى فى معهد العالم العربى.

اليوم فى هذه اللحظة بالذات، النجاح الذى أراه والذى تراه وأنت قادمٌ إلى هنا وأسميه الانتصار،  إذ لدينا حاليًا ٤ معارض متزامنة، أحدها عن تاريخ الدينار فى ظل الإمبراطورية العثمانية بفضل مجموعة رائعة تم إقتراضها، حيث يقدم متحف معهد العالم العربى مجموعة من العملات المعدنية الرائعة، تم الكشف عنها لأول مرة للجمهور. وهى تتكون حصريًا من الدينار والعملات الذهبية التى تم سكها فى العالم العربى الإسلامى بين القرنين الثامن والتاسع عشر.

كذلك معرض بايا التى كانت رمزًا لفن الرسم الجزائرى الذى نحتفل بأول معرض، تكريمًا للفنانة الجزائرية الأكثر تميزًا فى القرن العشرين، والتى انطلقت وهى فى سن السادسة عشرة إلى ذروة الشهرة. وأخيرًا معرض طرق سمرقند وعجائبها من الذهب والحرير. يمكن اكتشاف مجموعة من الأعمال الفريدة المعروضة لأول مرة خارج متاحف أوزبكستان فى متحفنا بالمعهد. تجدون عدة مئات من القطع، والعديد من الروائع التى تم صنعها فى مطلع القرن العشرين، والتى تذهب بنا إلى تاريخ ومعرفة أسلافنا فى بلد هو بوتقة تنصهر فيها حضارات الألفية.

لقد نظمنا العديد من الفعاليات مع احترام التعليمات والأمن الصحى خلال أزمة الوباء، لكننا قدمنا تكريمًا فريدًا لأعظم فنانات الموسيقى والسينما العربية فى القرن العشرين، مع معرض احتفى بتاريخهن وتراثهن المعاصر.. كان هناك طعم موسيقى تم تقديمه على سطح المعهد مع افتتاح نادى المعهد الصيفى، وهو نادى "السطح" بالمعهد.
 

من أم كلثوم إلى داليدا

أقمنا معرض رسم ديفاس، من أم كلثوم إلى داليدا، قدمنا صورًا ملحمية ومذهلة لمغنيات "العصر الذهبى" للأغنية والسينما العربية، من خلال رحلة غذتها بكثرة صور الفترة، وغالبًا غير منشورة من قبل، وتم عرض مقتطفات من أفلام وحفلات أسطورية وتصوير سينمائي. ملصقات برسومات براقة وفساتين مسرحية رائعة ومتعلقات شخصية ومقابلات نادرة. من أم كلثوم سيدة الشرق إلى وردة الجزائرية، من أسمهان إلى فيروز، من ليلى مراد إلى سامية جمال، عبر سعاد حسنى، وصباح دون أن أنسى داليدا منذ أن كانت صغيرة جدًا.. لقد أردت أن يكون المعرض رحلة رائعة إلى القلب من حياة وفن كوكبة المغنيات والممثلات.. كل واحدة منهم تمثل أسطورة حية، ولكن أيضًا عملنا على استكشاف التغييرات العميقة التى أحدثنها. كن أيقونات خالدة، فهن نساء قويات، ورموز محبوبة فى المجتمعات العربية ما بعد الحرب، فرضت هؤلاء المغنيات ذوات القدرة الاستثنائية أنفسهن من القاهرة إلى بيروت، ومن المغرب إلى باريس، مجسدات فترة من الانفعال الفنى والفكرى، وقدمن صورة جديدة للمرأة، وكذلك بأبعاد سياسية وطنية تم التعبير عنها منذ بداية العشرينيات من القرن الماضى، وخاصةً فى مصر حتى السبعينيات، وقد سلط هذا المعرض، من خلال هؤلاء المغنيات، الضوء على التاريخ الاجتماعى للمرأة العربية وبروز تيار النسوية داخل هذه المجتمعات الأبوية، وحجم مشاركتها فى نضالات القومية العربية والاستقلال فى سياقات الاستعمار وإنهاء الاستعمار، وقبل كل شيء سلطنا الضوء على دورهن المركزى فى مختلف المجالات الفنية التى ساهمن فى إحداثها.
 

لو ديالوج: كل هذا يخلق حركة فنية وثقافية ولهذا عاد الشباب والصغار بعد غياب طويل؟.

جاك لانج: نعم هذا صحيح، وأنا سعيد بهذا، ففى الواقع، كما لاحظت، عاد الشباب أخيرًا وتراه حاضرًا بقوة لمشاهدة فعاليات المعهد، ليس فقط فى المعارض ولكن أيضًا فى ورش العمل والفعاليات الموسيقية والمؤتمرات والمناقشات.

لو ديالوج: من هى أكثر الشخصيات التى لا تنسى والتى التقيت بها وأصبحت صديقًا لها؟

جاك لانج: لا أريد أن أقوم بتكريم شرفى لنفسى، فهذا صعب ومحرج، فأنا لا أريد أن أختار بين بلد وآخر، لكن هناك ملوك وأمراء ورؤساء دول. أعتقد أننى كنت محظوظًًا فى بعض الأحيان للاستفادة من الصداقة أو التكريم والاعتراف من عدد كبير جدًا من الشخصيات والقادة والمثقفين والفنانين، وغالبًا ما يتصلون بى ويكتبون لى ويدعوننى إلى منازلهم أو بلادهم.

لو ديالوج: ما هى المشاكل التى تواجهك وما هى العقبات التى تعوقك فى أنشطتك؟

جاك لانج: فى الواقع، كل المشكلات تحل عندما تكون لدينا حالة ديناميكية، فلن توجد مشكلة، عندما تمضى قدمًا وتحدد الطموحات. عندما نتحدث عن موظفى المعهد، صراحة، إنه لأمر رائع، تشعر بمدى تضامنهم مع عملنا.. عندما وصلت إلى هنا، كانت هناك إضرابات دائمة، اليوم، لا أقول إن كل شيء على ما يرام ولكنى أشعر بمزيد من التعاطف والمحبة والتضامن. فى كل مرة أقابل فيها زائرًا يخبرنى أنه سعيد جدًا لاستقباله من قبل موظفى الاستقبال الذين يشعرون بالفخر والسعادة وهم يعملون، ويسعدنى ذلك كثيرًا، إنه أمر رائع. إنهم جزء دائم من المغامرة، ليس فقط لعملهم الجيد، فهنا فى المعهد تجد السعادة.

لو ديالوج: كنت مرجع الرئيس ميتران للثقافة.. هل تتذكر المرة الأولى التى رأيته فيها؟ وهل كان تعيينك وزيرًا للثقافة أول مهمة أوكلها إليك؟

جاك لانج: لا.. ميتران كنت أعرفه قبل فترة طويلة من توليه الرئاسة، عرفته فى عام ١٩٧٥، بعد أشهر قليلة من فشله أمام فاليرى جيسكار ديستان لخلافة الرئيس بومبيدو الذى وافته المنية وهو يزاول عمله كرئيس للجمهورية. دعوته إلى مهرجان المسرح العالمى الذى أنشأته فى نانسى، وكان شغوفًا بالثقافة الطليعية وجاء لزيارتى، ثم عاد بعد ذلك بعامين لرؤيتى والتقينا كثيرا. ولدت الثقة بيننا وأصبحنا أصدقاء. فى أحد أيام شهر مايو من عام ١٩٨٠ (قبل عام واحد من انتخابه الرئاسى) طلب منى أن أكون جزءًا من فريق عمله، وعهد إلى بتوجيه وإعداد الحملة الأولى بالاقتراع العام للبرلمان الأوروبى، لقد كان حدثًا كبيرًا. كما طلب منى أن أكون مستشاره فى مجال الثقافة. عندما أصبح رئيسًا، سألنى فى اليوم التالى لانتخابه لتنظيم الأحداث، وطلب منى أن أقود يوم التنصيب، أى تنظيم دخوله إلى المنصب الرئاسى، فى قصر الإليزيه لممارسة السلطة.. جعلته ياتى للرئاسة من خلال شارع الشانزليزيه من عند قوس النصر. لقد صممت له حدثًا كبيرًا، فى الحى اللاتينى، وحى الشباب، وحى الطلاب، ومنتدى الانفتاح على العالم. لقد صنعنا أحداثًا مهمة. لقد تعاونا مع شخصيات عظيمة دعمت عملنا. وكذلك حينما دخل البانثيون (مقبرة العظماء)، حيث وضع الزهور على قبور عدد من الشخصيات، مثل جان جوريس، مؤسس الاشتراكية، وجان مولين المقاوم العظيم، وفيكتور شولشر رجل إلغاء الرق، وآخرين، كان فى الواقع يومًا لا ينسى وشكرنى عليه جدًا، وبعد أيام قليلة، شكل حكومته، وعيننى وزيرًا للثقافة دون أن يسألنى، كان ذلك شبه طبيعي.

 

لو ديالوج: أنت من عشاق اللغة العربية حتى أنك ألفت كتابًا عن كنوزها، فلماذا تحب هذه اللغة؟

جاك لانج: بالتأكيد أنا عاشق للغة العربية، لطالما قلت للعرب أنهم يجب أن يفخروا بها، لأنها لغة جميلة جدًا.. بالفعل لغة فيها نغمة ممتعة من الناحية الموسيقية. ومن ناحية أخرى، إنها رائعة ففى رسوم حروفها فن جميل، لغة جميلة جدًا من خلال ثراء المفردات المذهلة، فهى خامس أكثر اللغات استخدامًا فى العالم، وهى لغة الفلسفة فى القرنين الثامن والتاسع، وهنا أدخلت الفلسفة العربية فى الموضوعات التى يتم تدريسها فى المعهد.  فنحن بفضل اللغة العربية، عرفنا فى الغرب عظماء الفلاسفة والرياضيين وكبار العلماء العرب. إنها لغة الاقتصاد وعلوم الفضاء. إنها أيضًا اللغة التى سمحت بمرور الحضارة من العصور القديمة اليونانية إلى الغرب، وباختصار، أجد أن اللغة العربية هى واحدة من اللغات العالمية العظيمة، وهذا أحد الأسباب الذى من أجله حاربت، بالمناسبة، لإعادة اللغة العربية إلى مكانها الحقيقى، كانت معركتى الشخصية كوزير للثقافة، ثم هنا بصفتى رئيسًا للمعهد، أنشأنا شيئًا فريدًا فى العالم للغة العربية، وهو شهادة دولية لتقييم المستويات المختلفة، مثل اللغة الإنجليزية (التويفل)، ونقدم شهادة للغة العربية معترفًا بها عالميًا.

أردت أن تكون خامس لغة منطوقة فى العالم يتم تدريسها من قبل السلطات العامة والجامعات. يستمر العمل فى هذا المجال، هناك فريق كبير معى يتعامل مع هذا الموضوع، أنشأنا سيما (CIMA) وهى الشهادة الدولية لإتقان اللغة العربية، التى طورها معهد العالم العربى بخبرة  Franوزارة التربية الوطنية الفرنسية، وهى الأولى عالميًا كشهادة عربية معترف بها تثبت المستوى فى اللغة العربية الفصحى الحديثة. حاليا موجودة فى العديد من المدارس الثانوية، والتى تقدمها أيضًا العديد من الجامعات فى فرنسا وفى العديد من البلدان أيضًا.
 

لو ديالوج: يسعدنا سماع هذا من مثقف فرنسى عظيم، لأن بعض الأصوات فى فرنسا تقول إن تدريس هذه اللغة سيسهم فى نشر الأفكار الراديكالية والأصولية والإرهاب، إلخ؟.

جاك لانج: الأمر على العكس من ذلك تمامًا.. أولًا وقبل كل شىء، إنهم أقليات الذين يقولون ذلك، إنهم متعصبون وأغبياء. إن أفضل طريقة لمحاربة الأصولية والتعصب والتطرف هى المعرفة، إنها الثقافة، بالعلم. فمعرفة لغات العالم هو بمثابة صنع السلام فى العالم.
 

لو ديالوج: كيف تقيم تأثير الثقافة العربية والعلوم على الثقافة العالمية؟

جاك لانج: التأثير العربى كبير ومهم جدًا وملحوظ فى ثقافتنا وعلومنا الغربية وبعض مفرداتنا اللغوية، أنت تعلم أننى طلبت أن نخصص كل يوم ثلاثاء هنا فى المعهد العالم العربى يومًا للفلسفة العربية، وكثير من الناس يأتون إلى هنا لمتابعة ثلاثاء الفلسفة العربية، التى لم تكن هذه المبادرة موجودة من قبل، وأتمنى أن نأخذ هذه المبادرة ونعممها فى جميع أنحاء العالم حتى يتمكن الناس من معرفة كنوز الأفكار العربية وتأثيرها الإيجابى على الثقافة الغربية.. أتمنى أن أفعل ذلك فى العالم العربى أيضًا، لقد فعلت ذلك فى المغرب. أرى أن هناك العديد من المبادرات المتخذة فى الوقت الحالى، فى الدول العربية، ولا سيما فى العربية السعودية أو فى الإمارات العربية المتحدة، يجب إعطاء الفلسفة العربية مكانة أكثر أهمية فى المجتمعات العربية الحالية.
 

لو ديالوج: هل لديك أصدقاء بين وزراء الثقافة العربية؟

جاك لانج: كثيرون وأقدر تقديرًا عاليًا السيدة نورة الكعبى، وزيرة الثقافة فى دولة الإمارات العربية المتحدة، فهى إمرأة مثقفة للغاية ورائعة للغاية وأنيقة للغاية. كذلك الأمير بدر بن عبد الله آل سعود، وزير الثقافة السعودى، إنه رجل حقق ثورة مذهلة، إنه حقًا لا يمكن تصور ما حققه فى المملكة العربية اليوم، وهناك فى كل مكان فى العالم العربى، شخصيات مثقفة ثقافة راقية وعلماء من الدرجة الأولى، أرى أن إحدى التغييرات الإيجابية اليوم فى العالم العربى هو الجودة الفكرية والثقافية الاستثنائية لقادته فجميعهم يتحلى بفكر راجح وثقافة موسوعية ورؤية محبة لشعوبهم.
 

لو ديالوج: بعيدًا عن  معهد العالم العربى، ما هو تقييمك للعلاقات الثنائية بين فرنسا والدول العربية التى شاركت فى تحسينها وتعميقها؟

جاك لانج: نعم بالفعل، أنا فخور بالمساهمة فى تحسينها والعمل على تعميقها، فأنا دائمًا ما أواصل القيام بذلك.. بشكل عام، حاليًا هذه علاقات جيدة جدًا، وفقًا للتقاليد، ترتبط فرنسا ارتباطًا وثيقًا بالعالم العربى سواء خلال الفترات المتوترة أو الجيدة، وكل القادة الفرنسيين يعرفون ذلك، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية المختلفة، فقد كانت هناك فترة الاستعمار، كانت مرحلة مروعة نوعًا ما، الحرب الجزائرية التى عرفتها، كانت أوقاتًا صعبة للغاية، كان هناك أيضًا الانتداب الفرنسى فى لبنان وسوريا وتونس والمغرب. أعتقد حاليًا أن روابط إيمانويل ماكرون بالعالم العربى ممتازة مثل الروابط التى تمتع بها الرؤساء هولاند وساركوزى وشيراك وميتران وجيسكار وبدءًا من الجنرال شارل ديجول. إن هذا النسق بات جزءًا من التقليد الفرنسى الآن.
 

لو ديالوج: متى تتقاعد؟ أما آن لك أن تستريح استراحة المحارب؟

جاك لانج: (يبتسم) لن أتقاعد أبدًا، فأنا رجل المهام الصعبة، وسأواصل عملى الثقافى وكمناضل ثقافى هنا أو فى أى مكان آخر، لست قلقًا على نفسي. أنت تعرف أننى رجل ثقافة وفعل، لذلك أحب العمل والابتكار والتقدم، وتحقيق الأحلام الجماعية.. ليس فقط أحلامى وإنما أحلام الآخرين أيضًا، لذلك إذا قرر الرئيس ماكرون، فيمكننى مواصلة كفاحى هنا فى المعهد إذا أراد استمرار هذا النهج. أو استمر على هذا المنوال بعمل فى مكان آخر. على الرغم من كل شيء، تعلمون أننى كنت الاستثناء أيضًا، فهذه هى المرة الأولى التى يتم فيها تعيين رجل الثقافة والعمل كرئيس للمعهد وقبل كل شيء عاشق للعالم العربى ويعرف المنطقة جيدًا. قبل ذلك كانوا يعينون وزيرًا سابقًا، أو نقل مسؤول أو موظف سابق للعمل هنا، وغالبًا لم يمكث طويلًا.. كان يبقى رئيسًا لمعهد العالم العربى لمدة عامين أو ٣ سنوات أو ٤ سنوات كحد أقصى. أما أنا فقد مكثت لمدة ١٠ سنوات، فهناك استقرار ومدة كبيرة، سمحت لى بالعمل بعمق. أيًا كان القرار الذى يتم اتخاذه بالنسبة لرئاسة معهد العالم العربى، أود أن يستمر التقليد الجديد، وأن يعين شخصية ثقافية لا جدال فيها ومعترف بها دوليًا لرئاسة المعهد. [تنتهى مدة رئاسة المعهد بانتهاء شهر فبراير الحالى، وتنتظر الأوساط الثقافية قرار التجديد للرئيس الحالى جاك لانج أو اختيار شخصية أخرى].
 

لو ديالوج: ما هو حلمك الشخصى؟

جاك لانج: أحلم بمواصلة عملى فى الثقافة، أنا عاشق للعالم العربى، يجب أن يستمر المعهد فى هذا المسار، لقد خططت للسنوات القادمة. لقد أعلنت هذا العام على سبيل المثال، أننى قررت إقامة معرض كبير عن فلسطين، وآخر عن عطور الشرق، ومعرض آخر للرسامين العرب وفكر بيكاسو، إلخ. علاوة على ذلك، فقد وضعنا على المسار الصحيح تحولًا لمتحف المعهد لجعله أكبر متحف للفن المعاصر فى الغرب بفضل التبرعات التى تمكنت من الحصول عليها من الفنان الفرنسى من أصول لبنانية كلود ليمان. لذا فإن برنامج العمل الجاد مهم للغاية، ناهيك عن كل الأفكار التى يتم الإعلان عنها فى مؤسسة كهذه تثير الحماس، لذا تأتى المشاريع إلى. كل يوم أقابل أشخاصًا يقدمون لى مشاريع مثيرة، فالمعهد فى حالة حركة مستمرة، ولدينا بعض الأفكار للحصول على المزيد من التقارب بين الشعوب العربية والشعب الفرنسي. أحلم أيضًا بإنشاء معهد كبير للعالم العربى فى دولة عربية كبيرة، مما يتيح للثقافة العربية أن تكون أكثر حضورًا واحترامًا فى مجتمعاتهم، وأنا على استعداد للمساعدة بتجربتي. كما أتخيل معهد العالم العربى فى واشنطن أو نيويورك، وقد تناقشت فى المشروع مع وزيرة الثقافة الحالية السيدة ريما عبد الملك، وهى شخصية لبنانية - فرنسية، تتمتع بمعرفة حميمة ورائعة للحياة الثقافية.. حضورها فى الوزارة علامة.. المشروع قيد الدراسة حاليًا. لذلك لا نفتقد هنا إلى الأفكار الكثيرة.

لمطالعة موقع ديالوج.. عبر الرابط التالي:

 

https://www.ledialogue.fr/