الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

تونس فى مواجهة تناقضات الغرب.. المحامى فيليب دى فيول فى حوار خاص مع «لوديالوج»: الأوروبيون عالقون بين فكى التدخل الأخلاقى ومخاوف الهجرة!

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

قال المحامى فيليب دى فيول، المتخصص فى الهجمات الجهادية والجغرافيا السياسية، إن تونس بلد رئيسى فى مسألة سيطرة الاتحاد الأوروبى على الهجرة، وإن الرئيس قيس سعيد اضطر لتعليق السلطة التشريعية لتنفيذ إصلاحاته ومحاربة التهديد الإسلامي؛ مستدركًا بأن «الرئيس التونسى كان عليه أن يتصرف بطريقة غير تقليدية للخروج من سيطرة الحركة الإسلامية».
وأضاف فيليب دى فيول، فى حواره مع الكاتب الصحفى ألكسندر ديل فال، حول التطورات التى تشهدها تونس فى الفترة الأخيرة، أن «السياسة الخارجية الفرنسية دخلت فى طريق مسدود منذ ولايتى الرئيس إيمانويل ماكرون»، وأنه «من المرجح أن الرئيس التونسى شعر بأن فرنسا والاتحاد الأوروبى قد تخليا عنه"؛ مشيرًا إلى أن «الجزائر تحصل على عتاد عسكرى من روسيا الاتحادية التى أبرمت معها اتفاقيات عسكرية».
وأشار دى فيول، إلى أن «الاتحاد الروسى طور سياسة خارجية مكثفة ومتعمقة وماهرة مع فريق دبلوماسى متمرس»، وأنه «كان لدى أوروبا تهاون تام فى دعم الحركة الإسلامية المرتبطة بالشبكة الإرهابية"؛ معتبرًا أن «المعايير التى تفرضها فرنسا فيما يتعلق بمراقبة التأشيرات والقيم والحريات المجتمعية لا تتوافق مع الجزائر اليوم»... مزيد من التفاصيل فى نص الحوار التالى:
"لوديالوج": ما شعورك تجاه زيارة دارمانان الأخيرة لتونس؟ هل هذه بداية مصالحة بعد فترة من الانتقادات؟
فيليب دى فيول: هذه بالفعل زيارة استدراك رسمية؛ فمنذ انتخاب الرئيس قيس سعيد فى عام ٢٠١٩، كانت الحكومة الفرنسية فى البداية تراقب ثم تحفظت وبعد ذلك انتقدت بعد الإصلاحات الدستورية القوية التى اتخذها الرئيس التونسى الجديد.
لتنفيذ إصلاحاته ومحاربة التهديد الإسلامى، اضطر إلى تعليق السلطة التشريعية. كان منصب رئيس الوزراء آنذاك محدودًا، مع تركيز السلطة التنفيذية فى يد الرئيس. أما بالنسبة للسلطة القضائية، فقد أعيد تشكيلها بالكامل من حل المجلس الأعلى للقضاء إلى عزل ٥٧ قاضيًا فى الآونة الأخيرة بمرسوم رئاسى بسيط.
هذا لم يرض الحكومات الغربية المختلفة وفرنسا على وجه الخصوص. وهذا أمر مثير للدهشة إلى حد ما، لأن الرئيس التونسى كان عليه أن يتصرف بطريقة غير تقليدية للخروج من سيطرة الحركة الإسلامية. كل ذلك كان فى الأساس يعتبر أولوية لمحاربة آفة الإرهاب الإسلامى.
«لوديالوج": هل توجد بالفعل منافسة مع إيطاليا بقيادة جيورجيا ميلونى، والتى جاءت فى ٦ يونيو بمفردها وفى ١١ يونيو جاءت مع فون دير لاين على وجه الخصوص؟
فيليب دى فيول: من الناحية السياسية لا توجد منافسة مع جيورجيا ميلونى، رئيسة المجلس الإيطالى التى ذهبت إلى تونس، مع أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، ومارك روته، رئيس الوزراء الهولندى، الذى مثل جميع الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى، تقدم عرضًا بأكثر من مليار يورو، مع مساعدة صندوق النقد الدولى، للمساهمة فى إنعاش الاقتصاد التونسى وإيجاد حلول للسيطرة على الهجرة من تونس.
من الناحية الفنية، هناك بالفعل منافسة سياسية بين رئيسة المجلس الإيطالى ووزير الداخلية الفرنسى جيرالد دارمانان الذى قدم، من جانبه، اقتراحًا بميزانية قدرها ٢٦ مليون يورو وهو مبلغ - مثير للسخرية فى مواجهة هذه المخاطر- يهدف إلى تدريب موظفى الخدمة المدنية والسماح باقتناء زوارق سريعة للمراقبة البحرية للسواحل التونسية خاصة أن فرنسا والاتحاد الأوروبى لديهما البحرية الوطنية الخاصة بهما ويمكنهما العمل مع المهربين مثل نيوزيلندا لحماية الحدود.
«لوديالوج": هل تفقد فرنسا تميزها فى شمال أفريقيا بعد أن فضلت الجزائر إيطاليا بالفعل؟
فيليب دى فيول: دخلت السياسة الخارجية الفرنسية فى طريق مسدود منذ ولايتى الرئيس إيمانويل ماكرون، ويرتبط ذلك بعدة أسباب: أزمات الحركات الاجتماعية، ونتائج كوفيد، والصراع الروسى الأوكرانى، وأخيرًا هشاشة الأغلبية النسبية فى البلاد خاصة فيما يتعلق بإصلاح نظام التقاعد، ولقد تسببت هذه العناصر بالتأكيد فى فقدان الرئيس ماكرون لنفوذ فرنسا، بما فى ذلك مناطق مثل المغرب العربى، حيث لعبت فرنسا دورًا مهمًا من خلال ماضيها الاستعمارى والتاريخى.
ويبدو أن المعايير التى تفرضها فرنسا فيما يتعلق بمراقبة التأشيرات والقيم والحريات المجتمعية لا تتوافق مع الجزائر اليوم. ومن الواضح أن رئيس الجمهورية الجزائرية عبد المجيد تبون شدد رسالته ضد فرنسا، لا سيما بإعادة إدخال أبيات معادية لفرنسا فى النشيد الوطنى الجزائرى.
ومن الواضح أن وجود الرئيس الجزائرى إلى جانب الرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى سانت بطرسبرج إهانة مزدوجة للرئيس الفرنسى. وفى الحقيقة انضمام الجزائر إلى البريكس لا يفاجئ أحدًا خاصة أن الجزائر تحصل على عتاد عسكرى من روسيا الاتحادية التى أبرمت معها اتفاقيات عسكرية.
وهذا يجعل من الممكن، ردًا على السؤال المطروح، بتأكيد تفضيل الجزائر لإيطاليا، أن هذين البلدين لم يسبق لهما أن كان لهما ماض استعمارى أو متضارب.
«لوديالوج": هل تتحول تونس إلى جانب القوى القومية والمتعددة الأقطاب الموالية لروسيا فى مواجهة ما يُنظر إليه على أنه «غطرسة» فرنسية وغربية أخلاقية نفاقية.. لكن هندسية متغيرة؟
فيليب دى فيول: استمرارًا للسؤال السابق، يمكن أن يمتد منطق انفصال الجزائر عن فرنسا إلى السياسة التونسية ومن المرجح أن الرئيس التونسى شعر بأن فرنسا والاتحاد الأوروبى قد تخلت عنه، بينما لم يعتبر الاتحاد الروسى الرئيس التونسى رئيسا منبوذا ينتهك الفصل بين السلطات.
لا يمكن لأى نظام سياسى فى العالم أن يدعى الفضيلة المطلقة فى احترام القانون والحقوق كما أن الاضطرابات الجيوسياسية والجيواستراتيجية التى تحدث اليوم غير مسبوقة منذ بداية القرن الحادى والعشرين وتزعج الحرب الروسية الأوكرانية النظام العالمى الجديد برمته، حيث جذب «الغرب» - الذى أقنعته الولايات المتحدة - جميع الدول الغربية إلى دعم لا يتزعزع لأوكرانيا.
ومنذ بداية هذا الصراع، اعتقد الغرب أن العديد من مناطق النفوذ الأخرى خارج الغرب سوف تنجذب إلى هذا المخطط؛ باستثناء أستراليا، لم يبق أحد. وهذه كارثة بالنسبة للغرب، الذى لطالما اعتبر نفسه كيانًا واثقًا من نفسه ومهيمنًا وفخورا بفنسه؛ لكن الرئيس فلاديمير بوتين ليس القذافى ولا صدام حسين؛ فبوتين هو الرئيس المنتخب للاتحاد الروسى، الذى يمتلك أكبر مخزون من الصواريخ ذات الرءوس النووية (رأ٧٠٠٠) مثل الولايات المتحدة.
كما طور الاتحاد الروسى سياسة خارجية مكثفة ومتعمقة وماهرة مع فريق دبلوماسى متمرس يعمل فى حوار وتقارب جيوسياسى وجيوستراتيجى يفاجئ بنجاحاته الدبلوماسية ودعمه فى هذه الحرب.. ويجد الغرب نفسه وحيدًا تقريبًا، مع حلف الناتو كأداة عسكرية مع أستراليا باعتبارها القارة الحليفة الوحيدة البعيدة.
هذا الدعم الغربى الثابت لأوكرانيا، ولرئيسها زيلينسكى، على الرغم من التحذيرات العديدة من الاتحاد الروسى من خلال العديد من المقابلات الرفيعة المستوى واتفاقيات مينسك ١ و٢، يأتى بتكلفة بشرية كارثية لأوكرانيا، وهذا بعد هجوم مضاد كارثى فى الأيام القليلة الماضية.
ويعكس هذا التطور الطويل الضرورى موقف تونس من قيس سعيد، الذى ربما يكون أكثر ميلًا إلى دعم روسيا والانضمام إلى مجموعة البريكس، على الرغم من مقترحات الاتحاد الأوروبى وصندوق النقد الدولى خاصة أن هناك خوفًا كبيرًا من المتانة المالية والمصرفية للغرب ولمجموعة السبع الكبرى.
«لوديالوج": هل تحاول تونس رفع الرهان وذلك برفض لعب دور الشرطى فى مواجهة الهجرة غير الشرعية؟
فيليب دى فيول: تونس بلد رئيسى فى مسألة سيطرة الاتحاد الأوروبى على الهجرة. إنها تدرك تمامًا الفائدة من ذلك لأنها هى نفسها واجهت موجة من الهجرة على أرضها من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. أدى ذلك إلى تصعيد الانتقادات من مستشارى الاتحاد الأوروبى ووسائل الإعلام الأوروبية التقدمية السائدة. هذه الانتقادات مجتمعة لا تعمل لصالحنا ضد النضال من أجل الهجرة.
يدرك الرئيس قيس سعيد ذلك تمامًا ويعرف أنه يلعب دورًا أساسيًا فى حل هذه المشكلة الرئيسية التى تقلق إيطاليا وفرنسا وبقية دول الاتحاد الأوروبى على حد سواء. ويمكن لتونس أن تلعب دورًا مهمًا مثل تركيا فى مسألة السيطرة هذه لكن «أن تحكم هو أن تعرف أن تتوقع»، ويبدو أن انتقادات وتردد الاتحاد الأوروبى تجاه الرئيس التونسى لم يساعدا حقًا فى هذه المسألة الجوهرية.
هذا ما يفسر هذه الرحلات المختلفة التى قامن بها رئيسة المجلس الإيطالى ميلونى مع أورسولا فان دير لاين، ومؤخرًا، رحلة وزير الداخلية جيرالد دارمانان كجلسة استدراك، متأخرة قليلًا.
«لوديالوج": أين تونس من آفات الجهاديين والإخوان المسلمين المزدوجة؟ هل تسير البلاد بقيادة قومى عربى على غرار عبد الناصر وعلى خطى مصر السيسى، التى تحارب بشكل كامل هؤلاء الإسلاميين أنفسهم الذين رحبت بهم أوروبا لسنوات، مثل الغنوشى أو كثيرين آخرين؟
فيليب دى فيول: كما رأينا، لم يرَ أحد الإرادة السياسية تأتى من الرئيس الجديد للجمهورية التونسية فى معركته ضد التحدى الإسلامى فى بلاده. ربما كان هذا جزءًا من استراتيجيته الرئاسية التى وضعها بالأحرى فى إطار مكافحة الفساد. وبالفعل، فقد تورط حزب النهضة الإسلامى فى العديد من قضايا الفساد والفضائح التى شوهت الحياة السياسية التونسية إلى درجة تغيير النظام البيئى الاقتصادى والاجتماعى فيها.
واليوم خلف القضبان رئيس حزب النهضة راشد الغنوتشى حيث وعد بالأسوأ بابتزاز الحرب الأهلية فى حالة الاعتقال وهذا لم يحدث حتى الآن ويسيطر الجيش حاليًا على البلاد، على الرغم من أن مواجهة خطر الهجوم ليست خيارًا، ولوحظ ذلك خلال الهجوم الأخير فى جربة ضد الكنيس من قبل جندى إسلامى متسلل.
وتؤكد مظاهرة القضاة التونسيين ذلك، لأن الرئيس التونسى فى الواقع يهاجم الشر من جذوره، من خلال إصلاح القضاء بشكل معمق، وكذلك من خلال تسريح العديد من القضاة الذين اخترقهم السديم الإسلامى لجماعة الإخوان المسلمين، مثل السابق. القاضى بشير أكريمى المتورط من قبل جمعية Iwatch والمستفيدين من ضحايا الاغتيالات الإرهابية الإسلامية للزعيمين السياسيين التقدميين شكرى بلعيد ومحمد براهمى.
كما قدم أربعة ضحايا فرنسيين فى هجوم باردو شكوى إلى المدعى العام فى تونس ضد بشير أكريمى لعرقلة الأدلة فى إظهار الحقيقة فى التحقيق فى الهجوم الإرهابى الإسلامى فى متحف باردو فى ١٨ مارس ٢٠١٥.
فى الختام، كان لدى أوروبا تهاون تام فى دعم الحركة الإسلامية المرتبطة بالشبكة الإرهابية، وعلى وجه الخصوص مع راشد الغنوتشى، الذى حصل حتى على وسام بريطانيا العظمى من سفيرها بناءً على طلب الشرطة البريطانية «سكوت لانديارد».
ومن الأفضل أن نعترف رسميا بمبدأ الإشباع والإرضاء، حيث تلاقت التقارير والأفعال فى تقارب واضح بين زعيم حزب النهضة والتيار الإسلامى والشبكات الإرهابية. وفى الحقيقة، تضيع أوروبا الغربية فى تناقضاتها، بافتقارها إلى قناعات من جانب قادتها، وللأسف، فإنها محاصرة من واقع إلحاح مسألة الهجرة التى من الواضح أنها تستنزف خطر العناصر الإرهابية المستعدة لضرب الاتحاد الأوروبى مرة أخرى بالهجمات.
معلومات عن الكاتب: 
فيليب دى فيول، المحامى المتخصص فى الهجمات الجهادية والجغرافيا السياسية، والذى دافع بشكل خاص عن ضحايا هجوم باردو (18 مارس 2015) وهجوم باتاكلان (11 نوفمبر 2015) وهجوم نيس (14 يوليو 2016). من خلال ثباته فى الدفاع عن ضحايا الإرهاب، يعتبره الإعلام والسياسيون فى العالم العربى من أفضل محللى الحركات الإسلامية فى تونس.. الكاتب الصحفى ألكسندر ديل فال أجرى معه حوارًا حول التطورات التى تشهدها تونس فى الفترة الأخيرة، والتى تميزت بزيارات متتالية لعدد من القادة الأوروبيين.